أ.د/ عبد الرحمن البر

ضمن فبركاتها وحملتها المفتراة ضد الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ومرشح الشعب للرئاسة الدكتور محمد مرسي نشرت جريدة (التحرير) في عددها الصادر يوم السبت 19/5 كذبة مفضوحة على مدى ثلاث صفحات، أسمتها (الوثيقة السرية للإخوان المسلمين) وفي رواية (وثيقة الرعب!) زعم الصحفي المجهول الذي نشرها نقلا عمن وصفها بالقيادة السابقة في الإخوان  أنها دراسة شرعية أعدها (عبد الرحمن البر) عضو مكتب الإرشاد الذي (بحسب وصف الصحفي المجهول) أصبح مفتيا للجماعة، وراجعها الخطيب باعتباره (بحسب وصف الصحفي المجهول أيضا) رأس الفقه في الجماعة.

وبعيدا عما امتلأت به الوثيقة المفتراة من ترهات وأكاذيب واختلاقات لا تخفى على من له أدنى معرفة بشخصي الضعيف أو بمنهج جماعة الإخوان المسلمين فإنني ألفت نظر القارئ الكريم إلى بعض الملاحظات التي لا تغيب عن الفطن اللبيب:

أولا: على غير عادة الصحفيين الذين يحبون أن يظهروا كفاءتهم في كشف المستور والحصول على المعلومات فإن الصحفي محرر هذه الصفحات الثلاث استحيا أن يذكر اسمه (يبدو والله أعلم أنه وهيئة تحرير الصحيفة يرون أن اسمه عورة! فأحبوا سترها!)، والعجيب أن أحدا من هيئة التحرير لم يفكر في وضع اسمه على هذا السبق الكاذب، لا مسؤول الصفحة ولا رئيس التحرير ولا غيرهما، ربما لاستشعار الجميع بفجاجة الكذبة! فإذا كان الجميع مدركين لمدى هذه السقطة الأخلاقية فلماذا سودوا بها ثلاث صفحات إذن؟ أترك الإجابة للسيد رئيس التحرير أو من يفوضه من صبيانه، وبإمكان السادة القراء أن يستنبطوا هم الإجابة.

ثانيا: ذكر المحرر (العورة) أنه حصل على الوثيقة المزعومة من قيادة سابقة (هكذا بتاء التأنيث!) ولم يكلف خاطره ذكر هذه القيادة (يبدو والله أعلم أن المحرر وهيئة تحرير الصحيفة يرون أن اسم هذه القيادة عورة أيضا! فأحبوا سترها!) وإذا كان البعض يسترزق من تلفيق الأخبار ونسبتها لقياديين حاليين في الجماعة بزعم أنهم يرفضون ذكر أسمائهم لعدم الإحراج! فما الذي تخشاه القيادة السابقة المزعومة وقد صارت سابقة!.

ثالثا: ذكر المحرر (العورة) ضمن تحليله الركيك أن الوثيقة المزعومة تم إرسالها عبر الإيميل إلى رؤساء ومسئولي المناطق الإخوانية لتعميمها على كل الأسر (يعني بالمختصر المفيد طبعت منها مئات الألوف من النسخ الورقية والإلكترونية) ومع ذلك لم يعثر المحرر الخائب إلا على النسخة الورقية التي تم التصحيح فيها! والسؤال: كيف توزع هذه الكذية على مئات الألوف ومع ذلك توصف بالسرية؟ وكيف لم تستطع القيادة السابقة (ستر الله عليها) أن تحصل على نسخة مصححة ورقية أو إلكترونية؟

وأحب أن أضيف لمعلومات المحرر (العورة) أنني أستخدم حاسبي الشخصي في كتابة كل ما أكتبه، وأنني بفضل الله متميز في الإملاء وكنت أحصل على الدرجات النهائية في هذه المادة منذ الدراسة الابتدائية حتى صرت بفضل الله عميدا لكلية أصول الدين، ولست في حاجة مطلقا لتمرير ما أكتبه لما سماه المحرر الخائب (قلم النسخ).

رابعا: يبدو أن المحرر (العورة) غلبه غباؤه حين وضع صورة ضوئية للصفحة الأخيرة من الكذبة المزعومة وعليها (نعكشة) قال عنها إنها توقيع الشيخ البر والشيخ الخطيب! وهذه لعمري من المضحكات فإن الذي يكتب وثيقة (سرية) لا يتصور أن يضع عليها توقيعه أصلا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأنا وغيري من الإخوان حين نكتب شيئا لا نضع عليه توقيعا بل نضع أسماءنا، على أن المحرر الخائب لم يتعب نفسه قليلا ليبحث عن ورقة يكون عليها توقيع لي ثم يحاول تقليده، بل (شخبط) بقلمه شيئا غير مفهوم زعم أنه توقيعي وتوقيع الشيخ الخطيب، فلم يكن كذبه مرتبا بل كان كذبا (منعكشا).

خامسا: أقدر أن المحرر (العورة) ربما يكون قد بذل جهدا مضنيا في محاولة جمع بعض ما كتبته في المواقع والصحف المختلفة حتى يتمكن من قص كلمة من هنا وكلمة من هنا ليصنع منها (كوكتيلا)  تكون عباراته من جنس ما أكتبه في المضمون أو في الصياغة، إلا أنه لم يجد في مقالاتي ما يمكن أن يساعده في غرضه فاستعان بشيطانه على نسج هذا الإفك الذي سماه وثيقة سرية، ومع ذلك فإنه –لمكره وسوء قصده- نقل بعض العبارات التي كتبتها في مقال لي بعنوان (المشروع الإسلامي لماذ؟) نشر في موقع إخوان أون لاين وجريدة الحرية والعدالة ومواقع وجرائد متعددة، وسأنقل للقراء الكرام الفقرتين اللتين نقلهما من هذا المقال، ليرى أنهما لا صلة لهما بالغرض الذي افترى من أجله هذه الوثيقة المزعومة التي يدعي فيها أنني أكفر المجتمع وأصفه بالجاهلية، وهاكم الفقرتين :

   4 – وإن نصوص الشريعة الواضحة القاطعة ناطقة بأنه دين شامل ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. فالإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا، فهو دولة ووطن، أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواء بسواء. ولهذا فالأمة لا تقبل مطلقا فكرة الفصل بين الدين وبين سائر شؤون الحياة، وترى ذلك أخذا لبعض الكتاب وتركا لبعضه، وقد كثر التحذير من ذلك في القرآن والسنة الصحيحة.

6 – وفرقت الشريعة بين الأحكام القطعية التي لا تحتمل تأويلا ولا تغييرا، وغالب ذلك في العقائد والعبادات والأخلاق وأحكام الأسرة والعلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية والحدود الشرعية، وبين الأحكام المرتبطة بعلل أو بمصالح العباد، فتدور مع العلل والمصالح، وغالب هذا النوع في المعاملات الاقتصادية والأحكام السياسية والعلاقات الدولية، وفي هذا الإطار كانت هناك ضوابط عامة وقواعد كلية ومرونة كبيرة في التعامل مع التفاصيل الجزئية، بما يحقق مصالح العباد.

فهل يرى القارئ الكريم في هاتين الفقرتين أية إشارة لتكفير أو تجهيل؟ عموما أدعو القارئ الكريم لقراءة المقال كاملا من خلال البحث في جوجل عن (المشروع الإسلامي لماذا + عبد الرحمن البر).

سادسا: ذكرني توقيت اختلاق هذه الكذبة والغرض منها وحتى أسلوب كتابتها بما فعله فل فاشل من فلول الصحافة في مجلة (المصور) التي يرأس تحريرها حين ائتفك كذبة مماثلة قبل انتخابات 2010 المزورة سماها وثيقة (يا خيل الله اركبي) زعم فيها على لساني أني أدعو للاستشهاد في معركة الانتخابات أمام الأعداء(!) من الحزب البائد وما كان يسمى بالأحزاب والقوى السياسية، ومثلما فعل ذلك الفل الفاشل يومها باستدعاء بعض الحاقدين على الإخوان للتعليق على ذلك الإفك حتى يوقع في روع القراء أن لما افتراه ظلا من الحقيقة؛ فقد فعلت جريدة التحرير حين أسرعت بكذبتها إلى بعض ذوي الأغراض، لتستطلع آراءهم وتستكتبهم للتعليق على كذبتها المفضوحة. وكنت أتصور أن الفل الفاشل في (المصور) كان يفعل ذلك بتكليف من سادته الذين رفعوه بغير حق إلى درجة وظيفية لم يتأهل لها، واعتقدت أنه بزوال النظام البائد قد انتهت هذه التمثيليات، ولذلك لم ينقض عجبي مما ارتكبته هيئة تحرير جريدة (التحرير)، وسوف أتوجه بالسؤال للسادة القراء: هل عندكم تفسير لما فعله رئيس تحرير (التحرير) والهيئة التي تعمل معه من اختلاق ونشر الأكاذيب المفضوحة؟

سابعا: لست معنيا بالتعليق على ما نقلته الجريدة عن بعض من يلتمس العيب للبرآء ممن  يختلفون سياسيا مع الإخوان المسلمين، لكن الذي آلمني أن يُستَغل في تشويه الإخوان عبر التعليقات السلبية على تلك الكذبة المسماة (وثيقة) رجالٌ عملوا دهرا طويلا في دعوة الإخوان، ويعرفون بكل وضوح منطلقاتها الفكرية، وبعدها التام عن تكفير المجتمع، ورغبتها الأكيدة في التعاون الصادق مع كل التيارات الوطنية الصادقة لخدمة البلاد، وساءني أكثر أن بعضهم يعرفني معرفة قوية، ويعرف أن ثقافتي الأزهرية – فضلا عن منهج الإخوان الذي أسير عليه – لا مجال فيها لتكفير أو تقية أو خداع. وقد عاتبت أحدهم فقال: إنني قلت: إنْ صحت هذه الوثيقة(!) فقلت له: وهل أنتم علمتمونا ذلك في الإخوان يوم أن كنتم تعلموننا؟ ألستم أعرف الناس بأن منهج الإخوان أبعد ما يكون عن التكفير والتبديع والإساءة؟ ألم يكن الأجدر بكم أن تذبوا عن أعراضنا بما تعلمون يقينا عنا وعن أفكارنا ومبادئنا، بدلا من تعليق الكلام؟

على كل حال فحسبنا الله ونعم الوكيل، وحسبنا أن شعبنا وأمتنا يعرفوننا تماما ويدركون أن الفجور في الخصومة الذي يمارسه المختلفون معنا يرتد على أصحابه، ويعلمون يقينا أننا لا نرد الكذب بالكذب، وإنما نرد الكذب بالصدق ونقذف بالحق في وجه الباطل واثقين من عون الله وتأييده، ونوقن أن شعبنا يدرك تماما أن مستقبله في النهوض مع مشروع النهضة الذي يحمله الدكتور محمد مرسي، وسوف يعبر عن ذلك بوضوح في صناديق الاقتراع، وإن شاء الله مرسي كسبان.

كفايةُ الله خيرٌ من تَوَقِّينا                وعادةُ الله في الماضين تكفينا
كادَ الأعادي فلا والله ما تركوا          قولاً وفعلاً وتلقيناً وتهجينا
ولم نَزِدْ نحن في سرٍّ وفي علنٍ         على مقالتنا: يا ربنا اكفينا
فكان ذاك وردَّ الله حاسدَنا               بغيظِه لم يَنَلْ تقديرَه فينا

والحمد لله أولا وآخرا.
_________

عميد كلية أصول الدين وعضو مكتب الإرشاد