د / ممدوح المنير
يأتى انعقاد القمة العربية القادمة فى بغداد نهاية مارس الحالى وسط أجواء مشتعلة على الساحة العربية و الدولية ، مما يفرض على القادة العرب جملة من التحديات و الإستحقاقات التى تطالبهم بها شعوبهم .
خاصة أن الشعوب لم تعد كما كانت سابقا تكتفى بالشجب و الأدانة لقرارات القمة التى كان أغلبها لا يرقى إلى مستوى طموحاتهم ، بل أصبحت قادرة أيضا على خلعهم بل حبسهم و قتلهم إذا لم يكونوا على مستوى المسئولية .
كما أن إنعقاد القمة يأتى بالتزامن مع توقيت الذكرى التاسعة – 18 مارس - للإحتلال الأمريكى للعراق ، مما يطرح عدة تساؤلات عن مغزى الظرف الزمانى و المكانى لإنعقاد القمة ، مع العلم أن تأمين سماء المنطقة الخضراء التى سوف تعقد فيها القمة سوف يكون مهمة الطائرات الحربية الأمريكية ، اذا فهى قمة فى زمن الإحتلال الأمريكى للعراق و بحماية أمريكية لمكان انعقادها ، مما يتوقع معه أن تكون قرارات القمة لا تبتعد كثيرا عن الأجندة الأمريكية .
هذا على الرغم من أنه تجرى حاليا حرب شرسة لمنع انعقاد القمة فى بغداد و ليس أدل على ذلك من سقوط نحو أكثر خمسين عراقيا يوم الثلاثاء الماضى و جرح نحو ثلاث مئة فى سلسة من التفجيرات التى غطت معظم محافظات بغداد و فى وقت متقارب ، مما يوضح قوة الجهة المنفذة للهجمات و سيطرتها على مناطق شاسعة من انحاء العراق ، حتى أن أحد هذه التفجيرات وصلت إلى المنطقة الخضراء باستهدافهم مبنى لا يبعد أكثر من مائتي متر عن وزارة الخارجية.
و يهدف هؤلاء من وراء هذه الهجمات إلى عدة أمور منها إظهار فشل  حكومة نور المالكى فى بسط الأمن فى البلاد خاصة مع احتدام الصراع السياسى فى الساحة العراقية و الذى أصبحت التفجيرات الدموية هى المعلم الأكثر وضوحا للتعبير عن هذا الصراع  .
كما يرى البعض أن هذه الهجمات ما هى إلا محاولة طائفية لمنع عودة العراق إلى محيطه العربى ، فآخر قمة عربية عقدت فى بغداد كانت منذ نحو عشرين عاما قبيل غزو العراق للكويت  .
و أمام هذا المشهد الدموى قامت الحكومة العراقية برئاسة المالكى بإجراءات أمنية غير مسبوقة على الإطلاق فقد تم تأمين المنطقة الخضراء بنحو مئة طائرة حربية امريكية، و مئة ألف جندى ، و عطلة إجبارية لمدة أسبوع لكافة مؤسسات الدولة عدى الجيش و الشرطة ، كما تم غلق مطار بغداد امام الملاحة الجوية ، و منع حركة السيارات و الدراجات فى بغداد بداية من 25 مارس القادم ، هذه الإجرءات الغير معهودة  التى فرضها نورى المالكى ، هى محاولة مستميته من جانبه لعقد القمة العربية فى بغداد ليسجل نصرا كبيرا على خصومه السياسيين .
إذا فالقمة تعقد  وسط إستنفار أمنى غير طبيعى ، و وسط بحيرة من الدماء إن جاز التعبير فى داخل العراق مع أجواء ملتهبة فى خارجه ، مما يجعل السؤال الأكثر أهمية هل تنجح القمة فى رسم خارطة طريق للخروج من المأزق العربى الحالى ؟.
فالحقيقة يبدو المشهد أكثر تعقيدا بشكل كبير فتداخل الملفات و إشتباكها يصعب الموقف ، خاصة أن القمم العربية علمتنا أن القادة العرب ليسوا أصحاب القرارت الصعبة أو المفصلية .
فالقمة تعقد فى العراق المتحالف مع النظام السورى و الإيرانى عبر المالكى، فى حين يناصب القادة العرب فى غالبهم العداء للنظامين الإيرانى و السورى ،  مع إستمرار سقوط الضحايا من المدنيين فى سوريا برعاية إيرانية و مباركة روسية .
فضلا عن أن الملف النووى الإيرانى يعتبر هو الآخر من الملفات الساخنة على طاولة المباحثات فى القمة المرتقبة ، و خصوصا مع التلميحات و التهديدات الإيرانية لدول الخليج فى حالة مشاركتها بشكل أو بآخر فى ضرب إيران أو تقديم أى شكل من أشكال الدعم للأمريكان فى ذلك ، و إذا تذكرنا أن نورى المالكى رئيس الوزراء العراقى هو شيعى المذهب و محسوب لدى الكثيرين على إيران أكثر من حسبانه على العراق سرعان ما نكتشف حجم المشكل فى الموضوع .
لذلك ليس مستبعدا أن تكون إيران هى التى تقف وراء هذه التفجيرات التى تعيق انعقاد القمة ، على أساس أنها لن تقبل أن يوجه لها القادة العرب أية إنتقادات لبرنامجها النووى من منطقة تقع تحت نفوذها المباشر و هى العراق .
