د/ وائل عبده :
(المتهمون قاموا بإنشاء تنظيم يهدف الي قلب نظام الحكم )
دارت علي هذه التهمة محاكمات الإخوان المسلمين .وأودعوا في السجون ظلما وقسرا ,وعانوا منها هم وغيرهم في العصر البائد.
فلماذا كانت تهمة إنشاء تنظيم تقابل بهذا العنف ؟؟ رغم أن عدد المتهمين كان لا يصل إلي مئات الألوف بل إلي عشرات الأفراد في أقصي تقدير( عدا في الخمسينات والستينات) وهم غير مسلحين بأسلحة مادية ومع هذا كان يكفي ليحكم عليهم بسجن أو إعدام؟
أولا ما هو التنظيم؟
يعرف التنظيم بعدد من التعريفات .. منها علي سبيل المثال :
** " الشكل الذي تتعاون فيه جهود جماعية لتحقيق هدف "
** و "عملية ترتيب وتوزيع الموظفين بطريقة تؤدي لسرعة تحقيق الهدف وذلك عن طريق توزيع السلطات والمهام والمسئوليات"
**و "أنه عملية وضع نظام للعلاقات المنسقة إداريا وتحديد للوظائف وتكون للوحدات الإدارية وينظر إلى هذه العملية من خلال اتجاهين"
**و " مكان أو كيان اجتماعي يعمل وفق لهيكل وأنشطة وظيفية محددة ومتميزة وذلك لتحقيق أهداف محددة"
ومع تعدد التعريفات للتنظيم يوجد عناصـر رئيسية لابد من توافرها في التنظيم وهـي :
هـدف محـدد ومتفق عليه .
نشاط وعـمل يؤدي (يوصل) إلى الهـدف .
أفـراد تقـوم بينهم علاقات محددة ( خيوط اتصال) ويشتركون في استخدام الإمكانيات المادية للوصـول إلى الهـدف .
والتنظيم الجيد البناء يؤدي إلي تحقيق أهداف أعظم من جهود أفراد أو جماعات كبيرة جدا تتشت جهودها وإن اتفقت حتي في أهدافها و من أجل هذا قامت الحكومات الظالمة في مصر في محاربة أي تنظيم موحد الأهداف متكامل الجهود. ومن أجل هذا يتم إلي الآن محاربة الجماعة الوحيدة المنظمة والتي تتفق أهداف قادتها مع أهداف قواعدها .
بل إذا علمنا أن قياسات الراي العام تنبني علي مؤشرات منها:
لو استقبلت هيئة ما خطابات حول موضع ما فان لكل خطاب 10 خطابات تؤيد نفس الفكرة لم تكتب.
إذا تلقت اتصالات تليفونية فان لكل اتصال 100 فرد يؤيد نفس الفكرة لم يتصل تليفونيا
إذا خرج في مظاهرة فان لكل مشارك 1000 انسان يؤيد نفس الفكرة لم يتظاهر
فكم في تقديرك يمكن تنظيم قوام أفراده ربع أو نصف مليون أو مليون ناشط إذا كان تنظيما قويا وكم يمكن له أن يرسل من مؤشرات عن نسبة تبني المجتمع لفكرة معينة؟
بل إن تنظيما كتنظيم الإخوان المسلمين الفريد في تكوينه في مصر والعالم ( والحمد لله رب العالمين ) وقوام أفراده لو كان مليون إنسان فإنه يضمن كتلة تصويتيه لأي مشروع أو رئيس منتخب علي نفس الرأي بنسبة بين 20- 30 مليون صوت انتخابي بل ويستطيع أن يؤثر في الراي العام عبر التواصل مع طبقات الشعب المختلفة وهذه أمور لا تخفي علي أحد بل أصحبت بسبب وضوحها سببا رئيسيا في الهجوم الإعلامي الشامل علي الجماعة كما سيتم الإشارة إليه وإلي مراميه , مدبري هذا الهجوم لا يشغلهم نبل مقاصد الإخوان ولا رقي منهجهم ولا إسلامية وسائلهم بل يشغلهم وفقط ذواتهم ومصالحهم الخاصة وهم هم من قاموا بحصار الإخوان أمنيا قبل ذلك ,ولما أصبح من المتعذر عليهم الحلول الامنية و خاصة أنها زادت الصف الإخواني تماسكا وارتباطا أصبح استعمال الوسائل الأخرى كالحرب الاعلامية عبر اشاعات من نوع اشاعات الكراهية أو إشاعات التثبيط والترداد الالي للأكاذيب دون اي تفنيد هي مطيتهم وهم في هذا لا يستوعبون التاريخ ولا الواقع في دنيا الناس ولا سنن الله في كونه التي تقول (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ )
تتواصل تلك الحرب عبر عدة محاور :
محور الثورة
يحرص الخطاب الإعلامي بداية من مارس 2011 علي قول الثوار و الإخوان مقيما بهذا فصلا معنويا في خطابه الاعلامي كأن الاخوان و الثوار فصيلين مختلفين, حتي يمنع عن الاخوان حقهم الطبيعي أنهم من القوي الثورية رغم أنهم كانوا قلب الثورة الصلب.
