حازم سعيد :
لا شك أن المشاركة السلفية الأولى في الانتخابات أثمرت تحركاً وحيوية ، واقتضت أن يكون السلفيون مثار حديث الداخل والخارج ، الإسلامي والعلماني ، المتعاطف والمتحامل ، الإعلام ورجل الشارع ..
وهى المشاركة التي احتوت زخماً لفت نظر المهتمين ، ومنهم صاحب هذا القلم الذي أفرد لهم ولمشاركتهم مجموعة من المقالات بين تطوافة حول الموضوع إلى نقد إلى نصيحة ..
وكلما كتبت مقالاً في الموضوع يحدث بعده من الأمور ما يجعلني أعتقد أنه يستأهل الكتابة تأييداً وإشادة ، أو نقداً ونصحاً ، وكلا الأمرين يعكس ما أحدثه السلفيون من زخم محمود في الحياة المصرية .
أما النقد والنصح فلعله يكون في المقالة القادمة ، لما يحتاجه الصف السلفي النقي من علاج لملاحظات أظهرتها مجموعة الأحداث الأخيرة والتي على رأسها ممارسات الجولة الثالثة من الانتخابات البرلمانية ، وأيضاً حالة التربص الرهيبة بالدكتور مرسى واصطياد كلمات لا يظن عاقل أنه يعنيها أبداً – وهو من هو – جهاداً وسجناً واعتقالاً وتضحية من أجل إعلاء شرع الله ، ومن أجل أن يتحقق شعار " الإسلام هو الحل " في واقع الحياة ، ليأتي من يتهمه بأنه لا يفرق بين العقيدة الإسلامية والمسيحية ، ويقتطع كلاماً عاماً من سياقه ليبرز هذا الفهم السقيم ... فهذه كلها سواءاً الممارسات الانتخابية أوحالة فقه التربص والترصد سيكون لها مقالُ آخر إن شاء الله ..
وأما هذا المقال فيتناول نقطتين أبرزتهما الانتخابات بكل جولاتها ..
أولهما : العطاء المخلص الشديد من جانب السلفيين في الانتخابات ، وهو حق طبيعي لفصيل إسلامي وطني مخلص ، شارك في الانتخابات لأول مرة فحقق نتائج مبهرة بالنسبة للمشاركة الأولى ، ساعده عليها حالة الديمقراطية الرائعة التي عاشتها مصر أثناء هذه الانتخابات ، وحماية الجيش الواضحة لاختيارات الشعب ، وعدم اللعب في الصناديق ولا في نتائج الانتخابات .
ولقد شمل العطاء من جانب السلفيين الاستفادة من الخبرات التراكمية لمن سبقهم – وهي ميزة – فتراهم نوعوا من الوسائل الدعائية بمختلف أنواعها ، وكل الأفكار والابتكارات استطاعوا نقلها بسهولة وطبقوها على أرض الواقع بجرأة وإخلاص ومداومة ومثابرة .
كما نجح السلفيون في الوصول لرجل الشارع وللأمي ولمن لا يجيد حتى القراءة والكتابة ، كل بقدره وبالخطاب الذي يستطيع فهمه ، ونجحت عندهم حملات طرق البيوت والأبواب .
وأظهرت الانتخابات كثافة الشريحة الشبابية لدى السلفيين ، وذوي الأعمار الصغيرة الذين اقتنعوا بالفكرة وأيدوها وعملوا على نشرها ، فترى معدلات هؤلاء رقمياً أكثر بكثير عن مثيلتها بنظرائهم .
أيضاً .. تواجد المرأة القوي أثناء الدعاية الانتخابية ، يظهر مرونة في الموقف السلفي الفقهي من المرأة ، ويثبت قدرات النساء السلفيات على ممارسة العمل العام ، بل وجرأتهن في ذلك ، تمثل ذلك في التواجد بقوة أمام اللجان أو بحملات طرق البيوت والأبواب ، مع التواجد في بعض المسيرات السلفية – رغم ندرتها - .
