قد يكون كلامي اليوم صادما لقناعات ترسخت لدى البعض بفعل الأمر الواقع فقط..!!

الأخوة الأعزاء :

  • الإعلام لا يصنع المعجزات... هذه حقيقة، لكنه يمكن أن يختزلها ويبسطها ويشوهها..!!
  • وما يشاع اليوم أن الإعلام قد غيّر قناعات الناس ضد فصيل معين ،هو كلام فيه نظر .. أقول ذلك وأنا أستحضر معركة الاستفتاء وما قام به الإعلام لدفع الناس إلى قول لا..فقالوا نعم !!
  • أقول ذلك وأنا أستحضر أيضا هجوم الإعلام على الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية.. وفازوا بأغلبية أصواتكم..!!
  • أقول ذلك ونحن على مشارف معركة الرئاسة.. فلا تنخدعوا فيما يسوقه الإعلام لأنه مملكوك لخصوم الإسلاميين.. ولا يتوقع عقلا أن يقدموا خصومهم في صور الملائكة والقديسين..!!
  • الذي يغير قناعات الناس هو المواقف والسلوك ، وقد وقع الإسلاميون في اتخاذ قرارات ليست كلها صائبة تحت ضغط اللحظة وهو ما أحدث بلبلة وترددا في ثقة الناس بحسن تدبيرهم..!!
  •  أما الهجوم العشوائي ضد الإسلاميين عموما وبوجه الخصوص ضد الإخوان من خصومهم .. هذا طبيعي ومتوقع !! وأما تهجم بعض العامة الذين ليس لهم مصدر إلا الإعلام وليس لديهم وقت للتحري أو التحليل أوجه لهؤلاء رسالتي:
  • إذا كنتم تصدقون الإعلام الخصم الذي يعمل  لإقصاء الإخوان و منح التفرد بالمسرح السياسي  لأزلام النظام السابق في شكل عرائس بثوب جديد ..!! هل هذا مقصدكم..لا شك عندي أن الإجابة بالقطع لا..إذا لماذا غضبتم من الإسلاميين ؟ هل غضبكم هذا يخدم تحقيق أهداف الثورة؟ الإجابة لا ..لماذا ؟ لأن نجاح الثورات له شروط..      ونحن في مصر لم نحصل على درجة كاملة في تحقيق أي من شروطها.. وإليكم الدليل العلمي على ذلك:

أيها المصريون الطيبون ..أنتم لم تكملوا ثورتكم بعد ..

فمن يقرأ كتاب الثورات يطالع تعريف الثورة على أنها : ”عملية تغيير سريع وجذري للنظام السياسي، تطيح بنظام قديم ونخبته، وتأتي بنظام جديد ونخبة جديدة".و يقاس نجاح الثورات بما إذا كانت قادرة على الإطاحة بالنخبة القديمة أم لا  ؟ فهل أطحتم برموز النظام السابق كلها؟
الإجابة: لا..! لماذا ؟ لأننا تكاسلنا وتعبنا ورجعنا إلى البيوت.. وتركنا للجيش استكمال المسيرة فأصبح شريكا لنا .. ولذلك هو الآن يفاوضنا على نصيبه ومكافأته لأنه أدار البلد ..ونحن  انشغلنا بكثير من الأمور..!! ويصبح من العقلانية..تفهم أن ثورتنا لم تكن ثورة كاملة..!! ولذا لم تحقق كل أهدافها.. ونحن مصرون على الإنقسام .. قبل استكمال الثورة!

يروج الإعلام وبعض المضارين من الثورة بأن الثورة لم تأت إلا بالفوضى..!! وإجابتي أن هذا كلام غير موضوعي ولا علمي ولا واقعي..  الثورة برغم ما صاحبها من عنف و بعض الفوضى وتعطل بعض قطاع الإنتاج ..وتعرج مسار التغيير الجذري.. وتراكم الإحباط لعدم تحقق  استقرار النظام الجديد ونجاحه في تحقيق أهدافه، أمور طبيعية بعد التغيرات الكبرى.. وأنا أعتقد أنه تحققت نقلات نوعية وكمية، في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية منها:

إدماج عدد أكبر من المواطنين في العملية السياسية..وقد خرجتم في ملايين للمشاركة السياسية غير المسبوقة..فأسستم مجلسا للشعب..وهذا مكسب مهم وإن كانت القوى القديمة لم تشأ أن ينطلق مجلسكم بحرية وتحاول تهديده ..!!