زاد بعض متصدري المشهد الإعلامي في أقوال منها علي سبيل المثال أن الجماعة رفضت الخروج في أول الثورة وأن هناك تعليمات صدرت بالخروج من التحرير وأن الاخوان ليس من منهجهم الثورة في إطار النقاش مع بعض النخب وغير ذلك من الافتراءات التي لا تصمد أمام النقاش العلمي الذي لن يتيحه الإعلام أساسا وعند محاولة التفنيد أو النقاش العلمي النزيه يبارزون الأخ بحصار آخر .إن الاخوان يريدون إيهامنا أنهم الثورة وحدهم , وهذا الخطاب موجها للجماهير والخارج وهو خطاب لتأسيس عملية تالية تستهدف إضعاف ثقة الصف في القيادة , وهذا الاستفزاز استسلم له البعض ورفضه آخرون منهم من رفض بهدوء ومنهم من اندفع بعاطفة يهاجم دفاعا عن جماعته وقيادته , وللحقيقة فإن الرد علي هذا فن وله آلياته يمكن إن وفقنا الله تعالي أن نفرد له مقا ل لاحق.
محور الجماهير
تشويه الإخوان بمقولات في محاولة لتقليل التأثير في الشارع وهي محاولات لن تفلح مع حرص الصف الإخواني علي التواصل مع الجماهير التي تزن الناس بواقع المعاملة ولا تثق في الخطاب الاعلامي.
تشوية الرموز مثل صبحي صالح د. محمود عزت د. غزلان والمصري اليوم د. الكتاتني وهكذا..........
تسفيه الجماهير لأنها ستختار الاخوان فيتم حصار الشعب فكريا بانه اختار بسبب الزيت والسكر او أن الشعب جاهل وأمي رغم أن الشعب علي فرض قلة تعليمه , شعب ناضج واعي يعرف جيدا الحريص علي مصلحة الشعب ومن يبيعه في أول فرصه لهذا كان خيار الشعب صادما لهم .
حرب الشعب بالتجويع والأمراض وحرب السولار والبوتاجاز والقمح والمياه وهكذا.. والهدف العقاب الجماعي محاولة لتأييس الناس وصرفهم عن البرلمان ومحاولة تحميل البرلمان تبعات فشل الحكومة لينقلب الشعب علي من انتخب .
نشر مقولات مثل كفاية عليهم كدا ..ومحاولة وصم البرلمانيين بانهم مثل المزورين عز وشركاه.
النخبة:
تخويفها باتهامات للإخوان أنهم إقصائيون وأنهم سيحاربونكم ويقصونكم فيقومون بعمل حاجز نفسي سابق ومن ثم تتحزب النخبة ويزداد تعميق الاستقطاب في المجتمع .
