لقد دأب الكثير من المفكرين السياسيين على تعريف السياسة، بأنها فن تحقيق الممكن، حتى لا يصبحون مطالبين أمام الناس الا بما يرغبون أو بما يمثل مصالحهم، وأن سياسة فن تحقيق الممكن توضع في إطار الإمكانات المتاحة وفي إطار الواقع الموضوعي ويرتبط بها مجموعة من القيم مثل "الذرائعية – الغاية تبرر الوسيلة – المصلحة أولا …الخ "، مما يعني أن السياسة عندهم تعد صراعاً بين المبادئ والمصالح داخل النفس والجماعات والمؤسسات، ومن هنا تتضح لنا حقيقة أن توافق مؤسسة ما على رأي مؤسسة أو جهة أخرى رغم عدم قناعتها بذلك الرأي.

 إن الإخوان كفكرة ورسالة، وكجماعة وحزب، لم تلزم نفسها بهذا التعريف السطحي للسياسة، ولم تخض يوماً هذا الصراع بين المبادئ و المصالح عند ممارسة السياسة، بل كانت تميل إلى تعريف السياسة بأنها فن تحقيق المستحيل، حيث أنها تبنى على قاعدتين أساسيتين (التكتيك الاستراتيجي- مراعاة المبادئ ) كمحصلة لتحقيق المستحيل ضمن مراحل متحركة وثابتة تحكمها مبادئ وقيم راسخة، ولذلك كانت السياسة عند الإخوان تجسد التعريف الشرعي " سياسة الأمة بما لا يخالف الشرع" ، ومن هنا آمن الإخوان بالإسلام عقيدة تحكم توجهات المسلمين ومنهجاً شاملاً لكل جنبات الحياة ونادوا بإقامة الدولة الإسلامية التي تسعى لإعلاء كلمة الله في الأرض.

 ويشهد التاريخ أن دعوة الإخوان المسلمون نادت منذ نشأتها بالرجوع إلى الإسلام، وإلى تطبيق الشريعة الإسلامية في واقع الحـــياة، ووقفت متصدية لسياسة فصل الدين عن الدولة ومنابذة موجــة المد العلماني في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، في الوقت الذي كانت فيه بعض القوى تعزل الدين عن ممارسة العمل السياسي وتجرم ممارسته، وتحرم التنظيم وتقبل أن تعيش كالنمل في حجورها وتستسلم لما رسم لها من غيرها، في حين أن جماعة الإخوان انتهجت سياسة ثابتة منذ نشأتها، وكانت أدبياتها تشهد بأنها تتميز بالبعد عن هيمنة الكبراء والأعيان والهيئات والأحزاب، فلا سيطرة لأحد من هؤلاء على الجماعة ومبادئها، وهذه السياسة هي التي جعلت الجماعة تتعرض لكل محاولات الإقصاء والإبعاد والقضاء عليها، فقد حاولت المؤسسات والحكومات والمنظمات السيطرة والتأثير على الإخوان وتسييسها وفق منظوماتها بالإغراء والمغانم تارة وبالإساءة والتشويه تارة أخرى وبالحصار والتضييق تارة ثالثة، إلا أن الإخوان كانوا يستعصون عليهم جميعا، ولم يستطع أحد - مؤسسة أو حكومة أو هيئة أو حزب - طوال ثمانين عاماً أن يحتوي الجماعة أو يسيطر عليها أو يغير من مبادئها وقناعاتها .

 إن جماعة الإخوان كانت ولا زالت عصية على كل تلك المحاولات ، ولم يستطع أحد أن يغريها أويفتنها بزخارف الحياة وشهوات السلطة، وذلك بفضل الله عز وجل الذي هو غاية الجماعة، ثم بفضل المنهجية التي اعتمدتها الجماعة في ممارساتها السياسية القائمة على ( ضوابط الشرع - الانسجام مع هوية الأمة – المؤسسية والعمل التنظيمي – التركيز على التربية – اعتماد الشورى - الوسطية والاعتدال – الاستقلالية عن الدول – الحفاظ على مصالح الوطن العليا .. إلخ ) ، وتحقق للجماعة بفضل ذلك نوع من الامتداد التاريخي واكتسبت العديد من الخبرات طوال 80عاما قدمت خلالها الكثير من التضحيات وقوافل من الشهداء والمعتقلين، وتحقق لها الانتشار الجغرافي في أكثر من 80 دولة وأقبلت عليها جموع الشباب والتفت حولها جماهير الأمة العربية والإسلامية .

 إنها رسالة نوجهها لكل جماهيرالأمة ولكل القوى السياسية الإسلامية والعلمانية والليبرالية والوطنية، ولكل أجهزة الإعلام المسيسة وغير المسيسة، وهي رسالة أيضا للمجلس العسكري، حتى يعرف الجميع من هي جماعة الإخوان، ومفاد هذه الرسالة : إن جماعة الإخوان المسلمين - بتاريخها ومبادئها وقيادتها وأفرادها - خارجة عن الطوق وليست تحت السيطرة، ولن يقوى أحد على احتوائها أو التأثير فيها أو تهديدها أو تغيير سياستها أو مبادئها أو أن يجعلها تحيد عن أهدافها، ولن يقوى أحد على أن يجعلها تعيش كالنمل في حجورها، ولذلك فإن جماعة الإخوان ماضية في طريقها نحو تحقيق أهدافها العليا وتطبيق شرع الله ومناصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية واستكمال أهداف ثورة 25 يناير، واستكمال خارطة الطريق المرسومة وتسليم السلطة في موعدها ، وشعارها في ذلك " وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المؤمنون" أتمنى أن تصل الرسالة واضحةً وأن يستوعبها الجميع .. والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون

 

 

اسماعيل حامد