حازم سعيد : 

بدايتان :
 
الأولى : أشكر كل من طالبنى بعدم التوقف عن الكتابة ، وكل من أحاطني بمظاهرة الحب التي لم أتوقعها ، ولا أرى أنى أستحقها ، ولا أكتب من أجلها مع أنها الشرف بعينه أن ينال كاتب ما حب وثقة قراء نافذة مصر ، ولم أكن لأتوقف نتيجة مذمة من أحد ، كل ما فى الأمر أني خشيت أن أتعرض لحساب الله بأن أكون سبباً فى شتيمة أمي ، وحسناً فعل إخواني القراء الذين رعوني وعلموني وذكروني بضريبة طريقنا الذى سلكناه بحر إرادتنا ، وأما أمي فحسناً – بعد تذكير إخواني  – فعل الشتامون حيث أهدوها حسناتٍ كنت وكانت فى حاجة لأن ترزقها ، فلله الحمد والمنة .
أما مظاهرة الحب التي لا أستحقها فلعلها دعوتها – يرحمها الله -  وكانت تلح بها فى أن يرزق الله ابنها الحب والقبول عند الناس .. يرحمها الله رحمة واسعة ، وإنى والله صغير عند نفسى وأسأل الله الثبات على ذلك وأعوذ به أن أعظم فى عين نفسى وأكون صغيراً عنده سبحانه .
 
الثانية : أنا هنا أقصد العنوان ، فى جانبه المثبت وجانبه النافي ، فبالطبع أنا لن أرشح لرئاسة الجمهورية أحداً لن يتبنى المشروع الإسلامي ، ناهيك أن يكون من الفلول .
فيتبقى لنا اثنان خلاف الدكتور مرسي ، أولهما الدكتور محمد سليم العوا ، والثاني الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح .
ولن أخوض فى كليهما ، لا خوفاً من الشتيمة أو الانتقاد ، فلقد جرأتموني مرة أخرى أعزائى وأحبائى ، ولكن لأني لا أريد للمقالة أن تطول ، ولو جلست أذكر المزايا التي تجعلنى أعطي صوتي بحر إرادتي للدكتور مرسي فستملأ صفحات وصفحات ، فذكر معايب الآخرين سيشغلنى ويعطلني ، وما أفعله هنا أني أوجز مزايا مرشحنا وألخصها ما استطعت إلى ذلك سبيلاً ..
 
تقديم :
أهمية الموضوع تكمن وراء الأحاديث التي تحذر من أمانة المسئولية أمام الله وخاصة مسئولية الإمارة والرئاسة ، وهي مسئولية تقشعر الأبدان من هولها ، بين الأحاديث التي تحذر من غل عنق ويد المسئول إلى أن يفكه عدله أو يوبقه جوره ، ومروراً بالأحاديث التي تحذر من تولي أمر عشرة من المسلمين ثم لا يجهد لهم أميرهم بالنصيحة ، وانتهاءاً بالأحاديث التي تحذر من الحرص على الإمارة ومن كونها أمانة وخزي يوم القيامة وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها .
وكلها أحاديث تقود العاقل اللبيب - الذي نأتمنه على ديننا ودنيانا ويستحق أن نعده ديناً ورعاً - لأن يفعل كفعل الدكتور مرسي من البكاء ( والنهنهة ) خوفاً وحذراً من حجم العبء وأمانة التبعة التي ألقيت عليه لما كلف بتقديم أوراقه للترشح .
ثم تكمن أهمية الموضوع فى الظرف النوعي والأحداث الطفرية التي تمر بها بلادنا والمناخ الذي لابد له من كفاءات مهنية ومؤسسية وبرنامج شامل متكامل لقيادة البلاد فى هذه المنعطفات التاريخية الخطيرة من تاريخ أمتنا .

الدكتور محمد مرسي ومزايا تفوق الحصر :
أما لماذا لن أصوت لغيره ، فلأن هذا الغير لا يتوفر فيه بعض من النقاط التي أتصورها معيارية أساسية وسأسردها فى هذا المقال وهي كفيلة بجعلي ضنيناً بصوتي إلا للدكتور مرسي .
وأستطيع بإيجاز شديد أن أقول : سأصوت للدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة رئيساً للمصريين إن شاء الله لأنه الوحيد الذي تجتمع فيه كل المزايا التالية :
 
أولاً : للمشروع الذي يحمله ، وتحدث فيه القاصى والداني ، مشروع النهضة الذي هو خلاصة دراسات وأبحاث وورش عمل لأكثر من ألف متخصص وأستاذ جامعي وباحث وممارس وأكاديمي فى مختلف أبواب النهضة وجوانبها ، قدموا فيه خلاصة فكرهم وجهدهم على كل المستويات ، القيمى والفكري وارتباط ذلك بالمشروع الإسلامي ، وعلى المستوى الاستراتيجي وما يشمله من أهداف وخطط بعيدة المدى ومن أخرى قصيرة عاجلة ، وفى كافة المجالات : بدءاً من بناء النظام السياسي ومروراً بالتنمية الاقتصادية والتنمية البشرية والمجتمعية وبناء منظومة الأمن والأمان والريادة الخارجية ، ذلك بخلاف الملفات الخاصة التي يحملها .
لقد جاء مشروع النهضة شاملاً حيث لم يغفل العناوين المهمة المطلوبة للإصلاح والنهضة ، ولم ينسى التفصيلات الصغيرة والملفات الخاصة ، كما جاء مؤسسياً ، شارك فى بناءه العشرات والمئات ، ويتطلب تنفيذه جهد الجميع بالملايين ويستوعب جميع المصريين بكافة اتجاهاتهم .
وأزعم أن هذا المشروع كالثريا بين برامج باقى المرشحين ، التي لا يجوز أن تقارن به من الأصل ، وكما قال الشاعر : 
ألم تر أن السيف يذهب حده ... إذا قيل أن السيف أمضى من العصا .
يظلم الجميع بالمقارنة ، مشروع النهضة بتنزيله لمستوى المقارنة مع برامج ومشاريع فردية وليست مؤسسية ورؤى أشخاص لا جماعات ومؤسسات ، كما تظلم المشاريع والبرامج الأخرى لأنك تحملها ما لا تطيق حين تقارنها بمثل مشروع النهضة .
وإنى لأعجب أشد العجب ، كيف لمن عرض عليه مشروع النهضة بشموله وتمامه وكماله من بعض إخواننا السلفيين والمنتمين لحزب النور، ثم يختار من يحمل غيره ، كيف أوتي المقدرة على ذلك .. هذا والله العجب العجاب .

ثانياً :  الهوية والمرجعية الإسلامية السنية الواضحة والتي لا لبس فيها ولا غموض ولا مواربة ، وشعار الإسلام هو الحل الذي طالما ناضلنا وناضل عنه الدكتور مرسي واضطهد من أجله واعتقل فيمن اعتقل من أبناء دعوة الإخوان .
بلا تلون أو تغيير فى المسميات ، وبلا مساومة أو استرضاء للعلمانيين أو الليبراليين ، مع وضوح الانطلاق الإسلامي من المذهب السني الواضح الناصع .
الثبات وعدم السعي لاسترضاء أحدٍ بما لا نعتقد ، وعدم التساهل مع أحدٍ قد يجلب صوته بالتساهل والتميع معه ، وعدم ادعاء ثوابت لا أعتقدها مرضاة لأحد يحب أن أتمسك بالثوابت ، مع الانطلاقة السنية الواضحة .. كلها سمات وشيم لا تجتمع إلا فى الدكتور مرسي .

ثالثاً : الشوكة السياسية والجماعة التي تقف وراءه : ومصطلح الشوكة السياسية مصطلح معروف مشهور عند السادة دارسي السياسة الشرعية ، وهذا أيضاً أحد أهم أسباب ذهولى من قرار حزب النور والدعوة السلفية بدعم غير الدكتور مرسي ، حيث الشوكة السياسية من أحد أهم أركان ومعايير اتخاذ الولاة ودعمهم ومناصرتهم والوقوف خلفهم .
وهو مصطلح استخدم قديماً بمعانٍ  واسعة ضمنها أكبر قبيلة وأقوى قبيلة وهكذا .. ولذا جاءت الأحاديث التي نصت على أن الإمامة فى قريش ، لغلبة قريش وقوتها .
وفى العصر الحديث إن شئت تطبيقه فهل تستطيع على غير أكبر جماعة بشرية منظمة فى العصر الحديث تمتد لأكثر من ثمانين دولة بالعالم ، وعلى أكبر حزب بمصر نال الأغلبية – التي كادت أن تكون مطلقة – وكان يستطيع لو أراد ..
ولقد سمعت خاطرة لأحد قادة الحزب ، وكان يشجع إخوانه ورفاقه فى الحزب والجماعة فقال لهم أنه من العيب فى قرانا وبلادنا أن مرشح أكبر عائلة لا ينجح من الجولة الأولى ، فما بالكم إذا كانت عائلته هي أكبر عائلة داخل مصر وخارجها ؟ يشير بذلك إلى الإخوان والحرية والعدالة .
وهذا هو التطبيق العملى والفهم الدقيق لمصطلح الشوكة السياسية ، وهو الذى يتحقق به الغلبة والمنعة والقوة والتمكن ، وكله لا يتوفر لأحدٍ من المرشحين سوى للدكتور مرسي لأنه يقف وراءه الإخوان وحزب الحرية والعدالة .

رابعاً : المؤسسية : حيث يخدم برنامج المرشح ومشروعه جيش جرار فى كل الميادين والتخصصات ، وكلهم قوي أمين خبير كفء ، فى مجالات السياسة والاقتصاد والطب والهندسة والإدارة والعمل المجتمعي .
وكلهم يخرج بقيادة مصر عن الشخصية والفردية إلى المؤسسية والعمل الجماعي وروح الفريق ، مع بقاء هيبة الرئيس والكبير ، الكل يعمل فى منظومة جماعية ، لا يتضخم فيها الفرد أو يشعر بذاتٍ تتحول مع الوقت لديكتاتورية مقيتة عانينا منها عشرات السنين ، بل إن ما يتمتع به الرئيس من صفات ومؤهلات يصبان فى الصالح العام ويخدمان فى سلسلة التروس الجماعية التى تعمل سوياً لنهضة البلاد وإنقاذها من وهدتها .
كفانا حكم فردي وتعلق بالأشخاص ، ولقد علمونا – فى مناهج التعليم الخاطئة التي أحاطونا عمرنا كله بها – وعودونا وربونا على مفاهيم الفردية والشخص المسيطر ، حتى المصلحين أرادوا تصويرهم لنا على أنهم أفراد عظماء قادوا البشرية كعبقرية الصديق وعبقرية عمر وكصلاح الدين الأيوبى وكقطز و.......
وغفلوا عمداً أو سهواً عن أنه ما كان لهؤلاء العظماء أن يظهروا وتظهر جهودهم وعبقرياتهم لولا جيش المساعدين بصورة مؤسسية كالصحابة فى عهد أبى بكر وعمر وكرفقاء صلاح الدين أو قطز على مر التاريخ ، وهذا هو معنى المؤسسية .
ولكم أن تتصوروا كيف تكون حرب الردة بدون عظماء القراء من الصحابة الذين حموا الدين والقرآن بأنفسهم ومنهم البراء بن مالك وخالد بن الوليد وسعد بن أبى وقاص وأبى عبيدة بن الجراح و ..... وغيرهم من المناضلين الشجعان ، على مر التاريخ والعصور .
فكفانا هذه الفردية والشخصنة ولنعد إلى قياس الأمور بالعقلية المؤسسية الجامعة ، التي تضمن منظومة عمل مشترك فعال لا يتضخم فيها الفرد ولا يتفرعن ولا يتأله ، بل يبقى خادماً للأمة ناصحاً لها محترماً لإرادتها .

خامساً : صفاته ومؤهلاته الشخصية : ولقد عايشت الدكتور محمد مرسي فى أكثر من موقف ، فرأيت فيه الرباني الذى لا يخشى فى الله لومة لائم ، ورأيت فيه الشخص صاحب الإرادة القوي البأس والشكيمة ، والذي لو وقفت الدنيا كلها فى كفة أمام الرأي الشورى والمؤسسي والذى تم الاتفاق عليه فلن يستطيع أحد أن يقف أمامه .
وأحسبه فى ذلك تلميذ مدرسة الصديق أبى أبكر رضى الله عنه وثباته فى موقف وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثباته عند حرب الردة ، وما كان عليه من الشخصية والقوة ، وهو ما تحتاجه مصر فى الأيام المقبلة ، ذلك كله مع تواضعه لإخوانه واحترامه وأدبه الجم وأخلاقه الواسعة مع الجميع .
مع التأكيد على أننا مللنا من تعظيم الأشخاص فى بلادنا ونحتاج لمن يحترم الشورى والمؤسسية وينصاع لهما ولا يرى أو يقدر المصلحة فى خلافهما ، ولا يضخم عقله وذاته فيفتئت تبعاً لذلك على المؤسسة التى ينتمى لها .

سادساً : الخبرات والتجارب : ولو قلت أنه رئيس أكبر حزب أدار العمل بحزبه حتى نال الأغلبية بكفاءة واقتدار لاستطعت ، وكان ضمن فريق عمله عظماء من أمثال الدكتور عصام العريان والدكتور رفيق حبيب والدكتور البلتاجى و .... لا ستطعت ، ولو قلت أنه الأستاذ فى علم الهندسة ورئيس القسم وأشرف على مئات الرسائل العلمية فى مجالات متخصصة لاستطعت ، ولو قلت أنه الخبير الذى قدم لوكالة ناسا أبحاثاً فى علوم الفضاء فاقت الخمسين بحث لاستطعت .
هذه الخبرات والكفاءات والمؤهلات تضعانه بجدارة واستحقاق ضمن المرتبة الأولى .

سابعاً : أنه الوحيد الذي لم يطلبها ، فنحسب أنه – إن شاء الله – لن يوكل إليها ، مصداقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فى أن من طلبها وكل إليها ، وأن من جاءت إليه بدون طلب يعان عليها .
ولو قلت أنه لم يتفرد إلا فى هذه – مع أنه تفرد فى غيرها – لكفته .

تستطيع أن تجمع كل الصفات الماضية فى أنني أحسب أن الدكتور مرسى يدخل ضمن من تحدثت عنهم الآية الكريمة : " إن خير من استأجرت القوي الأمين " .
لهذا كله فلن أعطي صوتي فى الانتخابات القادمة إن شاء الله إلا للدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة ، وعندي ثقة فى الله سبحانه ، ثم فى قطاع كبير جداً من المصريين ، أنهم سيعطونه أصواتهم هم أيضاً فى أول ممارسة حقيقية نخوض فيها انتخابات الرئاسة .. نسأل الله العون والسداد .
------------