حصار النخبة المعتدلة صاحبة المصداقية التي تتواصل مع الاخوان بإلقاء تهم عليهم أنهم مستفيدون ووصفهم بلون سياسي وخاصة أن التلون السياسي في عالم الإعلام يؤدي بصاحبه الي الإنحسار.
المؤسسات الدولية ولهذا بحث يحتاج الي وقت و تفصيل .
افراد وابناء الصف الإخواني:
وهم بغيتي من المقال ويتم استهداف التنظيم عبر استهداف الأفراد علي اختلاف مراتبهم ومهامهم التنظيمية وذلك كما يأتي:
1ـ استهداف تماسك التنظيم هو الهدف الأول والأهم وذلك عبر الطعن في القيادة وأنها تتواطئ عبر صفقات ضد الوطن أو إنها متسلطة أو إنها غير كفؤ وأن الإخوان تتخذ قرارات مخطئة حتي في أمور تقبل الآراء المختلفة وتحتمل الصوابين , وهدفهم بالأساس الطعن في القيادة وترديد ذلك في كل وسائل الإعلام حتي تضعف ثقة الصف في قيادته والقيادة في صفها أو إضعاف تأثيره أو احداث فجوات وتفتيت هيكله .
2ـ التشويش بكثرة ترداد الأغاليط حول الجماعة والحزب مثل (اتفقوا مع عمر سليمان ..اتفقوا مع المجلس العسكري ..الشوري التي تمت بطريقة غير صحيحة .. الشوري في الجماعة موجهة ) وهكذا يظل الأخ يسمع نفس الكلام في أكثر من منبر إعلامي فضائي أو مقروء أو علي النت.
3ـ تسفيه مبدأ السمع والطاعة وتسفيه من يقول به وإلقاء في روع كل من يسمع ويطيع أنه قليل العقل مسلوب الإرادة. رغم أن السمع والطاعة هي من صميم قوله تعالي ( سمعنا وأطعنا) .و في جماعتنا الطاعة مبصرة وفي غير معصية لله تعالي ويكون السمع والطاعة للقرار بعد إنتهاء مناقشته والإتفاق عليه .. و هذا يقابله في المصطلحات العصرية مبدأ الالتزام الحزبي , و يعد الإخلال بالالتزام الحزبي موجبا للفصل والعجيب أن الإعلام يثنى على ذلك لكل الإتجاهات السياسية إلا في الإخوان لأن الهدف هو الحصار النفسي والفكري والمعنوي لأفراد الصف...
4ـ ابراز الاعلام لأفراد يتركون الجماعة فتنشر إستقالاتهم في كل وسائل الاعلام بل ويتم إستضافة قادة الجماعة السابقين ويتم ترداد لماذا تركوا الاخوان في عدة برامج ويكرر فيها نفس الكلام ونفس التهم بلا كلل ولا ملل لحصار الأفراد نفسيا.
5ـ ابراز الاستقالات ايضا تؤدي الي استسهال الإستقالة وسهولة اتخاذ القرار علي أفراد الجماعة بعد أن كان الكثير يعتبرها أيام المحن نوع من أنواع الضعف والاستسلام.
هناك نماذج تقدم في الاعلام بأنها القيادي المنشق أو القيادي المستقيل وفقط دون مسماه الحالي وهذا في ذاته رسالة يحرص عليها الإعلام ولوبي الإعلام في مصر حتي يفت في عضد الصف وتوهينهم واعطائهم الإحساس بأن هناك آخرين يتركون ما أنتم عليه .( هل رأينا ناشطا كان عضوا في حزب وتركه الي حزب اخر يوصف بانه عضو سابق في حزب كذا ام يقال انه فلان الذي يشغل كذا)
6ـ تسعي جهة ما علي البحث عن رمز يخرج من التنظيم يكون قطبا جاذبا لأفراده ينازع إدارة التنظيم , والعجيب أن أحد الذين خرجوا من التنظيم وهو يقول أنه خرج من التنظيم لا من الفكر, لا تجد الدائرة التي حوله هدفا غير شباب الاخوان لاستهدافهم رغم أنه يفترض أن يكون خطابه لكل شعب مصر , وهذه تحركات مستغربة إلا إذا فسرت في سياق أن هذا مما يفتت الجمع حول القيادة ويساهم في تشتتها وتقليب الأفراد علي القيادة توهينا للتنظيم سواء فهمت هذه الدائرة التي حوله هذا أم لم تفهم فلست خبيرا بالنوايا ولكني أرصد الحدث لأحلله.
