د/ محمد صبحي رضوان

من المعلوم أن نظام الحكم الفاسد السابق كان يحاصر الشعب المصري بأربعة أضلاع كلها مجتمعة أدت إلى ماأوصلنا إليه من فقر وجوع ومرض وظلم وإهدار للكرامة , الضلع الأول : ترزية القوانين فهؤلاء كانوا تحت الطلب لإظهار الوجه القانوني للنظام وان بدا رسميا إلا انه قبيح والضلع الثاني كان أصحاب رؤوس الأموال الذين سخروا أموالهم لخدمة النظام مقابل ترك الحبل على الغارب لهم ليزدادوا ثراء فوق ثرائهم حيث كانوا يدعمون أنشطة الحزب الوطني الفاسد ولجنة السياسات وتلميع المؤسسات التابعة للنظام وذلك مقابل العبث بمقدرات الشعب المصري وكيه بلهيب الأسعار دون رحمة أو شفقة ( راجعوا الارتفاع في أسعار حديد عز الذي كان يتزامن مع الانتخابات أو عقد مؤتمرات الحزب الوطني ) والضلع الثالث هو البلطجية وسوف أرجئ الحديث عنهم  لنهاية المقال أما الضلع الرابع فهو جهاز أمن الدولة الذي كان يدير بحنكة الأضلاع الثلاثة السابقة حيث يجبر أصحاب رؤوس الأموال لإنفاقها حسب رؤية الجهاز مع تزامن ذلك بالضغط على ترزية القوانين لصياغة ما يمكنهم هم والنظام من وضع الشعب في ركن ضيق وترك المساحة خالية لهم ولكل من يوالى النظام , أما تعاملهم مع البلطجية فكان بجعلهم تحت الطلب وحسب الرغبة فيخرجونهم من السجون وأقسام الشرطة لأداء ادوار محددة تتمثل في توجيه الانتخابات بالقوة نحو الدفة التي يريدون أو تفريق المظاهرات أو فض الاعتصامات وذلك تحت رعاية الشرطة وبمجرد أداء هذا الدور والقيام بالمطلوب يعودوا أدراجهم مٌكافئين على ذلك . وخلال الأيام الماضية كثر الحديث عن البلطجية والبلطجة واختلط الحابل بالنابل بينهم وبين الثوار الحقيقيون مما دفعني لكتابة هذا المقال علني أقدم فيه روشتة علاج لأمر أصبح للأسف يمثل ظاهرة بل لاأكون مبالغا إذا قلت انه يمثل تحديا أمام الثورة , وفى مواجهة مؤسسات الدولة الرسمية التي تتشكل بدءا بمجلس الشعب الحالي ووجه هذا التحدي هو دور الثورة والثوار في استيعابهم وعلاجهم وانتهاء بالقضاء الكامل على هذه الظاهرة , فهم على حسب التقديرات الرسمية يمثلون ما يقرب من نصف مليون شخص وإذا سلمنا بان كل واحد منهم يعول ويؤثر في ثلاثة على أقل تقدير من عائلته وأقاربه فإننا في النهاية نتعامل مع رقم صعب قوامه مليون ونصف شخص ,  نصف مليون منهم جاهز والمليون الباقي مشاريع بلطجية في  المستقبل وقبل أن أعرض بعض المقترحات للتعامل مع هذه الظاهرة والقضاء عليها أود أن ابدأ بتعريف هذا المصطلح الدخيل علينا ( لأن أصل الاسم تركي ) :  

 

"البلطجة", تتكون من مقطعين: "بلطة" و"جي"؛ أي حامل البلطة، و"البلطة" كما هو معروف أداة للقطع والذبح. ومعناها في الاستخدام الشائع فرض الرأي بالقوة والسيطرة على الآخرين، وإرهابهم والتنكيل بهم
والبلطجة في الاصطلاح تعني استعمال القوة لاستغلال موارد الآخرين بهدف تحقيق مصلحة خاصة
, ويقصد به دخول مندسين من قبل النظام أو السلطة أو موالين لجهة ما  أو منتفعين إلى صفوف المحتجين في الميادين أو المسيرات الشعبية لتفريقهم أو قتلهم أو إيقاع الأذى بهم.