ثانياً : تكرار وترديد كثيراً من المخالفات السلفية على لسان صفوف الإخوان والتعامل معها على أنها حقائق وتعميمها على كل الشريحة السلفية ينطوي على عدة مشاكل :
1. أولاً هو يعكس روح المنافسة السيئة ، وهذه لها مظاهرها العديدة ، أبرزها ضيق البعض من أي كلمة إنصاف في حق السلفيين مهما كان صاحبها محقاً ، وهذه – للحق - لها أخواتها عند السلفيين سواءاً من ترديد وتكرار الاتهامات أو من المواقف العملية التي من أبسطها ما رأيته بعيني رأسي من رد فعل عفوي من بعض السلفيين الذين كانوا بإحدى لجان الفرز التي تمكنت من دخولها ، حين أعلن القاضي نتيجة الفرز فأظهر تقدماً هائلاً للنور الذي أعلنوا نتيجته أولاً ، فما نطقوا ببنت شفة ، ونطق القاضي بأرقام غيرها من الأحزاب حوالي ستة أو سبعة كلهم أقل بفروق شاسعة عن السلفيين وهم أيضاً صامتون ، ثم ما لبث أن أعلن أرقام الحرية والعدالة التي ظهر أنها أقل من النور ببضعة آلاف - لا تغير من حصة كراسي كل فريق فى شئ - فإذا بأنصار النور يكبرون ويهللون ويحتضنون بعضهم البعض ، وكأنها مباراة كرة قدم بينهم وبين الحرية والعدالة في فرحة عجيبة جداً ، ليس لكم الأصوات التي حصلوا عليها ، وإنما لتفوقهم على حزب الحرية والعدالة ، في صورة تجلي وبوضوح الروح التنافسية التي غرزت في أنصار كلا الجانبين .
2. ثم إن هذا الترديد والتكرار والتعويل على مخالفات النور يشغلك عن دورك أنت ، ويعكس عدم اعتراف منك بتقصيرك في الوصول لشرائح نجحوا في الوصول لها ، مع أن الذي تربينا عليه في الإخوان هو ألا ننشغل بغيرنا ، وأن المهم هو أن نؤدي نحن ، فهذا يعكس خللاً في منظومتنا الفكرية جعلنا ننشغل بغيرنا ونلقي عليه بشماعة تقصيرنا في أداء دورنا وإلقاء شماعتنا على خداع النور للبسطاء وأن هذا هو سبب تفوقهم أو قدرتهم على السبق في أماكن بعينها .
3. كذلك فإن هذا التبرير والتكرار للتهم يوقعنا في ذات الخطأ الذي وقع فيه من أقصانا من قبل وهو هنا متمثل في عنصرين :
أولهما : ما يردده البعض عن مصادر تمويل الدعاية السلفية والرمي بالظنون في هذه المسألة من نوعية أن دولة خليجية تقف بقوة وراء السلفيين لمقاومة المد الإخواني ، والخطأ في هذا الكلام واضح ويتمثل في عدة نقاط منها أنه رمي بالظنون وبلا دليل أو برهان ، ثانيها أنه من المعلوم الآن أن للسلفيين معالم لهيكل ونظام قلدوا فيه اللائحة الإخوانية والتي منها أن عضو التنظيم يدفع من حر ماله للإنفاق على هذا التنظيم ، وآخرها ما أعلمه شخصياً أن كثيراً من الوحدات الحزبية للنور ألزمت رجال مال وأعمال سلفيين بتحصيل زكاة أموالهم مقدماً لمدة ثلاثة أعوامٍ لضرورة الانتخابات ( وإن كنت شخصياً غير مقتنع بتأصيلهم الفقهي وراء ذلك ، وأرى أن الأمر فيه تجوز وترخص فقهي شديد ، وهم الذين يعيبون على الإخوان ما يقولون أنه تجوز في أمور فقهية أخرى ) .
فهذه المصادر المعلومة للتمويل تقوم كرد قوي وبرهان أمام الاتهامات المرسلة التي أحذر إخواني المنصفين أن يقعوا فيها ، لأنها ذاتها التي رمانها بها الظالمون من قبل .
