د/ عادل فهمي
لا يسأم خصوم الإخوان من ترديد ذات الحجج في مختلف الأوقات والأماكن جريا على قاعدة إذا أردت أن تكذب ويصدقك الناس ..كرر ما تقول..وارفع صوتك .. أصر على ما تقول بعد فترة يضطر الناس إلى التصديق..!!
فهل هذه الاتهامات واقعية أم خيالات في أذهان الخصوم ؟!
حاولت إجراء تحليل لما يقال وينشر ويذاع على ألسنة خصوم الإخوان وبخاصة بعد انتخاب الرئيس ..فوجدت ذات الأفكار التي كانت تتردد أيام الاستفتاء على الدستور وأيام الانتخابات البرلمانية وأيام انتخابات الرئاسة ..وسوف نراها في الاستفتاء القادم والانتخابات البرلمانية.. ترى هذا الإصرار من أين يأتي ومن يحاول تداوله وتثبيته لي الرأي العام ؟!
طبعا نحن متفقون على أن كل تجربة وليدة لها أخطاء .. وكل عمل له من يؤيده ومن يختلف معه..و نحن أول من يحتكم إلى العقلانية و الموضوعية والمنهجية..لكن أن يكون الهجوم لمجرد الهجوم .. وابتزاز الآخر ..وإثبات النزاهة وتشويه الآخرين..هذا ما لاحظته في مجمل الهجوم على الإخوان وعلى الرئيس ..
خلاصة الاتهامات الموجهة للإخوان والرئيس:
القرارات تتخذ في مكتب الإرشاد ".. " الإخوان يعملون لمصلحتهم الخاصة فقط".. "الإخوان يردون على الاتهامات بشكل حاد".. " أداء الإخوان السياسي يعود بالدولة
إلى الوراء".." الإخوان يعتبرون كل نقد موجه لهم هو نقد ضد الإسلام".. " الإخوان يحتكرون الحقيقة ".." الإخوان يسعون للسيطرة على كل مؤسسات الدولة ".. " الإخوان ليسوا صادقين و يخلفون وعودهم"... "الإخوان يميزون في المعاملة ضد أقباط مصر.." الإخوان لديهم آراء متحجرة ..!! " الإخوان يتفقون في الخفاء مع أعداء مصر "..الإخوان سوف يفرضون الحجاب..الإخوان سوف يفرقون بين النساء والرجال..وسوف يلغون الفن والإبداع..الإخوان احتلوا مصر..!!
وما أثار دهشتي هو تجاهل الإخوان لكثير من هذه الاتهامات.. وإن ردوا عليها يردون بشكل مهذب وعفيف وغير مخطط ..وكثيرا ما يتغافلون عن هذه المعارك..!!
ولكنني قررت إخضاع هذه الاتهامات للتحليل البسيط فوجدت هذه المقولات المصاغة بعناية للتحليل تتسم بالسمات التالية:
1- الاحتراف في الصياغة:
أن صياغة المقولات هي صياغات محترفة وليست صياغات شعبية لهواة.. مما يدل على أن مصدرها مراكز أبحاث وجهات مؤسسية وراءها جماعات مصالح ومؤسسات صانعة للقرار لها رغبة ومصلحة في تداول هذه المقولات..ونشرها على أوسع نطاق..وأترك للقارئ أن يسبح في تحديد أسماء ومواقع هذه الكيانات التي تصدر هذه الاتهامات داخليا وخارجيا..! وقد اجتمعوا على قلب رجل واحد .. وعلى رأي شوقي: إن المصائب يجمعن المصابينا..!! فقد جمعهم بغض الإخوان..!!
2- الاستمرار والثبات:
عرض هذه المقولات طول الوقت وبصيغ متقاربة وتنويعات شكلية مع ارتفاع أصوات بعينها من فصائل ذات تاريخ عدائي مع الإخوان لهم وجاهة عند بعض الناس في الداخل وفي الخارج :(يساريين/ ليبراليين/ نظام قديم) ..هذه الاستمرارية تعني الإصرار ..وهذا الإصرار ليس من سمات الأشخاص العاديين الذين تتغير آراؤهم حسب ما تقدمه لهم وسائل الإعلام وفقا لنظرية (Agenda Sitting) إذن نحن أمام أشخاص يعلمون جيدا تأثير هذه الاتهامات ويصرون على إلصاقها بالإخوان لتحقيق مكاسب سياسية خاصة وليس للمصلحة العامة..!! وهذا نوع أسود من الإقصاء للخصم وعدم تقبله ولا احترام خياراته..فما بالنا إن حكم هؤلاء مصر ماذا نتوقع منهم بالله عليكم؟!!