لماذا هذه الحرب المستعرة والتي تأتي موجاتها تتري؟
الحقيقة الأسباب كثيرة ولكني أراها للأسباب التالية وهي مرتبة في ظني حسب أهداف صانعوها:
تفتيت أو إضعاف البنية التنظيمية للجماعة .
تقليل حجم التأثير في المجتمع.
إفساد العلاقة مع بعض النخبة خارج التيار الاسلامي ثم تأتي المرحلة التالية لإفساد العلاقة بين نخب التيار الاسلامي.
إيقاع الصف تحت قلق الحرب النفسية.
إشغال الصف عن رسالته الرئيسية وأهدافه الأصيلة.
ترك هذه الإشاعات لتكون أخبارا يبني عليها هجوم قادم بعد سنوات يستهدف الجماعة في ظرف آخر.
ختاما أوصي إخواني بما يلي:
التركيز نحو الهدف من كل عمل ونحو أهداف العمل السياسي والدعوي المعتمد من الجماعة
تجنب الاستدراج إلي مساجلات جانبية تهدف وفقط الي إشغال الصف.
الالتفاف حول القيادة .
استعمال اليات المؤسسة الشورية والإدارية في التنفيذ والنصح للقيادة وعدم نسيان قيم الإخوة والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
الثقة في إخواننا أنهم علي كفاءة وأنهم بنا.
التواصل الدائم مع المجتمع .
الإخلاص التام لله تعالي في نياتنا أثناء التواصل مع المجتمع وخدمته .
التعامل مع المخالفين في الرأي باحترام لأن من حق كل الناس أن تختلف وأن تقتنع بأرائها وليس من حق أحد مصادرة رأي أو الحجر علي فكر ولا نزال في خلافنا نختلف في الأولي والأفضل وليس من يخالفني خائن او عميل
النظر الي خطاب الإستفزاز الإعلامي نظرة الطبيب الي مريضه فهو وإن قسي عليه المريض لا يحمل له إلا الخير ولا ننسي ما قاله الإمام البنا : و كل الذي نريده من الناس أن يكونوا أمامنا واحدا من أربعة .... نذكر منها المتحامل فقال رحمه الله تعالي:
(متحامـل: و إما شخص أساء فينا ظنه وأحاطت بنا شكوكه، فهو لا يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم، ولا يتحدث عنا إلا بلسان المتحرج المتشكك، ويأبى إلا أن يلج في غروره ويسدر في شكوكه ويظل مع أوهامه، فهذا ندعو الله لنا وله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يلهمنا وإياه الرشد، ندعوه إن قبل الدعاء ونناديه إن أجاب النداء وندعو الله فيه وهو أهل الرجاء، ولقد أنزل الله على نبيه الكريم في صنف من الناس: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (القصص:56).
وهذا سنظل نحبه ونرجو فيئه إلينا واقتناعه بدعوتنا، وإنما شعارنا معه ما أرشدنا إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). وأقول لإخواني أن تماسك تنظيمنا واصطفافنا خلف قيادتنا لهو سر من أسرار النجاح عبر عنه القرآن في آية جامعة
(إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)
ولا يحرج بعضكم مقولات الحرب النفسية أن السمع والطاعة منقصة فهي قمة التجرد أن تسمع وتطيع في غير معصية دون نظر إلي مطمع شخصي أو غرض دنيوي وتنصح في حرص ويقين أننا نتعامل مع الله تعالي وهو الذي يدبر لدينه ونحن نستر القدرة ونأخذ الأجرة .. فلا تحرم جماعتك من عقلك وفكرك ولا جهدك وعطائك.
والله اكبر الله اكبر ولله الحمد.

