د/ ممدوح المنير*
كشفت إنتخابات الجولة الأولى للإنتخابات البرلمانية المصرية عن حالة من الإستقطاب الحاد بين الإسلاميين بأجنحتهم المختلفة والليبراليون والعلمانيون من جهة أخرى.
ومع ظهور نتائج الإنتخابات و تصدر القوائم الإسلامية لنتائج الإنتخابات بأغلبية كبيرة، أخذت وسائل الإعلام المحسوبة فى معظمها على التيار الليبرالى تهاجم الإسلاميين متهمة أياهم بالتأثير على الناخبين بإسم الدين، و (دغدغة) عواطف الجماهير بالدعايا الدينية فضلا عن حالة التخويف والتفزيع من الإسلاميين التى تستخدمها وسائل الإعلام من أنهم سوف يكون سببا فى هلاك الحرث والنسل والقضاء على مدنية الدولة وكبت الحريات وسوف يمارسون نوعا آخر من الإستبداد الدينى كبديل لإستبداد النظام السابق، هذا رغم الرفض المطلق لمعظم الإسلاميين لهذه الإتهامات.
لذلك سوف نحاول من خلال هذا التحليل أن نركز على نقطتين رئيسيتين:
أولا: أن إستخدام الدعايا الدينية بمعناها الحقيقى هى لازمة أساسية من لوازم الدعاية الإنتخابية فى جميع الدول ( المتقدمة ) مثل الولايات المتحدة و أوربا منذ عقود طويلة ويكاد يكون التيار الإسلامى فى مصر هو الأقل إستخداما لها.
ثانيا: أن حالة التفزيع المفتعلة من المتدينين التى تحاول بعض وسائل الإعلام فرضها على المواطنين لا تقارن على الإطلاق بحالة الفزع الحقيقى التى يجب أن تتملكنا من أفكار و سلوك المتدينين فى الغرب .
فعلى سبيل المثال تشتد فى هذه الأيام الحملات الإنتخابية فى الولايات المتحدة للفوز بمقعد الرئاسة و تستخدم الدعايا الدينية بشكل مكثف و واضح و صريح هناك، والولايات المتحدة كما هو معروف تعتبر قبلة الليبراليين المصريين فى الديمقراطية.
فقد نشرت صحيفة المصرى اليوم و المعروفة بإتجاهها الليبرالى وعدائها للإسلاميين فى عدد الأربعاء 19 / 10 / 2011م ( فى مناظرة لاس فيجاس كان إثارة قضية الانتماء الدينى للمرشحين، هى القضية التى أثارها القس البروتستانتى روبرت جيفرس منذ أسبوعين، عندما تحدث لوسائل الإعلام و فى مؤتمر للمحافظين فى واشنطن وقال إنه يدعو المسيحيين الإنجيليين ويقدّر عددهم بـ 30 مليون شخص للتصويت لشخص يعتبرونه مسيحياً مثلهم !! ).
بل إن مركز بيو الشهير للأبحاث و الدراسات قد نشر على موقعه فى 21 نوفمبر 2011 إحصائية تتحدث عن أن عدد الجمعيات و المنظمات التى تعمل على جذب أصوات الناخبين على أساس دينى قد زاد فى العاصمة واشنطن من 40 منظمة فى عام 1970 م إلى أكثر من 200 منظمة حاليا !! فى واشنطن وحدها.
وفى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق بوش الأبن كتب المؤرخ آلان ليشتمان من الجامعة الاميركية في واشنطن ( إن إقحام الدين بهذا الشكل فى السياسة أمر لم يسبق له مثيل ) كما جاء فى كتاب ( عالم جورج بوش السرى ) لأريك لوران.
بل يمضى الكاتب أريك لوران يقول: وخلال (حملته الانتخابية) اكد بوش ان المسيح هو المفكر الفضل لديه لانه «انقذ قلبي» وحالما تسلم السلطة أعلن يوم 20 يناير 2001 يوما وطنيا للصلاة رغم وجود مثيل له في شهر مايو !!.
وفي عام 1993 وخلال الفترة التي كان جورج دبليو بوش يتهيأ فيها لدخول السباق الانتخابي لتبوء منصب حاكم إحدى الولايات الأمريكية ادلى بمقابلة صحفية وكان من ضمن ما قاله فيها ( وحدهم المؤمنون بالمسيح سيدخلون الجنة ) ، وقد استخدم بوش طيلة حملته الانتخابية القساوسة كوسطاء او مفاتيح انتخابية، وفور اعلان فوزه صرح قائلا (لم أكن لاصبح حاكما لو لم اكن مؤمناً بمخطط الهي كبديل لكل المخططات الانسانية) إنتهى.
بل إن محرر خطاباته ديفيد فروم كتب يقول عن بوش ( ذات صباح فور وصوله للعمل قال لي بوش : « لماذا لم أرك في جلسة قراءة الانجيل ؟» ، كما يشارك كل موظفي البيت الابيض في مجموعات لدراسة الانجيل بشكل يومي، ويبدو مقر الرئاسة اليوم اشبه بقاعة صلاة واسعة يقوم العاملون فيها بادارة شؤون اميركا والعالم بعد جلسة قراءة جماعية للعهد القديم أو الجديد ) إنتهى.
