د ممدوح المنير *
لا شك أن الدماء التى سالت اليوم فى العباسية و الشهداء الذين سقطوا على مدار الأيام الماضية ، تحتاج منا إلى الكثير من الفهم حتى نتلمس مواضع الأقدام ، و لا نسقط فى الشراك المنصوبة لنا كل فترة ، خاصة و نحن مقدمون على استحقاق انتخابى هو الأهم بإمتياز فى تاريخ مصر الحديث .
لماذا فعلها المجلس العسكرى ؟! ، هذا التساؤل تجاوز تساؤل آخر مهم ، لأنه أصبح بديهيا و لم يعد فى حاجة إلى كثير ذكاءه لفهمه ، و هو سؤال من فعلها ؟ ، فقد اصبح من المعلوم بالضرورة أن كل ما يحدث فى مصر من إنفلات أمنى و بلطجة ضد المتظاهرين أو المعتصمين هو صناعة المجلس العسكرى .
لذلك علينا أن نعود إلى التساؤل الأول لماذا فعلها ؟! ، فى رأيى أن هناك عدة اسباب جوهرية دفعته إلى ذلك منها
1- إشغال الرأى العام عن ما حدث مع المرشحين للرئاسة و خاصة العودة الغريبة و المريبة لأحمد شفيق للتنافس على الرئاسة دون أى سند قانونى ، فضلا عن شطب الشاطر وأبواسماعيل ، و الأقاويل التى تترد عن لجنة الإنتخابات الرئاسية و بعض أفرادها و مدى الحياد الذى يتمتعون .
لذلك كان مهما تحويل الأنظار عن لجنة الإنتخابات الرئاسية و شغل الرأى العام بقضية أخرى ، حتى يستطيع المجلس العسكرى تمرير مرشحه المنتظر .
2- أراد المجلس العسكرى دفع الأمور إلى حافة الهاوية ، أو الفوضى الشاملة لكن بالتدريج حتى يستطيع أن توظيفها – الفوضى - كما يريد ، فليلجأ إل الأحكام العرفية و مد الفترة الإنتقالية إن وجد أن الأمور لا تسير لصالحه أو لصالح مرشحه ، و مسلسل الحرئق المستمر و احتفاظه بالحكومة الفاشله دليل على ذلك .
3- كما أراد المجلس العسكرى أن يضرب عصفورين بحجر واحد فى علاقته المتوترة مع الإخوان فأذا رفض الإخوان النزول للميدان كرد فعل على أحداث العباسية ، فسوف تكون نقطة مميزة يستخدمها فى حملته الإعلامية ضد الجماعة من التخلى عن دماء الشهداء و نحو ذلك من العبارات التى تهدف زيادة التعبئة ضد الإخوان قبل الإنتخابات .
وإذا نزلوا إلى الميدان – و هو ما حدث - فهى فرصة لإعاقة حملتهم الإنتخابية التى بدءوها متأخرين ، مما يستهلك أفراد الجماعة فى الفعاليات المنددة بالعباسية عن دعم مرشحهم الذى أضطر بالفعل لتعليق حملته الإنتخابيا إحتراما للدماء التى أريقت .
4- سعى المجلس العسكرى من خلال أحداث العباسية إلى زيادة كراهية الناس فى الثورة و الثوار ، عبر بثّ مشاهد القتل و الدمار ، مما ينفرّ الناس من الثورة و يجعلهم ينفضوا عنها ، و يعبد العقول لإستقبال المرشح المنتظر أحمد شفيق رئيسا ، خاصه انه أعلن دعمه للجيش فى كل ما يفعله فى العباسية .
5- جعل القوى السياسية المهمة فى مصر فى خانة رد الفعل على الدوام ، مما يشغلها عن الفعل الحقيقى المؤثر الضامن لنقل السلطة فى موعدها المحدد ، فإحداث ازمات تجبر القوى السياسية الرئيسية على التفاعل معها يمثّل عامل إنهاك ذهنى و حركى كبير لهذه القوى مما يجعل المجلس العسكرى هو الممسك بزمام المبادرة و ليست المعارضة الوطنية .
فى النهاية أتمنى أن تدرك كافة القوى المخلصة فى مصر حجم اللعبة القذرة التى يلعبها المجلس العسكرى ضد الشعب المصرى ، و ألا يستدرجوا إلى خانة رد الفعل التى تشغلهم عن الفعل الذى نريده ، بالعمل على وجود رئيس مدنى منتخب بإرادة حقيقية من الشعب المصرى فى نهاية هذا الشهر بإذن الله .
ــــــــــــــــ
رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات و التنمية

