محمد غازي الجمل:
أثار ترشح الإخوان لمنصب الرئاسة في مصر مخاوف الكثير من محبي الجماعة ومبغضيها على حد سواء، حيث تبرز الكثير من التساؤلات حول قدرة الإخوان على قيادة مصر وعلى تجاوز التحديات السياسية والاقتصادية المرتبطة بذلك.
وبداية تلزم الإشارة إلى أن خيار الإخوان منذ عام كان عدم التصدر للرئاسة والاكتفاء بتشكيل حكومة ائتلافية في ظل نظام برلماني، بما يعزز التشاركية بين مختلف القوى الوطنية في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه مصر ما بعد الثورة، إلا أن الزوبعة التي أثيرت على خلفية تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور والطعون بشرعيتها، والتي أدت إلى إيقاف عملها لاحقا، فتحت الباب واسعا لاحتمال انتخاب الرئيس القادم قبل إعداد الدستور، وهو ما يعني أن الرئيس هو من سيشرف على كتابة الدستور ومن سيشكل الحكومة القادمة، وفي ذلك خطر إعادة إنتاج النظام السابق بأوجه عدة.
أول هذه الأوجه فوز أحد رموز النظام السابق – بالتزوير أو بدونه-، وثانيها فوز رئيس غير مدعوم بتنظيم سياسي قوي أو بأغلبية برلمانية، مما يعزز قبضة القوى الأمنية والعسكرية -التي ما زالت تدير عموم مؤسسات الدولة المصرية-، حيث سيقوم هذا الرئيس بدور الواجهة أو الدمية في يد هذه القوى شاء أم أبى.
"وبناء عليه" فإن معركة الرئاسة فرضت على الإخوان، وما كان لهم أن يتنصلوا منها رغم ما فيها من مخاطر.
وفي ظل هذه المعطيات يمكن ملاحظة جملة من المكاسب والخسائر ومن الفرص والتحديات لتولي الإخوان الرئاسة، فعلى الصعيد الوطني المصري وفي المجال السياسي فإن الإخوان هم الأقدر على مواجهة تحدي إعادة إنتاج النظام السابق لنفسه، وهم الأقدر على مواجهة حالة التبعية للغرب التي تعيشها مصر منذ عقود.
وبالمقابل تثار مخاوف حول استبداد الإخوان بالقيادة وهو أمر يقل خطره في زمن عرف فيه الشعب طريق الشارع، في حين أن تولي الأغلبية للسلطة مع مراعاة حقوق الأقلية يعد المضمون الأبرز للديمقراطية!
وعلى صعيد العلاقات العربية فإن تولي الإخوان للرئاسة سيعزز علاقتهم مع دول الربيع العربي ومع "أنظمة المستقبل" في المنطقة.
وبالمقابل سيكون رد فعل الكثير من الدول العربية والغربية سلبياً، ولكن موقف غالبية هذه الدول مبني على رفضها للثورات ولتحرر شعوب المنطقة، ولا يتوقع منها غير هذا الموقف المعادي لسياسات الإخوان، أو أي قوة وطنية، سواء كانت في الرئاسة أم الحكومة أم البرلمان.
وللخائفين من تكرار تجربة الحصار السياسي الذي تعرضت له حكومة حماس في غزة، فإن مصر تختلف من حيث هي دولة كبيرة ومستقلة تلتحم مع أنظمة ليبيا وتونس والسودان ذات الصبغة الإسلامية، علاوة على أن الربيع العربي أجبر الدول الغربية على مجاراة توجهات الشعوب وتجنب مصادمتها.
أما على الصعيد الاقتصادي فإن الإخوان هم الأقدر على مواجهة قوى الفساد بما لديها من رصيد شعبي وقوة سياسية، كما أنهم الأقدر على الحد من احتكار العسكر للكثير من القطاعات الحيوية في الاقتصاد المصري، والذي يبقي النظام الاقتصادي معلقا بين اقتصاد السوق والاقتصاد الموجه، علما بأن النظام السابق جمع على المصريين سيئات النظامين دون حسنات أي منهما.
وبالمقابل فإن قلة الخبرة الاقتصادية لدى الإخوان تشكل تحديا كبيرا لهم، مما يلزمهم بالاعتماد على خبرات غيرهم.
وعلى صعيد الحسابات الخاصة بالإخوان فإن التصدي لمسؤولية قيادة مصر في هذه الظروف الاقتصادية والسياسية يعني استنزاف شعبيتهم بشكل كبير، كما أنه يعرضهم للابتزاز السياسي من قبل الولايات المتحدة، إلا أنه أيضا يحمل لهم فرصة تاريخية لتطبيق برامجهم التي نظَّروا لها على مدى عقود.
التحدي صعب والمخاطرة كبيرة ولكن مخاطر التردد والتراجع أكبر، وهذا ما تعيه جماعة الإخوان.
ــــــــــــ
كاتب صحفي ومحلل سياسي أردنى

