حازم سعيد :
أمضيت بداية سيري على طريق الإسلاميين برفقة الدعوة السلفية ، وتأثرت - ولا زلت - فى منهجية التعامل مع النصوص الشرعية وتناول الأحكام الفقهية بالسلفيين .
وكان من أكثر ما يسوؤنى بعد أن انضممت لدعوة الإخوان المباركة تصريحات بعض رموزها الأبرز - الذين غادروها جميعاً ؟ ! - ( الدكتور حبيب والدكتور الزعفراني والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ) ، والتى تصطدم اصطداماً مباشراً مع ما تعلمته بالدعوة السلفية ، ومع ما تربيت عليه من منهجية فى التعامل مع الأحكام .
كان أكثرهم امتلاكاً للتصريحات الصادمة ، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ، وطالما كنت أحاول جاهداً أن ألتمس له أعذاراً بينى وبين نفسى ، ولكنى كنت لا أستطيع .
الفقه البدوى والتشدد والجمود
كان أبرز ما يغيظني كلمة الفقه البدوي ، التى دأب الدكتور عبد المنعم على استخدامها ، حين يختلف فى تأصيل مسألة من المسائل مع الدعوة السلفية فيتهم السلفيين بأنهم متحجرين لم يخرجوا بفقههم عن البادية وطالما استخدم كلمة " الفقه البدوي " ، وكان يعني بها أن أبناء الدعوة السلفية لم ينفكوا عن البداوة ولم يعلموا أن الحضارة والتكنولوجيا قد عايشا هذا العصر ، فوجب عليهم أن يغيروا تعاملهم مع الواقع والأحكام بناءاً على هذا التغير .
كان يمكنه أن يعترض - كما اعترضت أنا شخصياً من قبل - على ما يسمى بفقه تنزيل النصوص على الواقع ، وطريقة التنزيل السلفية ، ولكن أن يمتد هذا الأمر إلى السخرية بمسمى الفقه البدوى ، لمزاً للدعوة السلفية والسلفيين بأنهم متأثرين بالمشايخ بالسعودية ، وأنهم جامدين لا يملكون القدرة على التعرف على الواقع ولا تنزيل الأحكام عليه، فهذا كان من أشد ما يثير حنقى وضجرى ، خاصة وأن البادية التي ينسب إليها الجمود فى الفقه ، خرج منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه خير القرون والذين يلونهم والذين يلونهم ، كلهم خرج من هذه البادية بفقه لو عكفت البشرية على أن تصنع مثله أو نصفه أو خمسه فلن تستطيع .
الإسلام الوسطي
وهو مصطلح طالما استخدمه الدكتور ، وقلدته فيه أحياناً ، ولكنى تراجعت ، ليس عن كره أو بغض للدكتور ، فلست أبغضه أبداً مهما اختلفت مع مواقفه ، بل ما أحمله له هو كأخٍ سابق فى الإخوان من حب ومودة وتقدير واحترام كثير جداً، بعيداً عن اختلافى مع مواقفه واجتهاداته التى خرجت به عن دائرة جماعة الإخوان .
وسر تراجعي يكمن فى نقطتين : الأولى : هي أن " الإسلام " كلمة كافية الدلالة للتعريف على كل معاني الجمال فى التسليم والانقياد والتى منها الوسطية " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً " ، فمثلاً لا نقول الإسلام الشامل ، نستخدم فى تعريفه للتوضيح أن الإسلام دين شامل ، ولكن حين نعبر عنه نقول : " الإسلام " .
تماماً مثل أنه للناس كافة ، فلا نقول الإسلام العام ، وإنما نستخدم لفظ " الإسلام " للتعبير عن العمومية .
وطالما الأمر كذلك فما الداعي لكلمة الوسطي هذه ؟
والنقطة الثانية التى جعلتنى أتراجع عن تقليد هذا المصطلح بل وأرفضه هو ما تستشعره من نبرة استعلاء على السلفيين فى كلمة الوسطي ، فطالما عبر عنهم الدكتور بأنهم المتشددين ، وطالما عبر عن العلمانيين أنهم المتساهلين ، فاستخدم للتعبير عن نفسه وعن منهجه مصطلحاً أراد به أن يعلن تميزه واستعلاءه وفقهه عن الآخرين بأنه يتبع مدرسة الإسلام الوسطي ؟!
الهجوم على سيد قطب وتبجيل نجيب محفوظ
ثالث ما يبعد بى عن تصنيف الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح كسلفي ، وكذلك عن قبوله هو نفسه بالسلفيين ، ما يمكن أن تصفه بالميوعة فى التعامل مع منتهكي الثوابت والأصول .
وأبرز هؤلاء الأديب الراحل نجيب محفوظ ، والذى ألف رواية " أولاد الإله " التى أصبحت " أولاد حارتنا " وفيها رمزية واضحة للإله والأنبياء بالحارة ، وفيها من سوء الأدب فى التعامل مع الله عز وجل الكثير ، والذى حدا بالأزهر لأن يصادر هذه الرواية ويعارضها ، وحدا أيضاً بمانحي نوبل لإعطائها له تقديراً على جرأته فى انتهاك المقدسات الإسلامية والأدب مع الله .