وصل الأمر إلى حد أن المرشح توم دي لاي، مرشح تكساس الذي أصبح في نوفمبر 2002 الرجل الاقوى في الكونغرس الاميركي بعد انتصار الجمهوريين في مجلس النواب ، قال في كلمة القاها ( وحدها المسيحية ترسم الطريق للعيش عبر تقديم اجابات لكل ما نواجهه في هذا العالم) ، كما قال فى حملته الإنتخابية ( انه مكلف بمهمة ربانية تتلخص في رؤية عالمية انجيلية في السياسات التي تعتمدها الولايات المتحدة ) !!.
تخيل لو أن أحد الإخوان أو السلفيين صرّح بتصريح مماثل لمرشح تكساس أو لبوش فى مؤتمر انتخابى، اعتقد ربما علقت له المشانق.
بل يكشف لنا محمد الشرعة مدير مركز الدراسات الأردنية بجامعة اليرموك فى بحث له عن القوى الدينية و دورها فى الحياة السياسية فى الكيان الصهيونى عن أجواء الإنتخابات الإسرائيلية قائلا (وقد أدى ازدياد قوة الأحزاب الدينية في إسرائيل في الفترة الأخيرة إلى انتشار نمط جديد من الدعاية الانتخابية يقوم على استخدام التعاويذ واللعنات وكتابة الحجب، والتبارك بالأولياء مما جعل الزعماء والمرشحين للكنيست يحرصون على زيارة المقامات المقدسة والمشاركة في الاحتفالات الدينية )!! إنتهى.
إذا إنتقلنا إلى المانيا نجد أن هناك العديد من الأحزاب الدينية التى تسيطر على المشهد السياسى هناك منذ عقود طويلة من أهمها الحزب المسيحى الديمقراطى و الذى تولى السلطة لأكثر من فترة فى المانيا ، مع ملاحظة أن بعض دعاة العلمانية فى بلادنا يحاولون الترويج إلى أن هذه الأحزاب هى ( دينية ) إسما فقط فى حين أن سلوكها علمانى بحت ، و هذا بالطبع إحتيال مكشوف ، لأن هذه الأحزاب هى أحزاب دينية محضة إسما وفكرا وسلوكا ، فعلى سبيل المثال يذكر لنا الكاتب الألمانى مارتن فوربرغ فى مقالة له عن الأحزاب الدينية فى ألمانيا قائلا ( و يتفق الحزبان – المسيحى الديمقراطى و المسيحى الإجتماعى – على النظرة المسيحية للإنسان وهو ما يتجسد فى أفكار مثل العائلة أساس المجتمع ، كما أن مفهوم المحافظة السياسة مرتبط أكثر لدى الحزبين الكبيرين بالدين المسيحى).
بل إن دولة مثل هولندا التى تجد فيها مقرات لمنظمات تابعة للأمم المتحدة و منظمات حقوقيية دولية يوجد بها هى الأخرى أحزاب دينية لفظا ومعنى ، أبرزها حزب السياسى التجديدى وهو حزب بروتوستانتى متزمت دينيا ظل حتى عام 2007 م يمنع النساء من الإشتراك فى عضوية الحزب !! ، هذا فى حين يحظى بتمثيل نسبى فى البرلمان الهولندى.
ولا ننسى فى هذا السياق الحزب الدينى ( من أجل الحرية ) و هو حزب هولندى أيضا الذى صرح زعيمه غيرت فيلدرس أكثر من مرة بوجوب منع القرآن فى هولندا كما أنه صاحب فيلم ( فتنة ) الذى يسىء للإسلام !! ، ويحظى هذا الحزب ب 25 مقعد فى البرلمان الهولندى من أصل 150 مقعد.
إن الإتهامات التى توجه للسلفيين فى مصر من تشدد و تطرف من بعض التيارات الليبرالية لا يقارن على الإطلاق بهؤلاء المتطرفين فى الغرب الذين يعتبرون بحق سلفيون على أبواب جهنم.
بناءا على المعطيات السابقة نستطيع أن نستخلص النتائج :
1) أن إستخدام الدين فى السياسة يعد من أهم مكونات المشهد السياسى فى الغرب و فى معظم الدول المتقدمة.
2) تعد الدعايا الدينية لدى الغرب شىء طبيعى واعتيادى فى هذه الدول ، بل يعد من أهم وسائل الدعايا الإنتخابية لديهم.
3) تعتبر العنصرية و إقصاء الآخر و التعصب للمذهب أو الدين هو الغالب على إستخدام الدين فى الغرب.
4) أن ما يقال عن تطرف أو تشدد لبعض التيارات الإسلامية فى مصر خاصة السلفيين يعتبر من قبيل الهزل إذا ما قورن بما يحدث فى أوربا و أمريكا من الأحزاب الدينية هناك.
فى النهاية ليس هذا المقال دفاعا عن أى تجاوز يصدر عن فصيل إسلامى فالخطأ مرفوض مهما كانت الجهة التى صدر عنها هذا التجاوز ، لكن فى نفس الوقت لا يجب علينا أن نستجيب لحملات التخويف التى يحاول البعض فرضها علينا من قبل جهات تقدم فى غالبها مصالحها الفئوية أو الحزبية أو الإيديولوجية على مصلحة الوطن و القليل منها تحركه مخاوف حقيقية و هذا الأخير يجب علينا أن نوجه له رسائل طمئنة بواقع الحال أكثر من تعبيرات المقال ، إبراءا للذمة وللضمير.
___________
رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية

