م / خالد البلتاجي
رأيت الكثير من اخوانى ينتابهم قلق وشعور بالتناقض الداخلى كلما سلكت الجماعة فى موقف ما مسلكاَ تتحفظ عليه بعض شرائح المجتمع ، لاسيما إن كان للاخ نفسه رأى مخالف تجاه هذا المسلك غير أنه ملتزم بما انتهت إليه الجماعة من قرار ، وعليه فهو مطالب بالسعى لجلب التأييد للجماعة فى هذا الموقف .
وهذه المقالة هى محاولة لتقعيد قاعدة للتعامل مع تلك الحالة التى تكررت وستتكرر كثيراَ فى العصر الجديد ، وقد كان آخرها بعض التحالفات الانتخابية مع اشخاص تحفظ عليهم الكثيرون داخل وخارج الجماعة :

(شتان بين دعوة الناس إلى طريق الله والالتزام بدينه وبين اقناعهم بالمواقف السياسية للجماعة التى تحمل الدعوة ) : إن الفارق بين الاثنين كبير ينبغى علينا أن ندركه جيداً ، وأن نرى بوضوح الحدود الفاصلة بينهما ، فى الوقت الذى نتبناهما ونتحرك فيهما معا ...
 فالأول هوانحياز إلى الحق الإلهى الذى لايخطئ ، أما الثانى فهو عرض لاجتهادات نصيب فيها ونخطئ كسائر البشر.
الأول لايحتمل أية تنازلات أو انصاف حلول ، أما الثانى فيحتمل كل ذلك لو تبين لنا صحة الرأى المخالف .
الأول نمضى فيه بكل إصرار ودون أدنى تردد ، أما الثانى فنرجو من الله أن يوفقنا فيه إلى الصواب ونطلب فيه النصح من غيرنا ، وعليه فهو عرضة للتغيير والتعديل والالغاء بل والاعتذار لو صدر عنا اجتهاد غير مصيب ، وإلا فهو تعصب مذموم لايصح مع حملة الدعوة .
الأول هو رسالتنا وهدفنا وطريقنا الذى لارجعة عنه ، وأن كلفنا النفس والنفيس ولايوجد بيننا من له نظر فيه ، أما الثانى ففيه نظر ومناقشات وتناصح ومراجعات .
الأول هو محور علاقاتنا مع الآخرين وعلى أساسه تتكون صداقاتنا وعداواتنا ، اما الثانى فاختلافنا فيه مع غيرنا لايفسد للود قضية ويندرج تحت ما اوصى به امامنا "يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه".
الأول دين ، والثانى مجرد قرار .
الأول حق ، والثانى مجرد رأى .
الأول هدف ثابت ، والثانى ليس الا وسيلة تتغير زمانا ومكانا وشخصا .
على اساس هذه القاعدة ..
ينبغى ان يكون آداؤنا ونحن نسعى فى اقناع الناس بمواقف الجماعة ، وليكن القاسم المشترك فى حواراتنا مع الآخرين :
(أننا قد اجتهدنا ونرجو من الله اجراً إن اخطأنا وأجرين إن اصبنا ) ليتسم حوارنا مع الآخرين بالهدوء وسعة الصدر والتواضع والانصات لآرائهم ، والحرص على استمرار الود وان اختلفنا معهم ، حتى اولئك الذين ينالون منا بافظع الصفات كلما اختلفنا معهم لاينبغى ان نحاورهم الا بالحسنى ، ومااروع تعبيرالامام البنا (كونوا مع الناس كالشجر يرمونه بالحجر فيرميهم بالثمر) ، ومن مقولاته أيضاً رحمه الله : (ستسمعون أن هيئة من الهيئات تتحدث عنكم، فإن كان الحديث خيرًا فاشكروا لها في أنفسكم ، ولا يخدعنكم ذلك عن حقيقتكم ، وإن كان غير ذلك فالتمسوا لها المعاذير ، وانتظروا حتى يكشف الزمن الحقائق ، ولا تقابلوا هذا الذنب بذنب مثله ، ولا يشغلنكم الرد عليهم عن الجد فيما أخذتم أنفسكم بسبيله)

كم يزعجنى أن أرى بعض اخوانى يغالون فى الدفاع عن مواقف الجماعة والرد على الآخرين لدرجة تتجاوز اخلاق الداعية ، فيتورطون مع غيرنا فى مشاجرات ممزقة وتجريح لايليق وتصيد اخطاء وفضح للعيوب وسخرية وعدم انصات ورفض للنصيحة .
لتنتذكر اخوانى دائما الى اى شئ ندعوا الناس؟ فنحن ندعوا الى الاسلام الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، اما المواقف السياسية التى ننتهجها فى كل معضلة تقابلنا فهى اجتهادات نطرحها على الناس ونحاول اقناعهم بها دون تعصب ، فان اتفقوا معنا فذلك خير ، وان خالفونا فذلك حقهم ، ولازالت بيننا وبينهم مساحات واسعة من التفاهم والود والسير بهم الى طريق الدعوة .
أرجوكم اخوانى الاحباب حاولوا قدر الامكان الا تخسروا احدا بسبب المعارك السياسية الضيقة ، لان المعركة الام تحتاجنا جميعا ، معركة البناء لهذا البلد الذى هو القائد المنتظر للسير بالامة الى الامام واستعادة مجدها الضائع .
ارجوكم لاتنفقوا الكثير من علاقاتكم من اجل مكاسب محدودة ومواقف عابرة ، وادخروها لما هو قادم ، تذكروا أن ماحدث ومايحدث لايعدو أن يكون البداية ، ولازال أمامنا طريق طويل .