ثانيهما : اتهام المصريين بقلة العقل والانخداع بالخطاب العاطفي أو الجهل ، وهو هو نفس الاتهام الذي طالما صدعنا به العلمانيون من قبل هم والنظام الفاسد ، وكثيراً جداً ما رموا به المصريين عن قوس واحدة ، ذلك أنا حين نتهم المصريين بأنهم انخدعوا بمن وقف أمام اللجان وقال أن رمز حزب الحرية والعدالة هو الفانوس ، أو أن المرشح الفلاني التابع لحزب الحرية والعدالة – نظراً لشهرته وشعبيته – هو مرشح النور ، كأننا نلصق بهم تهمة الجهل والتخلف ..
كما يظهر ذلك بجلاء أكثر حين نتهم أنصار حزب النور بأنهم خاطبوا العامة بخطاب عاطفي دغدغ مشاعرهم الدينية ، وأنهم قالوا أن النور هو الذي سيطبق الشريعة ، وأن غيرهم ( الإخوان ) تحالف مع الليبراليين والعلمانيين ولن يتبنوا الشريعة ، وأن الناس انخدعوا بهذا الخطاب العاطفي ..
مجرد اقتناعنا أن المصريين بهذه السذاجة والبساطة وأن نتيجة التصويت يمكن أن تتغير بذلك ، هو عين ما كرهناه من العلمانيين ومن رموز وطبالي النظام السابق حين اتهمونا بدغدغة مشاعر الناس بالخطاب الوعظي العاطفي ، وأننا نخدع المصريين وأنهم ينخدعون لنا في اتهام واضح وبين للمصريين بالعجز والفشل والتخلف .
وقديماً قالوا : لا تنه عن خلق وتأتي مثله ، إن من جرب الظلم وعرف طعمه لا ينبغي أن يقع فيه .
أنا هنا لا أنفي أبداً وقوع عديد من القواعد السلفية في مثل هذه الأخطاء ولا أنفي انخداع بعض البسطاء بذلك ، بل إن بعضها وقع فيه مشايخ وعلماء وقادة كالرمزين أحمد فريد وياسر برهامي ، فيما تناولته فى مقالة سابقة ..
ولكني أخطئ التعويل على هذه الأخطاء ، كما أخطئ التهويل من شأنها وتعميمها وإلصاقها بكل السلفيين ، واتخاذها تكئة أو ذريعة للتقصير ، والتساهل في رمي المصريين بالجهل والتخلف ، ولو بصورة غير مباشرة .
4. يعكس ترداد هذه التهم وتكرارها وترسيخها في وعينا الداخلي عدم القدرة على تقبل الآخر ، وعلى كون أن ينافسني إسلامي آخر ، وهي الثقافة التي ربانا عليها الحزب الوطني وجهابذته وزرعها فينا حتى أثمرت وأنبتت وجعلت كلا الطرفين يصدق ما يلقي جزافاً على الطرف الآخر دون التثبت ، ودون التوثق ، ودون مراعاة قواعد الرواية وعلم الجرح والتعديل التي نملك أنصع وأقوى منهج يتناولها على مدار التاريخ .
5. ثم وأخيراً فإن من أبرز ما تمثله مشاكل ومظاهر هذا الترداد والتكرار التعيير بتغير المواقف والاجتهادات الفقهية ، وكأن المطلوب من السلفيين أن يجمدوا على موقف فقهي واحد لا يغيروه ، فإن وقفوا على ذلك رميناهم بالجمود وأنهم لا يخرجون من جحور ( الفقه البدوي ) الذي لم يبرحوه ، وإن فعلوا وغيروا موقفهم عيرناهم بهذا التغيير ، أنا هنا أطالب بالعدل والإنصاف ومرونة تقبل الآخر التي يتمتع بها منهج الإخوان ، فأتمنى من أفراد الإخوان أن ينقلوا ما عندهم من منهج رائع إلى حيز الواقع والتطبيق .
إذن فالمطلوب من وراء هذه المقالة هو العدل ، وتقييم الآخرين تقييماً منصفاً ، أستفيد منه ويستفيد منه الآخر ، كما أطالب عقلاء كل من الطرفين أن يعمل على إصلاح ذات البين وتنقية الصدور وتصفية الخلافات وتهدئة النفوس لأن غايتنا جميعاً هى فى إرضاء الله عز وجل وما يجلب ذلك من الالتزام بالخلق الإسلامي القويم الذي من مظاهره بل من أركانه أنه لا يؤمن أحدنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
===========
[email protected]

