د/ ممدوح المنير
إن ثورة 25 يناير حين قامت كان لديها حلم إلتفّ حوله المصريون هو الحرية و الكرامة ، الحلم الذى عبّد طريقه بدماء الشهداء من أجل أن يرحل مبارك و نظامه بكل ما يمثّله من ظلم و طغيان و إستبداد .
من أجل هذا و فقط قامت الثورة ، و سقط من سقط ليرووا بدمائهم الذكية شجرة الحرية ، حتى تطرح نظاما ديمقراطيا يقوم على إحترام إرادة الشعب و جعله وحده دون غيره مصدر السلطات .
كان لابد من هذه المقدمة حتى نعرف حجم الكارثة التى نحن مقبلون عليها ما لم يتم سحب وثيقة على السلمى و إقالته فورا على الجريمة التى يرتكبها فى حق الشعب المصرى .
و حتى يتسنى لنا أن نفهم القصة المرعبة التى تحاك فصولها فى رابعة النهار !! ، دعونا نفهم أولا السياق الذى خرجت فيه الوثيقة حتى تتضح أبعاد المؤامرة :
ظهرت الوثيقة للوجود بعد أيام تعد على أصابع اليد الواحدة من نجاح حزب النهضة الإسلامى فى الفوز بأغلبية ساحقة فى انتخابات المجلس التأسيسى التونسى ، رغم أن وضعية حزب النهضة فى تونس كانت أضعف عشرات المرات فى عهد بن على من وضعية الإخوان المسلمين فى مصر أيام المخلوع مبارك .
تزامن مع إجراء الإنتخابات التونسية أيضا إجراء الإنتخابات النقابية فى مصر ، و هى الإنتخابات التى فاز الإخوان فيها بإكتساح
بنسبة وصلت إلى 95% كمتوسط عام .
من خلال هذا السياق نفهم لماذا صدرت الوثيقة رغم أن المستشار يحيى الجمل حاول أثناء توليه ذات المنصب – نائب رئيس الوزراء - أن يقوم بنفس المحاولة إلا أن محاولته قوبلت بذات الرفض الشعبى الآن و أنتهت الوثيقة تحت ضغط الشارع .
ثم أتى من بعده على السلمى و يصدر هو الآخر وثيقته المشبوهة فى تكرار لنفس السيناريوا القمىء ، مما يشتم منه رائحة التضليل و الخداع للشعب ، فعلى الرغم من تغيير يحيى الجمل ذو الخلفية العلمانية المتشددة ، تم الإتيان بعلى السلمى العلمانى المتشددد كذلك للقيام بنفس المهمة !!! .
إذا تغير الشخص و لم تتغير المهمه ، و بحسب نظرية الثابت و المتغير ‘ فالثابت هنا أمرين أولا صفات من يتولى المنصب و ثانيا طبيعة المهمة ، و لأن المجلس العسكرى هو أكثر شىء ثابت فى موقعه لا يتحرك حتى الآن فى مصر !! فطبقا للنظرية فصاحب هذه الوثيقة دون منازع هو المجلس العسكرى و ليس على السلمى ، فدور على السلمى هنا ديكورى ليس إلا ، فهى وثيقة المجلس العسكرى بإمتياز ، و حين تتطلع إلى كافة بنودها لن تحتاج إلى كثير ذكاء حتى تدرك هذه الحقيقة و هو مادفع الفقيه الدستورى الكبير المستشار طارق البشرى أن يعلق على هذه النقطة قائلا ( ما إن يتولى الواحد منهم منصب نائب رئيس الوزراء لشئون السياسة أو الديمقراطية أو نحوهما حتى يقوم بذات العمل ويحاول أن يكمل ما بدأه سلفه ، وهو كيفية الالتفاف على الإرادة الشعبية وعدم تمكينها من وضع الدستور الجديد ) .
من خلال فهم السياق الذى تحدثنا عنه و فهم من وراء الوثيقة تتضح أبعاد المؤامرة التى يمكن تلخيصها فى الآتى
أولا : إعاقة و منع أى فصيل إسلامى من الوصول إلى سدة الحكم فى مصر حتى لو جاء بإنتخابات حرة نزيهة و بإرادة الجماهير .
ثانيا : العمل على عسكرة نظام الحكم فى مصر و جعله فوق المحاسبة ، فبنود الوثيقة المشئومة تعطى الحصانة الكاملة للقوات
المسلحة ضد المساءلة ، و تجعل لها تشريعاتها الخاصة التى يحق لها وحدها وضعها و لها ميزانيتها الخاصة التى لا تناقش عليها و لا تراجع فيها بحجة دواعى الأمن القومى ، و هى حجة مرفوضة حاليا ، حيث أن كافة صفقات السلاح الآن فى العالم معروفة و منشورة فى كافة الدوريات الإستراتيجية و العسكرية ، كما أن من يجب أن نخفى عنه هذه الأسرار هو تقريبا من نشترى منه السلاح !!! .
ثالثا : و هو الأخطر على الإطلاق أن الوثيقة تعطى للقوات المسلحة دور ليست له أهل و ليس من حقها ، فيحق لها طبقا للوثيقة إلغاء لجنة وضع الدستور التى سيختارها البرلمان لو لم تعجبه تشكيلتها ، بل حتى إذا وافق عليها من حقه إلغاء مسودة الدستور الذى ستضعها اللجنة إذا لم ترق له !!! ، وفوق هذا كله تعتبر الوثيقة أن الجيش حامى الشرعية الدستورية و ليس البرلمان أو الشعب أو حتى المحكمة الدستورية العليا ، مما يجعل و جود أى سلطة منتخبة بما فيها رئيس الدولة و رئيس الوزراء و مجلس الوزراء مجرد موظفين يسعون لنيل رضا المجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى لا يتهموا بالإتقلاب على الدستورية فيعزلهم الجيش !!! .
الأمر جلل ، يكفى أن نذكر حتى تكتمل الصورة أن كاتب بحجم و قامة الأستاذ فهمى هويدى قد نشر مقالا فى 10 نوفمبر الماضى تحت عنوان ( مبارك فى أجازة دون أجر ) تحدث فيه عن أن مبارك نظريا هو محبوس و واقعيا هو فى أجازة فحسب و دلل على ذلك بأنه يعيش فى محبسه فى أفضل حال و يتلقى اتصالات هاتفية من أعضاء فى الحكومة الحالية بل يتلقى إتصالات من أركان نظامه فى سجن طره !!! .
هناك أبعاد كثيرة للمؤامرة التى تدبر بليل للإنقلاب على الثورة و الثوار و إعادة إنتاج نظام مبارك فى شكل جديد ، لكن حتى لا
يطول المقال إكتفينا بما أوردناه ، فلم نتحدث مثلا عن السبب وراء سيل القنوات الفضائية الجديدة ذو التوجه العلمانى الذى ملأ مصر فجأة ، و لا عن ابعاد المؤامرة خارجيا مثل تعيين وليام تايلور من قبل الولايات المتحدة كمنسق ( لدعم !! ) الثورات العربية و زيارته لمصر و سوريا .
خلاصة ما أريد أن أقوله هنا أن الثورة المصرية بكافة مكتسباتها تتعرض لخطر كبير ، إذا لم نستيقظ و نتحرك و ننزل إلى التحرير من جديد بروح و عقل وقلب الميدان فى 25 يناير ، و إلا فسوف نخسر حاضرنا و مستقبلنا اللهم قد بلغت اللهم فاشهد .
ـــــــ
رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات و التنمية

