حازم سعيد :
مشهد رائع وحضاري ومهيب ذلك الذي رأيناه أول يومي البرلمان المنتخب الحر الأول لمصر أمس الإثنين واليوم الثلاثاء ، جموع ملايينية للمصريين تشاهد برلمانها الأول على الهواء مباشرة بعد سنين حرمان من الحرية ومن التعبير عن الرأي ومن الكبت ومن التعتيم ، وبعد أن كنا نغلق التلفاز المصري بمجرد مشاهدة منظر لجلسات مجلس الشعب ، الآن لا نريد أن نغير المحطة ، بل ونعطل أشغالنا لنشاهد ونستمتع ... فيا سبحان الله ..
أكتب لكم في هذا المقال - أحبائي وأعزائي - بعض تأملات أول يومين برلمان .. والذي قدر الله أن يكونا في عيد الثورة الأول .. ولله الفضل والمنة :
أولاً : سبقني القلم فأوردت أول خاطرة بعنوان المقال ومقدمته عن المشاهدة الجماعية الغالبة من المصريين لجلسة المجلس الأولى والثانية حتى أن التعليقات انتشرت على الفيس بوك بالصور والطرف التي تتنادر عن أن مجلس الشعب فاق في مشاهدته مباريات الكرة المصرية ، لدرجة أن المار يسأل أخاه : هي مصر بتلاعب مين ؟
ودلالة ذلك على حالة الثقة التي انتابت المصريين في هذا المجلس ، وكذلك حالة الترقب بانعكاساتها الحذرة والمتفائلة فى غدٍ مشرق على يد هؤلاء النواب الجدد وأن المصريين يأملون تغييراً جذرياً حقيقياً على يد هؤلاء النواب .
وهنا ينبغي أن يفهم هؤلاء النواب الأفاضل أن الموضوع ليس بالكلام ، وإنما بالعمل من خلال ممارسة أدوار المجلس الحقيقية بصورة فعالة من خلال أجندة تشريعية رقابية واضحة ، ومن خلال لجان فعالة ، ومن خلال نواب يفهمون حقيقة دورهم بعيداً عن الشو الإعلامي وسيل الكلام المكرر فقط لإثبات أنى تكلمت .
نريد خطة واضحة للتشريع ، وممارسة حقيقية واجتهاد ونصيحة للمصريين فى كل كلمة توضع فى قانون أو دستور ، وإطار تشريعي واضح يعالج مشاكل الأمن والصحة والتعليم والعيشة الكريمة للمصريين وفق برامج الأحزاب التى نجحت وفازت بثقة الناخبين ، لا نريد متكلمين ، بل نريد مفكرين وفاعلين .
وأحذر من استغراق النواب فى تكرار آرائهم والإكثار من الكلام بسبب الكاميرات والقنوات التى تقوم بالبث المباشر ، وليكن الهدف الحقيقي هو مصلحة مصر والمصريين ، وليصحبهم التجرد والإخلاص حتى يحالفهم التوفيق .
ثانياً : سبحان المعز المذل ، و " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير ، إنك على كل شئ قدير " ، هي الحكمة المعبرة وأنت ترى الدكتور الكتاتني وهو يجلس على هذا الكرسي الذى طالما تربع عليه سرور ، وذلك كله من بعد قهر وسجن واعتقال وتغريب ، ليمكن الله لهذا الفاضل المحترم الدكتور الكتاتني بهذا المكان ... وهي آية من آيات الله ، ينبغى أن تكون عبرة وعظة للإخوان وللسلفيين أنفسهم قبل أي أحد آخر لا يتبنى الأجندة الإسلامية ، مصداقاً لقول الله عز وجل " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ، ونمكن لهم فى الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " الآيات من سورة القصص .
لأن ما فيها من البلاء أكثر ، ولا أستريح للتعامل مع هذا الحدث – خارج إطار أنه آية من آيات الله سبحانه للعبرة والعظة والعمل – وهو ليس تمكيناً ، بل ينطبق عليه ما في هذه الآيات الكريمات من حوار بين موسى عليه السلام وقومه فى وصف حالة الاستضعاف التي عانوا منها على يد فرعون فرعون :
" قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ، قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " الآيات من سورة الأعراف .
فهو ابتلاء ينبغى أن نري الله منا فيه خيراً ، وأن تتشكل نفسياتنا بهذا الإطار ، فلا نستعلي ولا نتكبر ولا نفرح ، بل نحذر ونخلص ونعمل ، لعل الله سبحانه يرضى عنا ، حيث هو الغاية – سبحانه - .