و هنا قد يختلف البعض مع هذا الطرح ، على أساس كيف يعمل المالكى المحسوب على إيران على انعقاد القمة بشتى الوسائل ، فى حين تقول أن إيران تعمل على العكس من ذلك على الحيلولة دون انعقادها .
فى الحقيقة فى الساحة العراقية تبقى كافة الإحتمالات مفتوحة على مصراعيها ، فالتفجيرات بكل تأكيد سوف تضعف من حجم التمثيل الدبلوسى فى القمة ، مما يجعل الكثير من الرؤساء و الملوك العرب تحجم عن حضور القمة خشية من الوضع الأمنى ، مما يتوقع معه أن يكون التمثيل على مستوى الوزراء أو حتى المندوبين ، و هو ما يجعل قرارت القمة ليست على المستوى المطلوب و هو ما تريده طهران ، و فى نفس الوقت عقد القمة سوف يدعم موقف المالكى أمام خصومه الذى يتهمونه بالفشل فى إدارة الدولة والإحتكار المطلق للسلطة فالمالكى يشغل إلى جانب منصب رئيس الوزراء منصب وزير الداخلية و الدفاع و رئيس جهاز الأمن القومى و محافظ البنك المركزى و غيرها من المناصب !!.
و تجلى هذا الصراع السياسى بشكل أكثر وضوحا مع تصريحات البرزانى رئيس اقليم كردستان العراق و التى هاجم فيها المالكى بشدة مؤخرا ، مع العلم أن طارق الهاشمى نائب الرئيس العراقى لا يزال موجود فى كردستان العراق هربا من الأمر القضائى باعتقاله !! .
فالبرزانى يخشى أن يستغل المالكى القمة فى تأليب القادة العرب على الأكراد ، الذين يحاولون الإستقلال و تشكيل دولة فى شمال العراق ، خصوصا أن الفرصة أصبحت سانحة مع قرب سقوط النظام السورى و تفكك الدولة السورية مما يتيح ضم أكراد سوريا للدولة الكردية المنتظرة و يكون العرب أمام سودان جنوبى جديد فى العراق .
تبقى الأزمة السورية هى الأخرى  الملف الأكثر سخونة فى جدول أعمال القمة ، فقد عقدت الجامعة العربية أكثر من عشرين لقاء على مستوى وزراء الخارجية العرب أو المندوبين الدائمين ولم يحدث أى تحول نوعى فى الأزمة السورية ، اللهم إلا لو اعتبرنا أن زيادة التباعد بين بعض الأنظمة العربية و النظام السورى منجز يعتد به ، رغم أن هذا المنجز لم يغير من طبيعة الصراع هناك شىء .
كما أن العراق يعتبر حليف استراتيجى للنظام السورى ، و يعمل على تقويته بشتى الوسائل فقد ذكرت عدة تقارير إخبارية عن مدير عام صندوق دعم الصادرات السورية، إيهاب أسمندر، عن أن العراق يستورد يومياً من سوريا بقيمة 25 مليون دولار، أى بما يصل إلى مليار دولار كل 40 يومًا.
هذا الدعم الذى توجهه الحكومة العراقية للنظام السورى يوضح حجم التداخل بينهما ، و المثير كذلك أن العراق التى تستضيف القمة العربية يكثر اللاعبون على أرضها فالولايات المتحدة حاضرة بقوة فى العراق منذ احتلاله و لا يزال لها رجالها و قواعدها و نفوذها على الحكومة العراقية من المعلوم بالضرورة .
فى النهاية نحن أمام مشهد غاية فى التعقيد ، فالأمريكيون سيضغطون حتى تخرج القمة بقرارت قوية تجاه الملف النووى الإيرانى و تجاه النظام السورى ، و بالتالى تسجل الولايات المتحدة نقطة قوية فى هذين الملفين .
و الإيرانيون سيضغطون بنفوذهم القوى هناك للحيلولة دون خروج قرارت تدينهم من قمة بغداد ، و النظام السوري العلوى سيعمل هو الآخر بنفوذه أيضا فى العراق على التخفيف من حدة القرارات التى ستخرج من القمه تجاهه ، و لو احتاج الأمر إلى مئات التفجيرات لمنع إنعقاد القمة فسيفعلها النظام السورى .
و المالكى يريد القمة لتقوية نفوذه و تحقيق مكسب شخصى خاصة مع فشله الذريع فى إدارة الدولة ، و الأكراد بقيادة البارزانى يرفضونها كذلك .
أمام هذا الوضع المأزوم يبقى احتمال تصاعد التفجيرات مع اقتراب انعقاد القمة هو الأكثر احتمالا ، مع امكانية نقل القمة إلى بلد آخر فى اللحظات الأخيرة نظرا للظروف الأمنية ، فى حين يصبح من الصعب الخروج بقرارات حاسمة مرضية للشارع العربى ، حيث سينشغل القادة العرب بأن تكون حساب التوازنات و الترضيات هى الغالبة على البيان الختامى للقمة أكثر منها حاسمة فى قضية من القضايا الشائكة التى تمر بها المنطقة .
ـــــــــــــ
 رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات و التنمية