د./ محمد صبحي رضوان
قرأت مقالا للكاتب السعودي حسين شوبكشي في جريدة دولية أشار فيه أن ما يحدث في العالم العربي ماهو إلا فرانشايز الأخوان المسلمين , وأود التعقيب على المقال وتوضيح بعض النقاط التي لها علاقة به .
في البداية الفرانشايز : كلمة فرنسية تعني الامتياز التجاري , وهو أن تعطي الآخرين الحق أن يمثلوك ( في تقديم العمل ) في أماكن محدده وبالشروط والمعايير التي تحددها , وهو نظام يقوم بموجبه صاحب أي عمل ناجح باستثمار وتأجير علامته واسمه إلى المستثمرين الراغبين في التعامل بنفس النشاط ممن ليس لديهم الخبرة , وهنا ضابط مهم هو أنه يجب على المستثمر الالتزام بتطبيق السياسات والإجراءات والإرشادات التي يوفرها له مانح الامتياز .
ونظام الفرانشايز يحقق فائدة كبيرة للمستثمر (المستأجر) حيث يستطيع أن يستثمر أمواله في مشروع أو نشاط تجاري ناجح، وليس بالضرورة أن يكون لديه خبرة فيه، حيث أنه سيعتمد على الخبرات المدونة الناجحة التي سيقدمها له المانح (صاحب الامتياز) وبالتالي فانه يقلل نسبة المخاطرة في استثماراته
وأشير إلى ما يلي :
- دعوة الأخوان المسلمين ليست بدعا من الدعوات ولم تأت على غير موعد مع التاريخ لأنها دعوة رب العالمين وامتدادا لما جاء به النبي الأمين سيدنا محمد ( ص) كما أن أسباب قبولها أكبر بكثير من أسباب رفضها , ولننظر إلى قول الإمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس تحت عنوان ( إسلام الأخوان المسلمين ) : واسمعوا لي أيها الأخوان أن أستخدم هذا التعبير، ولست أعني به أن للإخوان المسلمين إسلاما جديدا غير الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه , ويسترسل في توضيح بعض المفاهيم المغلوطة عن الإسلام عند البعض ويخلص في النهاية إلى : قوله (وهكذا اتصل الإخوان بكتاب الله واستلهموه واسترشدوه فأيقنوا أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل) وقوله (وإلى جانب هذا يعتقد الأخوان أن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها هو كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذان إن تمسكت بهما الأمة فلن تضل أبدا) وفى النهاية يذكر رحمه الله ( وإلى جانب هذا أيضا يعتقد الإخوان المسلمون أن الإسلام كدين عام انتظم كل شؤون الحياة في كل الشعوب والأمم لكل الأعصار والأزمان، جاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة وخصوصا في الأمور الدنيوية البحتة، فهو إنما يضع القواعد الكلية في كل شأن من هذه الشؤون، ويرشد الناس إلى الطريق العملية للتطبيق عليها والسير في حدودها).
ومفهوم الأخوان السابق ليس حكرا عليهم ولا هم أصحاب الامتياز فيه وإنما هو لكل المسلمين الفاهمين لحقيقة هذا الدين .
- الاسلام يمثل الفطرة التي فطر الله الناس عليها ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ..) ويقول (ص):
( كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه) وبالتالي فالإسلام هو مزاج وتوجهات الشعوب العربية كما يحلو للبعض أن يعبروا عنه فهذه الشعوب متدينة بطبعها .
- أخبرنا رب العالمين و بشرنا رسوله الكريم ( ص) بأن الاسلام بمفهومه الصحيح وتطبيقاته السليمة قادم لا محالة وأن المستقبل لهذا الدين لاريب في ذلك وربما ما يحدث في العالم والعربي والاسلامى ماهو إلا إرهاصات ذلك : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونََ) وعنه ( ص) انه قال : "إنَّ اللهَ زوي لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ مُلْك أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَإِنِّي أُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ" ويقول أيضا : (...والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) وأيضا ورد في حديث حذيفة قوله (ص ) : (....ثم تكون خلافة على منهاج النبوة , فتكون ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها , ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها إذ شاء الله أن يرفعها , ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها , ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت ) والأدلة كثيرة في هذا المعنى تؤكد حقيقة مستقبل هذا الدين وما ينتظر أتباعه والمسلمون يدركون ذلك كله .
- الأخوان يمثلون نموذجا إسلاميا من تعرف على حقيقته عن قرب أبدى الاستعداد للعمل من خلاله فدعوة الأخوان : -
أ. تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
ب. وتؤمن انه لا يمكن إصلاح ما فسد من حياة الناس إلا بالعودة الصادقة والصحيحة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
ج. وتدرك أنه لا يمكن الاستغناء عن عامة أفراد الشعب في تحقق المشروع التغييري الكبير فالجماعة وحدها لا تقدر على ذلك .
د. وتدعو إلى كل ما سبق بالحكمة والموعظة الحسنة دون عنف أو إراقة دم .
- تميزت دعوة الإخوان المسلمين منذ نشأتها بخصائص عدة أهمها :
1. ثبات المنهج وربانية القصد أما الخطوات والوسائل والخطاب فكلها متجددة .
2. دقة التنظيم و( تماسك البناء الداخلي ) وسلاسة الإدارة ومرونة التعاطي مع المستجدات .
3. القدرة على استيعاب كل من يبدي استعدادا للعمل معها أيا كان مستواه ومهما كانت إمكاناته وقدراته .
4 - العناية بالتكوين والتدرج في الخطوات .
5 - إيثار الناحية العملية الإنتاجية على الدعاية والإعلانات .
6 - سرعة الانتشار في القرى والبلاد .
7. وأخيرا هي دعوة لا تربي اتباعها على أنهم طراز معصوم أو مثالي ولكن تطلب منهم إحسان القدوة , وإصلاح العيوب, وتكليف النفس ما تستطيع وتوطينها على التحمل , وتهيئة الذهن على كل الاحتمالات .
- عانت الأقطار العربية والإسلامية من حكام أذاقوا شعوبهم ويلات الظلم والاضطهاد والتضييق و محاربة الدين والقضاء على كل مظهر إسلامي ( ابن على ومبارك ليسا ببعيد ) , فكان طبيعيا أن تعود هذه الشعوب إلى أصولها وتفكر في مستقبلها فلما فعلت ذلك لم تجد أمامها إلا الاسلام بكل ما فيه من مفردات تمثل العقيدة السليمة والشريعة السمحة والمعاملة الحسنة والخلق الرفيع والرباط الوثيق والمستقبل المزدهر , خاصة أنها لما جربت غيره ذاقت الحنظل وتجرعت المُر .
من هنا كان لابد أن تنتفض لتعود إلى رحابه وترتمي في أحضانه فكان المشهد الرائع الذي رأيناه في تونس ثم مصر ثم ليبيا فاليمن وفى القريب سوريا وبقية الدول العربية الإسلامية بأذن الله بل كان المشهد الأروع ماثلا في اختيارات الشعوب العربية في الانتخابات التي أجريت وأتت بالإسلاميين .
فهل ما حدث هو حقا فرانشايز الأخوان المسلمين ؟
بعد استعراض ما سبق أترك للقارئ العزيز الإجابة على هذا السؤال .