ثالثاً : حرص الإخوان على التوافق مع القوى الوطنية ، وظهور ذلك في شبه الإجماع على منصب رئيس المجلس للدكتور الكتاتني ومنصبي الوكيل لثابت ( النور ) وداوود ( الوفد ) ، وكذلك عدالة توزيع الكلمات في اليوم الثاني وصيغة الاحترام الهائلة التي أدار بها الدكتور الكتاتني كلمات المجلس ، وكلمة الدكتور الكتاتني الأولي بهذا المجلس وهو على مقعد الرئيس ، وهي الكلمة المسئولة التي تعبر عن إحساس بالمسئولية والتوافق وعدم الإقصاء وحمل الهم والعبء الثقيل ، أيضاً كلمتا داوود وثابت تعبران عن نضج كليهما وحالة الوفاق الوطني الهائلة التي يتمتع بها هذا المجلس ، كل هذه المؤشرات والظواهر تعكس حالة توافق إيجابي مبشر بهذا المجلس .
رابعاً : سادت حالة ارتياح هائلة بين المصريين بعد مناقشات اليوم الأول وكم الاقتراحات الفعالة التي نطق بها النواب ، وتخصيص أول جلسة لتكريم الشهداء والقصاص لهم ومحاكمة المسئولين وتكريم وتعويض ذويهم ، وأغلبها اقتراحات وآراء معبرة خرجت من أفواه قوم عمليين ، وتبشر بخير إن شاء الله ، وكذلك حسن إدارة الدكتور الكتاتني للجلسات وتوفيق الله سبحانه له فى أغلب المواقف ، ويأتي على رأس الكلمات الموفقة المؤثرة كلمة الدكتور أكرم الشاعر الذى أبكانا وأبكى المجلس ورئيسه ، ومن بعده كلمات النواب مصطفى محمد وعمرو حمزاوي وأشرف ثابت وكثير غيرهم ..
خامساً : لا يقدح في هذه الحالة الرائعة من الارتياح سوء موقف الكتلة المصرية والثورة مستمرة وغيرهم من الأحزاب التي تريد وتصر على التعالي ( لماذا ؟ وبأي أمارة ؟ لا أعرف ) ويتصورون أن الإخوان بعد هذه الأغلبية التى حاذوها والتوافق الذي حدث مع الأحزاب الوطنية ، تصور هؤلاء أن بإمكانهم فرض وصايتهم وأجنداتهم الخاصة على الإخوان ويريدون أن يتعاملوا مع الإخوان على أن الإخوان هم الأقلية .
ولا يستغرب ( الهرتلة ) الكلامية على الفضائيات الخاصة التي يصر عليها أمثال أبو العز الحريري ومحمد الحامد ( تلميذ ساويرس المدلل ، الذي آتاه الله ذكراً فنسيه وانسلخ منه بعد تلمذته على ساويرس ) ، فهؤلاء مهما فعلت وقدمت لتثبت لهم حرصك على التوافق فلن يرضوا ، ورضاهم من الأساس غاية لا ترتجى ، وهؤلاء أيضاً لا تتوقع منهم ولا من الفضائيات التي تستضيفهم سوى أن يخرجوا هذا الزبد لأنهم قوم صدمتهم النتائج ، ثم صدمهم الأداء التوافقي المذهل الذي قدمه الإخوان ومن توافق معهم مثل حزب النور وآخرين فخرجوا كالموتورين الذين لا يؤاخذون بما يقولون ...
لقد تصوروا أنهم يمكن – بأقليتهم – أن يفرضوا أجندتهم الخاصة على الإخوان ، فانسحب هؤلاء – بقلة ذوق شديدة – من كلمة الدكتور الكتاتني وكلمات وكيلي المجلس ، وأخذ الحريري والحامد يتبادلون الأدوار على الفضائيات شتماً وسباً للإخوان وأنهم الحزب الوطني الجديد لأن اختيارات اللجان - التي من حق توافق الأغلبية ( الحرية والعدالة والنور ومن توافق معهم ) أن يكون لهم النصيب الأكبر بمقاييس العقل والمنطق والواقع - لم تعجبهم .
سادساً : الالتزام السلوكى الفائق الذى ظهر على نواب الإخوان أثناء القسم وما بعده ، بخلاف كل من سواهم من شباب الثورة المتعجلين والذين أخذوا يزيدون فى القسم " وأن أرعى الثورة أو أكون وفياً للشهداء ... الخ " ، أو من بعض أحبابنا السلفيين الذين صمموا وأصروا على إضافة ضابط أو قيد " فيما لا يخالف شرع الله " .
