د/ محمد المرسي

هناك عبارات قالها أصحابها لتبقي عميقة المعني قوية الأثر شديدة الوضوح رغم قلة كلماتها ، من هذه العبارات: " الكورة اجوان" ، و " السياسة هي فن الممكن" ، و " الديمقراطية هي صندوق الانتخابات" ، و " مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا ".

ومن هذه العبارات عبارة تعتبر القاسم المشترك في ربيع الثورات العربية ، عبارة أطلقتها الحناجر المظلومة، حناجر الشعوب المسلوبة ضد حكامها المفسدين ، عبارة " الشعب يريد ".

هذه العبارة رغم قليلة كلماتها إلا أنها  عميقة المعني واضحة الدلالة ، خرج الشعب المصري – الذي سُلبت إرادته لفترات طويلة من قِبَل حكامه ونخبه المصنوعة لتتحدث نيابة عنه ، رغم أن هذه النخبة ليست نخبته الحقيقية ، ولم تعان مما يعانيه – خرج ليسترد بنفسه إرادته .

استعاد الشعب المصري إرادته بعد سقوط نظام مبارك في 11 فبراير 2011 م ، وأصبح بإرادته الفاعل السياسي الأول في المعادلة السياسية المصرية الجديدة ، وأصبح بإرادته  يقاوم الاستبداد ويرفض الوصاية التي تحاول فرضها عليه هذه النخبة المأزومة ، وأنه لن يتنازل عن إرادته لكائن من كان بعد اليوم.

 بهذه الإرادة أدار الشعب المصري العديد من الأزمات التي وضعت في طريقه لعرقلة مرحلة بناء الدولة الحديثة ، وفرض إرادته في استفتاء 19 مارس ، ونجح في تجاوز أزمة المبادئ فوق الدستورية التي وضعها دكتور يحي الجمل ، وأخيرا وليس آخرا (!!!) أسقط حكومة الدكتور عصام شرف بعد أزمة المبادئ الحاكمة والملزمة لوثيقة دكتور على السلمي .

بهذه الإرادة ظهر الشعب المصري بوعيه العالي والمتميز ، فشارك في المرحلة الأولي من الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب 2011م بنسبة قياسية غير مسبوقة ( تتراوح بين 52% و 62% حسب المصدر ، وقابلة للزيادة في المرحلتين المقبلتين) ، وهي نسبة لم يشارك بها من قبل ، وظهر وعيه جلياً في اختياراته وترتيبه للقوى السياسية المشاركة في هذه الانتخابات ، ولم يخضع لوصاية النخبة وإرهابها الفكري الدائم في الفضائيات المملوكة لرجال أعمال النظام المخلوع ، فوضع الأوزان النسبية لهذه القوى وفق معاييره وقناعاته المنبثقة من ثقافته ووسطيته ، حيث أعطى صوته للقوى الإسلامية بنسبة 68% في هذه الجولة ، ولم يقتنع بمن هو " مستقبل له تاريخ " ولم ينخدع بمن يزعم أنه " نيابة عننا هيجيب حقنا " ، وتجلت قمة وعي هذا الشعب عندما وجدناه يختار وفق قناعته ببرامج الأحزاب ، فاختار قائمة حزب ما  وأعرض عن المرشح الفردي لهذا الحزب .

كما تجلت إرادة هذا الشعب عندما غابت إرادة المجلس العسكري وحكومة الدكتور عصام شرف في قانون الغدر أو العزل السياسي لمن أفسدوا الحياة المصرية - وعلى رأسها الحياة السياسية - من الحزب الوطني المحظور ، فقام بطرد الفلول ديمقراطياً ، ولم تحصل قوائم فلول الحزب الوطني الثمانية إلا على 7.16% من إجمالي الأصوات الصحية في المرحلة الأولى ، والتي غالباً لن تترجم إلى عدد مقاعد لعدم تجاوز بعض هذه الأحزاب على نسبة 0.5% والتي تسمي بالعتبة الانتخابية ، كما أسقط رموزاً للحزب الوطني المحظور كانت ترشحت على النظام الفردي ( حيدر بغدادي نموذجاً) ، وعاقب الأحزاب التي ضمت فلول الحزب الوطني المحظور على قوائمها.

ومن خلال ما سبق يتضح أن إرادة الشعوب هي الغالبة ، وأن الرهان على الشعوب هو الرهان الفائز على من سواه ، وأننا لن نستطيع بناء الدولة الحديثة إلا عندما نحقق على أرض الواقع أن الشعب هو مصدر كل السلطات ، ولذا نتمنى على الجميع أن يحترم إرادة هذا الشعب وألا يُنصب من نفسه وصيا عليه.

__________

أستاذ مساعد – جامعة المنصورة
دبلوم الدراسات العليا في العلاقات الدولية السياسية