والآن تمضون لاختيار رئيس مدني.. فمن  ستختارون؟

هل تختارون واحدا من نخبة النظام السابق..إذن لماذا قمتم بالثورة أصلا ؟

لابد لكم من اختيار شخص من النخبة الجديدة..وإلا سيختار لكم بقايا النظام رئيسا يرجعكم للخلف ويقضي على ثورتكم ..!! ويقدم عليكم حاشيته ويخمد ويوقف مسار التغيير..

هل تقبلون ؟! إن لم تقبلوا فلا  تعاقبوا الإسلاميين على قيامهم بمناوأة الفلول ودحرهم؛ فتخسر مصر معركتها الأساسية....قفوا مع الإخوان في وجه الطوفان  لترجعوا بدولة مدنية ورئيس مدني ودستور للجميع ثم تصفية جيوب الفساد لكي تنجح ثورتكم..!!

وغدا ستضعون دستوركم الجديد.. تعرقلت جهود صياغته..نعم  ولكن من بيدهم القرار اعترفوا بالخطأ ..وعليهم أن يستجيبوا للشعب في صياغة دستوره..!!

إذن ما المطلوب حتى تنجح ثورتكم  ؟

المطلوب سبعة شروط هي:

**  استمرار صلابة الإرادة والتصميم للقوى الثورية، وهذا كان موجودا بشكل كامل خلال 18 يوما ثم بدأ يخفت .. لماذا..؟ ! لأنه لم تكن هناك رؤية للثورة ولم يكن في الحسبان أن النظام سيقع ..ومن هنا تولت المؤسسات المتماسكة جزئيا أمر الثورة ومحاولة تثبيتها في الميادين.. فلماذا لم تواصلوا الكفاح وتوقفتم عن العمل الثوري ؟ إذا لم تكن صلابتكم  وتصميمكم كاملا..فلا تلوموا إلا أنفسكم..!!

**استمرار وحدة الصف والتلاحم بين القوى الثورية : كان هذا موجودا في بداية الثورة..ثم تفرق الصف وانشغل كل بمصلحته..ولم تفلح محاولات إعادة التحالف الشعبي الذي قاده الإخوان لأسباب عديدة منها منا يتصل بالقوى الثورية ، ومنها ما يرجع لإدارة الإخوان ..!! بإقصاء الإخوان يتفكك صفكم ..فإن استمر التفكك فلماذا تلومون الإخوان وحدهم؟ لوموا أنفسكم جميعا ؟

** استمرار رفض السقوف الدنيا والتغير الشكلي: ظل هذا الشرط قائما وتمثل في مطالب للقوى الثورية..لكن المسار التقليدي الذي لم يكن هناك بديلا له طمعا في استقرار سريع..نزل بسقف المطالب إلى النصف تقريبا..!! فلو أنتم قبلتم السقف المنخفض؟..فلماذا تلومون الإخوان وحدهم ؟ لوموا أنفسكم جميعا ؟؟!

** ضرورة الحفاظ على الصورة الناصعة للثورة : حاولتم منذ البداية الحفاظ على الصورة الناصعة للثورة..ولكن الإعلام والثورة المضادة لبقايا النخبة السابقة..استطاعت تشويه كل سمات النقاء في الثورة المصرية..ولذلك بدأ التشكك والريبة والصدام ..!! وحتى لا تتفاقم الأمور طالبكم الإخوان بالتنسيق قبل الحركة ..ومع أن الإعلام أخطر سلاح لم تمتد يدكم لتطهيره أو إيقافه..فصور ثورتكم على أنها غوغاء.. إن ظل إعلام النظام السابق على ما هو عليه..وأنتم تصدقونه في الكلام عن خطر الثور الأبيض عليكم .. فلماذا تلومون الإخوان  وحدهم ؟! لوموا أنفسكم جميعا..!!

** استمرار حسن التسديد لمركز ثقل النظام : بدأ هذا في كسر شوكة وزارة الداخلية وكشف فظائع أمن الدولة..والنبش في ملفاته...والبحث عن الفاسدين وتقديمهم للمحاكم..وقد نجح ذلك جزئيا وبقي الممولون وخبراء الحزب الوطني القدامى ودسائس المخابرات  يقودون ثورة مضادة.. وبهذا بقي ثقل النظام البائد خارج دائرة الاستهداف ..!! إن لم نستطع تطهير البلاد منهم  حتى الآن ..وتشير استطلاعات الرأي على تقدم بقايا نخبة فاسدة في سباق الرئاسة .. فلماذا تلومون الإخوان وحدهم ؟ لوموا أنفسكم أيضا ..!!

**التأخر في تقديم البديل السياسي : للحقيقة لم تكن هناك توقعات بقيام ثورة لا عند القوى الثورية التي بدأت الثورة،  ولا عند القوى التقليدية  التي التحقت بها وحشدت الناس حولها، ولذلك مر عام ونصف العام ولم تتبلور حتى الآن رؤية مستقبلية واضحة وجامعة، ولذا وجدنا اجتهادات الإسلاميين.. وأفكار الليبراليين..لا يجمعها إطار تلاقي موحد..وإذن علي الجميع  تقع مسؤلية الإخفاق في تقديم البديل السياسي..!! فلماذا انتم غاضبون من الإخوان وحدهم..ومع أنهم يقدمون مشروعا ورئيسا منهم..نجد قطاعا من الشعب غاضب لدرجة سب الإخوان..لماذا؟ ما المؤشرات التي تعبر عن فسادهم وإخفاقهم ..في عدة شهور..وماذا لو قرر الإخوان ترك الساحة لكم وفضلوا مقاعد الراحة في الفضائيات ؟ هل يمكن أن تواصلوا المسير وحدكم..؟! وهل يستحق من أمضى حياته في جهاد ضد النخبة التي سقطت.. ودفع أغلى ثمن وهو عمر معظم كوادره التنظيمية.. وتم استنزافه نفسيا وماليا..!! ألا يحتم  الواقع والمصلحة المضي يدا بيد مع الإخوان للمصلحة العامة.. حتى يستقر النظام الجديد ثم تعاتبونهم على أخطائهم؟!

**استمرار التمسك بمنطق المغالبة لا المطالبة: يقصد بذلك ندية التفاوض مع النظام السابق ونخبته حتى يغلبوا نهائيا..لكن الذي حدث أنكم سلمتم قيادة الثورة لمؤسسة قائمة لها نظامها وإجراءاتها البطيئة في اتخاذ القرار..ولها مصالح تدافع عنها ومكانة فقدتها أو كادت !! فبدأتم تطالبونها ببعض المطالب..ودفعتم ثمن هذه المطالب من الدم والجهد ..!! فهل أنتم مستعدون ولديكم القوة التي تفاوضون بها الجيش ليخرج من السلطة ؟ إن كان لديكم هذه القوة..فسيلحق بكم الإخوان..وإن لم يكن لديكم فالحقوا بهم وسيروا معا لتفاوضوا الجيش بقوة التنظيم والأغلبية والشرعية..وهذا لصالح مصر ولصالح الجميع ...!!

ملاحظة أخيرة:
يقول منظروا الثورات:
تبدأ المرحلة الأولى للثورات بشيء من الاضطراب وهذا طبيعي..!!
في المرحلة التالية يتولى المعتدلون السلطة محاولين السير إلى الأمام وإرضاء  كل القوى..فتسخط عليهم القوى الاجتماعية !! ويبدأ التململ..فتتقدم القوى المضارة..لتغازل خوف الناس وتقدم نفسها على أنها ذو خبرة وتمكن بديلا للثوار الجدد ...!!
ثم ما تلبث مرحلة ثالثة يتولي فيها المستبدون السلطة فيعيدوا الشعب إلى مواقع المتفرجين..ويفرضوا سلطانهم بدعوى إعادة النظام..وهذا ما يروج له الإعلام الآن..كلمة حق يراد بها عودة النظام السابق..وبعدها تكون ثورتكم قد أجهضت .. و ساعتها...لا تلوموا إلا أنفسكم أيها المصريون..!!
إلى اللقاء

ــــــــــــ

أستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهره