د.أحمد السعيد

تعودنا فى الفترة الإنتقالية التى نحياها حالياً فى ظل العسكر أن تتحفنا الأخبار عن مجزرة يكون ضحاياها بالعشرات بين قتيل وجريح. وتعودنا من مجلسنا العسكرى أن يهدى لنا فى كل مرة أخبار مذهلة بأن الطرف الثالث - وإن شئت قل الطرف الخفى أو اللهو الخفى – هو السبب الحقيقى وراء مثل هذه الأحداث المروعة التى يندى لها جبين كل مصرى غيور على بلده وأهلها.

ومن مساوئ القدر أن يخرج علينا أحد أعضاء مجلس العسكر فيجيب على أحد السائلين فى مؤتمرهم الصحفى ويقول له: "هل تتوقع أن يتم القبض على الطرف الثالث فى خلال أد إيه من الزمن", ويردد فى نفس الوقت مقولة:"ماهو إنت وكل واحد فينا عارف من المتسبب وراء كل هذه الأحداث", وتعجبت من ذلك كثيراً لأن الأمر له كثير من الدلالات المثيرة للتعجب وهى:

1.إن كنتم تعلمون الطرف الثالث فلما لاتتولوا أمره بالقبض أو الحجز أو الحجر عليه حتى لايتهمكم أحد بالتواطؤ أو على أضعف الإيمان بالتباطؤ.

2.  إن كنتم لاتعلمون الطرف الثالث –على عكس ماتدعون- أفلا يدل ذلك على ضعف إدارى شديد يجعل من الأفضل لنا ولكم أن تتخلصوا من مسئولية لاتقدرون عليها وعلى إدارتها بالشكل المناسب الذى يصل بالبلاد والعباد إلى بر الأمان.

3.وإن كانت لديكم عدم وضوح للرؤية وضبابية للموقف حول المتسبب فى ذلك أفلا يدل ذلك على أن مطالبات الشعب لكم بأن تتركوا مواقعكم التى  أنتم فيها هى من البديهيات التى لاتغفل إلا عن غبى أوجاهل.

أعتقد جازماً "يامجلسنا العسكرى" أنكم فقدتم الكثير من إعجاب الناس وتعاطفهم معكم ومع قرارتكم, وأن توالى الزمن وأنتم على هذا الحال يجعل هذا التعاطف يتآكل ويجعل هذا الإعجاب من المُحَال, ويجعل خروجكم الآمن هو من الأوهام التى تعبث برؤوسكم.

أيها المجلس أنت مدانٌ بسبب موقع المسؤلية التى كلفت بها - بغير حقٍ - من رئيس خلعه شعبه بسبب فساده وإستبداده وترأسه لعصابة نهبت خيرات البلاد وجعلت كرامة المصرى من أحلام الماضى التى نسمع عنها فى قصص  ألف ليلة وليلة.

  إن كل الشكوك تساور الجماهير وتجعلهم لايتصورون أن مثل هذه المجازر تتم بدون علمكم ومباركتكم لها ولاسيما أنها تتم تحت سمعكم وبصركم, وليس هناك أدل على ذلك من أحداث معتصمى وزارة الدفاع الذين ذبحوا بدمٍ باردٍ دون طلقةٍ واحدةٍ من بندقيةٍ كانت تحمى وزارة مجلسكم الموقر – مع تحفظنا على مكان الإعتصام ودوافعه وتأكيدنا على أن الإعتصام هو حق بشرى وشرعى وفطرى-.

ومن العجيب أن تتم هذه المجازر قبل كل إستحقاق يعطى أمل جديد للشارع المصرى بأن إنتهاء حكم العسكر الذى بدء من عصر محمد على قد بدء نجمه يأفل وقد إقتربت ساعة رحيله بلاعودة. وكأن عقاب الشعب وتأديبه أصبح من الضروريات التى يجب إتخاذها بسبب إختياراته الديمقراطية التى لاتلقى هوى البعض وإستحسانه. لذا كانت أحداث محمد محمود قبل إنتخابات مجلس الشعب, وأحداث مجلس الشعب قبل إنتخابات مجلس الشورى, وأحداث وزارة الدفاع قبل الإنتخابات الرئاسية. ناهيك عن أحداث بورسعيد والحرائق والأزمات التى تفننت إدارة البلاد فى تصديرها للمواطن البسيط قبل المواطن السوبر بغرض بغض الثورة ونتائجها.

ومن مفارقات الصدف أن يغضب أحد قيادات المجلس المحترم من كلمة مجزرة أو مذبحة ويعتبرها من التهويل الذى لاداعى له, وكأن القائد المحترم قد نسى أو تناسى أن دم أى مصرى هو دم عزيز وغالى ولايمكن التفريط أو الإستهانة به, فمابال سيادته إن كان هذا الدم يراق أمام بصر وسمع قيادته الكريمة, وبأعداد كان أولى بهم أن تراق دمائهم فى مواجهة عدوهم الصهيونية.

يامجلسنا الموقر إن محاولات التمسك بكرسى الرئاسة لم ينفع من كان قبلك ومن كانت بيده أمور وإمكانيات لاتملكها أنت فى الوقت الحالى, فتعلم من أخبار الماضى ودروسه وعبره, واعمل على أن تترك أثراً يشفع لك عند العامة والخاصة, وقدم مايزيل عنك شكوك الطمع والرغبة فى الحكم, حتى تنعم بالخروج الآمن والعزة والسمعة الطيبة بين أهل وطنك.

ولايمكن أن يتأتى ذلك إلا من خلال خطوات جريئة يمكن تلخيصها فيما يلى:

1.  الضرب بيد من حديد على أذناب وأزلام النظام السابق, والذين يعيثون فى الأرض فساداً وإفساداً.

2. البعد عن التدخل فى الدستور وجمعيته لما يحيط ذلك من خرق للإعلان الدستورى الذى أعلنته بنفسك ويجعل الشكوك حول غرضك من هذا التدخل كثيرة.

3. الإعتراف بفشل الحكومة الجنزورية الحالية وإقالتها لما تسببه من أزمات وإهدار لكرامة المواطن المصرى والتفنن فى القضاء على مقدرات بلده مع التضييق عليه فى حياته ومعيشته.

4. إلزام الحكومة – الجديدة – بالتعاون مع مجلس الشعب المنتخب جماهيرياً والذى يعبر عن الأمة وتوجهها وضميرها, وتنفيذها لقراراته وتشريعاته.

5.  بسط الأمن بكل معانيه فى ربوع الوطن ومحاسبة المقصرين فى ذلك بشكل يردع كل من تسول له نفسه العبث بأمن وأمان المواطن.

6. تغيير اللجنة العليا للإنتخابات الرئاسية التى يعلم الكل مكوناتها وخلفياتهم وتاريخهم ولمن ولائهم.

7.  تقديم التطمينات الواضحة والجلية حول إنتخابات الرئاسة ولاسيما أنها تتم تحت ظروف من قوانين وشكوك عامة غير مرضية لأى طرف إلا أعداء الثورة.

8. البعد عن التصريحات الإستفزازية, وإختيار المتحدثين الذين يحسنون الصورة ولايشوهونها.

9.البعد عن التسويف والتأجيل فى تسليم السلطة للمدنيين المنتخبين إنتخاباً ديمقراطياً حراً.

10.البعد عن وضع العراقيل والتعطيلات أمام المجالس النيابية المنتخبة من قبل الشعب.

11.البعد عن محاولة تشويه صورة المجالس النيابية من خلال الوعد بتغيير الوزارة ثم النكوص عن ذلك - أو ماشابهه من وعود - لأن الشعب يصدق نوابه أكثر ممايصدقكم أنتم.

12. الكف عن المحكمات العسكرية التى إكتوى بنارها أصحاب الرأى والتوجهات الثورية والوطنية, وإعادة محاكمتهم أمام قاضيهم المدنى الطبيعى.

13. كشف ملابسات كثير من الأمور والقرارات التى لاتصب فى مصلحة الوطن والمواطن –كما هو الحال فى قضية تهريب المتهمين الأمريكان-.

14.البعد عن الإقتراض الخارجى والنظر فى الموارد الداخلية من صناديق خاصة وغيرها ممايوفر للبلد إحتياجاتها ويمنع نزيف الديون التى أثقلت كاهل الوطن والمواطن.

15. الضرب بيد من حديد على أبواق النظام السابق الإعلامية التى تنعق مع كل صاحب رأى فاسد, وتهاجم إختيارات الشعب كما كانت تهاجم ثورته من قبل.

16.   تغيير المنظومة الإعلامية وتطهيرها – وإن كان هذا يتطلب الوقت الكثير إلا أنه مطلب يجب عليك البدء فيه ويستكمله من يتقلد مسئولية حكم البلاد بعدك-.

17.الجدية فى محاكمة رموز الفساد السابق الذين أوغلوا فى دماء العباد ونهبوا خيرات البلاد.

18.عدم إتخاذ قرارات مصيرية كالمصالحة مع رموز النظام البائد فى مقابل فتات مانهبوه, فأنتم إدارة مرحلة إنتقالية ولستم حكاماً للبلاد.

19. البدء فى تطهير منظومة القضاء وجعلها منظومة تبتعد عن المحسوبية ولاينتمى إليها إلا من يستحقها حتى يكون صاحب شخصية لاتنتمى إلى صاحب فضلٍ ولاتنكسر أمام ربيبُ نعمتها.

20.البعد عن التدخل فى القضاء وأحكامه.

21. البدء الجاد فى تطهير مؤسسة الداخلية الفاسدة حتى النخاع.

كل هذا وغيره يمثل واجب الوقت المفروض على المجلس العسكرى والذى من خلاله ينهى حقبته الإدارية للبلاد ومصالح العباد علي شكل قد يزيح به آثار مامضى أو يقلل من تداعياته, كما أنه يبعث الإستقرار والطمأنينة لجموع الشعب. 

إن الجماهير التى خرجت للحرية والعدالة الإجتماعية, وبذلت فى سبيل ذلك كل غالٍ ونفيس, لايمكن لها أن تعود إلا إذا تحققت مطالبها وإن كان لباقى المطالب نفس الغالى والنفيس أو أكثر منه. فإن من رأى النور لايقبل أن يعود إلى الظلام, ومن عاش الهدى لايمكنه أن يهنأ بالضلال, ومن تذوق طعم الحرية لايستطيع الرضى بالذل والإستعباد.