3- الجماعية والتنسيق:
ليس من قبيل المصادفة اتفاق عدد كبير من الصحف والقنوات والمواقع في بث ذات المقولات الهجومية، مع تنويع الأشكال الفنية لزوم التأثير وادعاء المهنية.. تجد كتابا في صحف قومية وعشرات في صحف معارضة .. ومذيعون كثر على نفس الموجة ..وهذا الاتفاق ليس شرطا أن يكون بتوجيه من مصدر واحد ولكن اتفقت مصالح الجميع عليه ..فهم في معزوفة واحدة ..من أجل جلب الجماهير وتشويه تجربة مصر في التحول الديموقراطي..!!
4- اختلال التوازن في أداء الوظائف الإعلامية:
تعلمنا أن وظائف الإعلام هي الإخبار المحايد والتحليل والتفسير والتثقيف والترويح والترويج .. لكننا نجد جوقة الإعلام المهاجم قد انحرفت عن مسارها المهني..وحصرها أصحابها والعاملون بها في فرع واحد هو الإخبار والتعليق على ما يجري وكيل الاتهامات لفصيل بعينه.. لم أجد تغطيات موضوعية ولا تحليل مهني متوازن..ولا تعبير حقيقي عن قضايا ومشكلات واحتياجات الجمهور ..أو مراعاة حالة التهدم التي تمر بها الدولة التي تحتاج إلى إعلام تنموي حقيقي يستقطب الرأي العام ويوجهه.. فصارت مؤسسات الإعلام بهذا الانحراف المهني أداة لإفساد الرأي العام ..!! أرجو فقط متابعة قنوات عربية موجهة من دول أجنبية فقط للتعلم ومعرفة أين وصل الناس من حولنا..!! وأين انحدرنا في الممارسة الإعلامية والسياسية..!!
5- تآزر المهاجمين وتنوع مشاربهم:
لاحظت توزيعا مدهشا للأدوار وانضمام فصائل مختلفة للهجوم فالتعاون بين مؤسسات المجتمع المدني..ومؤسسات إعلامية وأحزاب سياسية..وكيانات دينية لاستهداف الإخوان وتوجيه الاتهامات لهم ..أمر ظاهر مما يعنى أن هناك مصالح مشتركة ومنافع متبادلة لهذه المؤسسات مجتمعة من تشويه سمعة الإخوان ومهمتهم في بناء الدولة والانتقال بها من حالة الفساد الكبير والصغير إلى حالة أقرب للصلاح والشفافية والعدل والحرية..وما علينا إلا أن نراقب سبب التحالفات الأخيرة لنعرف كمّ هذا الاستهداف ونوعه واتجاهه الأوحد.. ضد الإخوان فقط !
6- تداخل المصالح المحلية والإقليمية والدولية:
في الهجوم يلحظ المراقب تلاقي مصالح إقليمية ومصالح دولية مع مصالح قوى محلية مصرية في توجيه الاتهامات للإخوان..فما الذي يمكن أن يجمع مصالح هذه القوى مجتمعة ضد حكم الإخوان الشرعي ؟! أصحاب مصالح خاصة لم ولن تتحقق بالتعاون مع الإخوان..لم يجدوا أمامهم سوى التعاون مع الشيطان لتشويه التجربة الوليدة.. يبدو لكل ذي عينين أن المحرك الأساسي يقف خارج أسوار المعلب السياسي في مصر..والسؤال هنا من ينتمي لمصر و من ينتمي لأعداء مصر ؟!!
7- مجافاة الهجوم للموضوعية والواقعية والمنهجية:
• الهجوم في مضمونه..يخلو من الموضوعية خذ مثلا اتهامات : القرارات تتخذ في مكتب الإرشاد هل يعد دعم الحزب لأعضاء الحكومة المحسوبة عليه عمل سياسي واقعي أم لا ؟!!