ليأتي لنا الدكتور عبد المنعم ويصف الرواية بأنها أدباً ، وأنها ليس فيها انتهاكاً للثوابت الإسلامية ، ولا اعتداءاً على العقيدة بأي صورة من الصور ، ويزور نجيب محفوظ ويثني على الرواية بحضرته ؟!
وأجاب على سؤال ليوسف القعيد بإجابة حاسمة اللفظ قطعية الدلالة :
يوسف القعيد:"هل توافق على نشر رواية أولاد حارتنا؟!"عبد المنعم أبو الفتوح:"بالتأكيد يجب أن تنشر، بل أرفض موقف الأستاذ نجيب محفوظ الذي يصر على موافقة الأزهر قبل النشر، أنا أرى أنه ليس هناك داع للحصول على هذه الموافقة بل يجب أن ننتقدها"
وزاد الأمر وعم وطم بانتقاص الأستاذ سيد قطب ، والكلام عن أن كتابه الظلال أو المعالم ، كتبها الأستاذ وهو فى المعتقل ، وأن التشدد الذى بها نتيجة لظرف ومحنة مر بهما الأستاذ سيد ، وليس أنه نتاج التزام بالثوابت الفقهية والعقدية .
والتزلف بمثل هذا الكلام والهجوم على الأستاذ سيد لثلة العلمانيين الذين كان فى زيارتهم .
الموقف من ولاية المرأة والقبطي
والتأصيل الفقهي لهذه المسألة معلوم معروف ثابت عند السلفيين والإخوان على حدٍ سواء ، فإذا بالدكتور عبد المنعم يتمايز عن هذا الرأي الفقهي عن السلفيين والإخوان معاً .
وليست القضية هى فى أن تختلف ، ولقد اختلفت شخصياً مع السلفيين فى مسائل ، ولكن المشكلة هي فى منهجية الاختلاف ، وطريقة التعامل الفقهي والتأصيل التي قادتك لهذا الاختلاف .
وتمييز العقل واحترامه لدرجة التقديس وتوصيله لما يقارب كونه دليلاً من أدلة الأحكام ، سيراً على مدرسة الإمام الراحل العظيم محمد الغزالى رحمه الله ، والذى تأثر الدكتور عبد المنعم به أشد التأثر ، وتتلمذ على يديه ، ولكن لكل إنسان أخطاء ، وكل يؤخذ منه ويرد عليه إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وكان من أخطاء الإمام الغزالى رحمه الله منهجية الاستدلال التى عارض بها خصومه فى حكم تولي المرأة والقبطى الرئاسة .
وكان منها استدلاله على إجازة تولى المرأة الرئاسة بنجاح مارجريت تاتشر فى بريطانيا ، وهو بالطبع استدلال عقلي من تجارب غيرنا لا علاقة له بتأصيل المسائل والأحكام فى شريعة الإسلام ، وعلى هذا نسج الدكتور أبو الفتوح ، وهو ما يخرج به بالكلية عن المنظومة الفقهية السلفية .
لماذا أكتب هذا المقال ؟
تلك كانت وقفات موجزة مع بعض ما عانيته - كسلفي - من الدكتور عبد المنعم وطريقة تناوله للمسائل والأحكام ، تبعد بى عن تصنيفه فى دائرة السلفيين ، هذه بخلاف تصريحاته فى مواقف مختلفة عن الموسيقى والغناء والأفلام والعلاقة مع النصاري ، وحرية المسلم فى أن يترك دينه للنصرانية دون إقامة حد عليه وأنه لا دخل للكنيسة أو الأزهر بذلك ، وأننا نحن والنصارى نعبد إلهاً واحداً ... إلى آخر تصريحاته .
هذا كله لم أتداوله من قبل عن الدكتور عبد المنعم ، ولم أكن أنوي ، لولا زيارته الأخيرة لمعقل الدعوة السلفية فى الإسكندرية والتي التمس فيها تأييدهم له - كمرشح إسلامي - فى انتخابات الرئاسة .
فعجبت أشد العجب ، أنك تلتمس ود وتأييد ومناصرة ، من تصفهم بالبداوة والتشدد والجمود ، وطالما نزهت نفسك عن فقههم بفقهك الوسطى ، وطالما سلكت مسلكاً فى التعامل مع الأحكام الفقهية مختلفاً عنهم قلباً وقالباً .
فهل تستأهل الانتخابات كل هذا يا دكتور ؟ مخالفة شورى الجماعة وقلت أنها للمصلحة العامة ، وترك الجماعة بالكلية ، وقلت أنها لمصلحة مصر العظمى .
والآن مداراة السلفيين بالكلام عن كونهم فصيل وطني قومى ... الخ ، فهل غيرت حكمك عليهم ؟ وهل لم تعد تعتقد أنهم متشددين وهابيين ؟ أم هي المداراة للمصلحة العامة .
أسأل الله لنا ولك العافية .
------------
[email protected]
روابط مهمة :
الدكتور أبو الفتوح : التيار السلفى تيار متطرف