هذا الالتزام السلوكي يعكس خبرات الإخوان وانضباطهم ، وإلمامهم الكامل بما هم مقدمون عليه ، ولى تحفظ على هذه الإضافات سواءاً عن رعاية الثورة أو عن القيد الذى أضيف ، وهو تحفظ شكلي وليس موضوعى .
فبخصوص الإضافة الثورجية ، فهناك فارق بين شاب ثائر يهتف فى ميدان ، وبين نائب أمة ملتزم منضبط يرعى مصالح هذه الأمة بعقلانية منضبطة ، لا بهتافات متعجلة ، والعبرة بمضمون ما جاءت الثورة لتحقيقه وليس بالثورة نفسها .
وأما قيد " فيما لا يخالف شرع الله " ، فمن قال يا أيها الأفاضل أن برلماناً تحكمه أغلبية من الحرية والعدالة والنور يمكن أن يشرع ما يخالف شرع الله ، والعبرة هنا ليس بألفاظ وتعبيرات تعبر عن عقيدتى وفكرى ومنهجى ، لكن العبرة بالفعل والعمل والتشريع الصادر ، وهذا هو ما يظهر فى سلوك الإخوان الراقى الذى عبر عن الخبرة والتجربة وتفاعل معه الشارع وأشاد به فى استقراءات ونقاشات ، وبدت آثاره فى تدوينات الفيس بوك وفى الإشادات الإعلامية المتنوعة .
سابعاً : مثلما فعل البرلمان في أولى جلساته بأن خصصها للشهداء ومناقشة حقوقهم هم ومصابي الثورة وكيفية القصاص لهم وتكريمهم وتعويض ذويهم ، وكما فعل الرائع الأستاذ الدكتور محمود السقا أكبر الأعضاء سناً والذي ختم كلمته بأبيات العظيم الراحل هاشم الرفاعي – عليه رحمة الله وتقبله فى الشهداء – تخليداً لدم الشهداء ..
أستن بهذه السنة الحسنة للسقا وأختم تأملاتي السريعة المختصرة بتذكر هؤلاء الشهداء الأبرار ومنهم حفاظ كتاب الله الكريم ، ومنهم من لم يخرج من بيته إلا بنية الجهاد فى سبيل الله بأعظم الجهاد ( كلمة حق عند سلطان جائر ) و ( رجل قام إلى إمام جائر فقومه فقتله ) ، ومنهم من لم يستشهد إلا وهو متوضئ حافظ لكتاب الله الكريم وبالقراءات ، ومنهم من لم يستشهد إلا وهو متوضئ مصلي ... فرحمكم الله أيها الشهداء ، الذين لولاكم بعد الله سبحانه ما كان لنا أن تقر أعيننا بهذا المجلس وهذه المناقشات وهذه الحرية التي ننعم بها ، وها نحن ذا نبدأ فى قطف أول ثمرات دمائكم ..
أختم تكريماً لكم – أنا الآخر بعد الدكتور السقا – بقصيدة هاشم الرفاعى – رحمه الله - ( رسالة فى ليلة التنفيذ ) كاملةً ، إهداءاً لكم واعترافاً بجميلكم :
أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني ... والحبلُ والجلادُ ينتظراني
هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ ... مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ
لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها ... وأُحِسُّ أنَّ ظلامَها أكفاني
سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في ... هذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني
الليلُ مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ ... والذكرياتُ تَمورُ في وِجْداني
وَيَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي ... في بِضْعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ
والنَّفْسُ بينَ جوانِحي شفَّافةٌ ... دَبَّ الخُشوعُ بها فَهَزَّ كَياني
قَدْ عِشْتُ أُومِنُ بالإلهِ ولم أَذُقْ ... إلاَّ أخيراً لذَّةَ الإيمانِ
شكرا لهم أنا لا أريد طعامهم ... فليرفعوه فلست بالجوعان
هذا الطعام المر ما صنعته لي ... أمي و لا وضعوه فوق خوان
كلا و لم يشهده - يا أبتي - معي ... أخوان جاءاه يستبقان
مدوا إلي به يدا مصبوغة ... بدمي و هذه غاية الإحسان !