• الإخوان لا يعملون لخدمة الشعب و مصلحته بل يعملون لمصلحتهم الخاصة..أين المصلحة الخاصة في جهات خربها النظام السابق وسوف تحسب عليهم بعد فترة وسيحاسبون أمام الشعب ؟!
• مستوى أداء الإخوان السياسي ليس مرضيا ويعود بالدولة إلى الوراء..وهل تخليص الدولة من حكم العسكر عودة للوراء ؟ وهل إقالة الفاسدين ردة وهل تصحيح مسار القضاء والرقابة والمحاسبة تراجع ؟؟
• الإخوان يعتبرون كل نقد موجه لهم هو نقد ضد الإسلام.. كم مرة رد رئيس الجمهورية عن نفسه ؟ وكم قضية رفعها لما أهدر البعض دمه ؟!
• يتوهم الإخوان أنهم يملكون الحقيقة المطلقة فى العمل السياسي..وهم إقصائيون!! اسألوا من يحضرون الاجتماعات من القوى السياسية الصادقة من يحرص على التوافق ومن يصر على رأيه ويقصي غيره..اسألوا عمرو موسى والبرادعي لماذا أقصوا أصدقائهم ؟؟!!
• الإخوان يسعون للسيطرة على كل مؤسسات الدولة وهذا هو الانتحار السياسي..!! 4 محافظين وخمس وزراء وخمسة أو ستة مستشارين من جملة بضعة ألاف وظيفة عامة في مصر ..فعلا تكويش كامل..!!
8- الفجور في الخصومة:
تتفق أغلب الاتهامات على استخدام ألفاظ نابية..وكلمات غير مستساغة وصادمة للرأي العام.. لا تراعي الذوق العام ..وتحليل هذا التوجه يعبر عن التوتر والضعف وعدم القدرة على محاجة الخصم عقليا ومنهجيا ..ولذا فلا تكاد تجد في الاتهامات شيئا موضوعيا كاملا..ولا نقدا منهجيا للسياسات بل موجه كله للشكل والشخص واللبس والأكل والشرب..!! ولا يقدم الخصوم بديلا للسياسات القائمة عند الإخوان بقدر ما يقومون بطمس ما لدى الإخوان وتشويهه وشطب إنجازاتهم والتيئيس من مستقبل العلاقة معهم..!!
فعلا لقد جرف النظام السابق مصر من العقلانية.. و حرمها من الموضوعية والنقد البناء.. وإلا فما الذي نراه هذه الأيام ..غثاء كغثاء السيل..فأين ما ينفع الناس ؟!!
الخلاصة:
مع كل هذه التوافقات والتكتلات والمصالح الكامنة خلف الهجوم على الإخوان وعلى الرئيس تبدو الصورة من زاوية أخرى مذهلة:
كل مؤسسات الإعلام التابعة للإسلاميين تعاني متلازمة مشكلات ناتجة عن نقص التمويل، مما يترتب عليه ضعف الكوادر وضعف التقنيات..ومن ثم ضعف الرد والتصحيح فضلا عن الهجوم، بينما المؤسسات الإعلامية التي تهاجم الإخوان يأتيها التمويل من كل مكان سخيا محفزا..وبينما يتهم الإخوان بأن وراءهم تمويل خارجي لم يرفع أحد قضية ضد هذا التمويل لأنه غير موجود.. وتجد أن من يهاجمونهم تقف خلفهم امبراطوريات اقتصادية داخلية وخارجية..فلماذا يدفعون كل هذه الأموال ؟ هل مؤسسات إعلامهم مشروعات تجارية فقط ؟ لا إنها مشروعات سياسية تولاها أصحاب مصالح تصب في الخوف من الحكم الإسلامي..والعمل على إسقاطه..!!
لقد أغرى ضعف الاهتمام بالإعلام عند الإخوان كل ناعق وكل طالب شعبية..!! فأين علماء الإخوان الكبار وأين الباحثين والمتخصصين ؟ وأين إعلامهم الحرفي ؟
حفظ الله مصر..