 

أسباب البلطجة :

 

  1. الفقر – الجهل – المرض
  2. البيئة العشوائية
  3. سوء توزيع الثروة في مصر
  4. تحريض أصحاب المصالح ( رؤوس أموال – أمن الدولة – النظم الفاسدة والمستبدة )
  5. طبيعة المجتمع السلطوي
  6. البيئة التربوية السيئة التي ينشأ فيها الطالب بدءا بمبنى مدرسي متهالك وفصول مكتظة بالطلاب وتدريس غير فعال وقواعد مدرسية غير واضحة مع امتداد ذلك حتى الجامعة حيث يٌولد ذلك إحباطا يدفع إلى مشاكل سلوكية تنتهي بالعنف .

 

علاج ظاهرة البلطجة :

 

 

1-        التخلص من أسبابها سالفة الذكر .

 

2-        الوقاية خير من العلاج وتبدأ بالاهتمام بالتنشئة؛ لأن الانحراف الذي يصيب الشخصية يبدأ مبكرا، وإذا حدث فإن علاجه يكون صعبا ومكلفا .

3-        أما إذا ظهرت بوادر للمشكلة فإن بعضا من الحلول الحازمة التي ينبغي اتخاذها في هذا الإطار مثلما تفعل بعض البلدان التي تقوم بوضع هؤلاء المنحرفين بعد تشخيص حالتهم وقبل أن تتعدد الجرائم التي يقومون بارتكابها في أماكن خاصة بها علاج مثل المستشفيات ودور الرعاية الاجتماعية حيث يتم تأهيلهم عن طريق تكليفهم ببعض الأعمال الجماعية والأنشطة التي تفرغ طاقة الغضب لديهم.

4-        - يطرح الإسلام رؤية متميزة في التعامل مع هذه الظاهرة فهو يتعامل مع  مفهوم العنف والعقاب على أنهما مفهومان منفصلان ومختلفان؛ فينبذ العنف، ويدعو إلى الرفق والعطف والتسامح ومقابلة السيئة بالحسنة؛ حيث يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخلق حسن"، وفيما يتعلق بالعنف فالإسلام يرفضه رفضاً قاطعاً .

 

5-        - تجنب أساليب التنشئة الاجتماعية الخاطئة، والتنبؤ المبكر باحتمال السلوك العنيف والعدواني، وتنمية المسئولية الاجتماعية عند الأفراد، والاهتمام بالرياضة (الرياضة البدنية)، وإعادة تأهيل الكبار نحو سلوك حضاري رشيد كي ليكونوا قدوة لغيرهم .

 

6-        لمنع السلوك العنيف عند الصغار علينا أن نبدأ نحن الكبار بأنفسنا وتنشئة أبنائنا على الخلق القويم .

 

7-        توقيع العقاب المناسب، وعدم التباطؤ في تحقيق العدالة وعدم التأخر في مواجهة الحوادث الفردية حتى لا تتزايد وتصبح ظاهرة .

 

ومما لاشك فيه أن كل ما سبق من أدوات ووسائل علاج يقع على عاتق الدولة ممثلة في وزارات ( التربية والتعليم – الشباب – التضامن الاجتماعي – الداخلية ) وأقترح تكامل أدوار هذه الوزارات في مشروع يتبناه مجلس الشعب  للقضاء على هذه الظاهرة , كما يجب ألا نغفل دور منظمات المجتمع المدني وجماعات التيار الإسلامي كل حسب جهده وإمكانياته مع وضع جدول زمني مناسب للقضاء تدريجيا على هذه الظاهرة وتحويل هؤلاء إلى مواطنين صالحين . ونستبعد بالمرة صعوبة ذلك , لأن لنا في الأنبياء والمرسلين القدوة والأسوة الحسنة حيث تمكن سيدنا يوسف عليه السلام من تحقيق نجاح مذهل مع هؤلاء كما تحدثنا سيرته العطرة .