والصَّمتُ يقطعُهُ رَنينُ سَلاسِلٍ ... عَبَثَتْ بِهِنَّ أَصابعُ السَّجَّانِ
ما بَيْنَ آوِنةٍ تَمُرُّ وأختها ... يرنو إليَّ بمقلتيْ شيطانِ
مِنْ كُوَّةٍ بِالبابِ يَرْقُبُ صَيْدَهُ ... وَيَعُودُ في أَمْنٍ إلى الدَّوَرَانِ
أَنا لا أُحِسُّ بِأيِّ حِقْدٍ نَحْوَهُ ... ماذا جَنَي فَتَمَسُّه أَضْغاني
هُوَ طيِّبُ الأخلاقِ مثلُكَ يا أبي ... لم يَبْدُ في ظَمَأٍ إلى العُدوانِ
لكنَّهُ إِنْ نامَ عَنِّي لَحظةً ... ذاقَ العَيالُ مَرارةَ الحِرْمانِ
فلَرُبَّما - وهُوَ المُرَوِّعُ سحنةً - ... لو كانَ مِثْلي شاعراً لَرَثاني
أوْ عادَ - مَنْ يدري ؟ - إلى أولادِهِ ... يَوماً تَذكَّرَ صُورتي فَبكاني
وَعلى الجِدارِ الصُّلبِ نافذةٌ بها ... معنى الحياةِ غليظةُ القُضْبانِ
قَدْ طالَما شارَفْتُها مُتَأَمِّلاً ... في الثَّائرينَ على الأسى اليَقْظانِ
فَأَرَى وُجوماً كالضَّبابِ مُصَوِّراً ... ما في قُلوبِ النَّاسِ مِنْ غَلَيانِ
نَفْسُ الشُّعورِ لَدى الجميعِ وَإِنْ هُمُو ... كَتموا وكانَ المَوْتُ في إِعْلاني
وَيدورُ هَمْسٌ في الجَوانِحِ : ما الَّذي ... بِالثَّوْرَةِ الحَمْقاءِ قَدْ أَغْراني؟
أَوَ لَمْ يَكُنْ خَيْراً لِنفسي أَنْ أُرَى ... مثلَ الجُموعِ أَسيرُ في إِذْعانِ؟!
ما ضَرَّني لَوْ قَدْ سَكَتُّ وَكُلَّما ... غَلَبَ الأسى بالَغْتُ في الكِتْمانِ؟
هذا دَمِي سَيَسِيلُ يَجْرِي مُطْفِئاً ... ما ثارَ في جَنْبَيَّ مِنْ نِيرانِ
وَفؤاديَ المَوَّارُ في نَبَضاتِهِ ... سَيَكُفُّ في غَدِهِ عَنِ الْخَفَقانِ
وَالظُّلْمُ باقٍ لَنْ يُحَطِّمَ قَيْدَهُ ... مَوْتي وَلَنْ يُودِي بِهِ قُرْباني
وَيَسيرُ رَكْبُ الْبَغْيِ لَيْسَ يَضِيرُهُ ... شاةٌ إِذا اْجْتُثَّتْ مِنَ القِطْعانِ
هذا حَديثُ النَّفْسِ حينَ تَشُفُّ عَنْ ... بَشَرِيَّتي وَتَمُورُ بَعْدَ ثَوانِ
وتقُولُ لي إنَّ الحَياةَ لِغايَةٍ ... أَسْمَى مِنَ التَّصْفيقِ ِللطُّغْيانِ
أَنْفاسُكَ الحَرَّى وَإِنْ هِيَ أُخمِدَتْ ... سَتَظَلُّ تَعْمُرُ أُفْقَهُمْ بِدُخانِ
وقُروحُ جِسْمِكَ وَهُوَ تَحْتَ سِياطِهِمْ ... قَسَماتُ صُبْحٍ يَتَّقِيهِ الْجاني
دَمْعُ السَّجينِ هُناكَ في أَغْلالِهِ ... وَدَمُ الشَّهيدِ هُنَا سَيَلْتَقِيانِ
حَتَّى إِذا ما أُفْعِمَتْ بِهِما الرُّبا ... لم يَبْقَ غَيْرُ تَمَرُّدِ الفَيَضانِ
ومَنِ الْعَواصِفِ مَا يَكُونُ هُبُوبُهَا ... بَعْدَ الْهُدوءِ وَرَاحَةِ الرُّبَّانِ
إِنَّ اْحْتِدامَ النَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى ... أَمْرٌ يُثيرُ حَفِيظَةَ الْبُرْكانِ
وتتابُعُ القَطَراتِ يَنْزِلُ بَعْدَهُ ... سَيْلٌ يَليهِ تَدَفُّقُ الطُّوفانِ
فَيَمُوجُ يقتلِعُ الطُّغاةَ مُزَمْجِراً ... أقْوى مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالسُّلْطانِ
أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي ؟ ... أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟
أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنا ... مُتآمِراً أَمْ هَادِمَ الأَوْثانِ؟
كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي ... كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني
لَوْ لَمْ أَكُنْ في ثَوْرَتي مُتَطَلِّباً ... غَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لَكَفاني
أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ .. لا ... إِرْهابَ .. لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسانِ
فَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي ... يَغْلي دَمُ الأَحْرارِ في شِرياني
أَبَتاهُ إِنْ طَلَعَ الصَّباحُ عَلَى الدُّني ... وَأَضاءَ نُورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَكانِ
وَاسْتَقْبَلُ الْعُصْفُورُ بَيْنَ غُصُونِهِ ... يَوْماً جَديداً مُشْرِقَ الأَلْوانِ
وَسَمِعْتَ أَنْغامَ التَّفاؤلِ ثَرَّةً ... تَجْري عَلَى فَمِ بائِعِ الأَلبانِ
وَأتى يَدُقُّ- كما تَعَوَّدَ - بابَنا ... سَيَدُقُّ بابَ السِّجْنِ جَلاَّدانِ
وَأَكُونُ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مُتَأَرْجِحَاً ... في الْحَبْلِ مَشْدُوداً إِلى العِيدانِ
لِيَكُنْ عَزاؤكَ أَنَّ هَذا الْحَبْلَ ما ... صَنَعَتْهُ في هِذي الرُّبوعِ يَدانِ
نَسَجُوهُ في بَلَدٍ يَشُعُّ حَضَارَةً ... وَتُضاءُ مِنْهُ مَشاعِلُ الْعِرفانِ
أَوْ هَكذا زَعَمُوا ! وَجِيءَ بِهِ إلى ... بَلَدي الْجَريحِ عَلَى يَدِ الأَعْوانِ
أَنا لا أُرِيدُكَ أَنْ تَعيشَ مُحَطَّماً ... في زَحْمَةِ الآلامِ وَالأَشْجانِ
إِنَّ ابْنَكَ المَصْفُودَ في أَغْلالِهِ ... قَدْ سِيقَ نَحْوَ الْمَوْتِ غَيْرَ مُدانِ
فَاذْكُرْ حِكاياتٍ بِأَيَّامِ الصِّبا ... قَدْ قُلْتَها لي عَنْ هَوى الأوْطانِ
وَإذا سَمْعْتَ نَحِيبَ أُمِّيَ في الدُّجى ... تَبْكي شَباباً ضاعَ في الرَّيْعانِ
وتُكَتِّمُ الحَسراتِ في أَعْماقِها ... أَلَمَاً تُوارِيهِ عَنِ الجِيرانِ
فَاطْلُبْ إِليها الصَّفْحَ عَنِّي إِنَّني ... لا أَبْتَغي مِنَها سِوى الغُفْرانِ
مازَالَ في سَمْعي رَنينُ حَديثِها ... وَمقالِها في رَحْمَةٍ وَحنانِ
" أَبُنَيَّ: إنِّي قد غَدَوْتُ عليلةً ... لم يبقَ لي جَلَدٌ عَلى الأَحْزانِ "
" فَأَذِقْ فُؤادِيَ فَرْحَةً بِالْبَحْثِ عَنْ ... بِنْتِ الحَلالِ , وَدَعْكَ مِنْ عِصْياني "
كانَتْ لها أُمْنِيَةً رَيَّانَةً ... يا حُسْنَ آمالٍ لَها وَأَماني
وَالآنَ لا أَدْري بِأَيِّ جَوانِحٍ ... سَتَبيتُ بَعْدي أَمْ بِأَيِّ جِنانِ ؟!
هذا الذي سَطَرْتُهُ لكَ يا أبي ... بَعْضُ الذي يَجْري بِفِكْرٍ عانِ
لكنْ إذا انْتَصَرَ الضِّياءُ وَمُزِّقَتْ ... بَيَدِ الْجُموعِ شَريعةُ القُرْصانِ
فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبِرُ هِمَّتي ... مَنْ كانَ في بَلَدي حَليفَ هَوانِ
وَإلى لِقاءٍ تَحْتَ ظِلِّ عَدالَةٍ ... قُدْسِيَّةِ الأَحْكامِ والمِيزانِ
----------
انظر كيف يخترع محمد الحامد - تلميذ ساويرس النجيب آيات وينسبها للقرآن ، وهو من كان يقال عنه أنه معه قراءات أو إجازات ، ثم تتلمذ على يد ساويرس فانظر كيف نسي القرآن أو نزع منه القرآن :
http://www.youtube.com/watch?v=1xyC21_1ThQ
رابط لأحمد المسلماني يشيد بسلوك الإخوان الراقى فى جلسات المجلس :
http://www.youtube.com/watch?v=r949VxJX0po

