م / محمد شكري علوان
من جوامع كلم الرسول صلي الله عليه وسلم ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الساعة فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: (إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
** إن النوازل والمصائب التي تنال من الأفراد والأمم تأتي نتيجة ما قدمت أيديهم ، وأكبر النوازل والتي سماها الحديث بالساعة إشارة إلي ( يوم القيامة ) تنزل بالأمة عند تخليها عن مهمتها وتفريطها في حقها ، وإسنادها الأمر إلي غير أهله .
هنا تكون الطامة ، ولهذا حذر الرسول الكريم من أمر الرويبضة ( الرجل التافه الضعيف أخلاقيا ) حين يولي أمراً عاماً .
** والحديث يؤصل قاعدة عظيمة وكريمة من قواعد بناء الأمم ونهضتها ، حيث وجه الرسول الكريم سؤال السائل إلي الالتفات إلي عالم القيم والأخلاق والسلوك ، والاستعداد الحق للآخرة من خلال إصلاح الدنيا ، وقيام الأمة بدورها ويقظتها الكاملة لمستقبلها من خلال تولية الأخيار والأكفاء، وإلا كان الظلم والهلاك .
وصدق ربنا سبحانه ( فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة ، فهي خاوية ٌعلي عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد )الحج 45 ، وأشد ظلم الأمة لنفسها ومستقبل أبنائها أن تفرط في إرادتها وتولي أمرها للأشرار ، فترتفع المصالح الشخصية ( القصر المشيد ) وينهب المال العام ويهمل الصالح العام ( البئر المعطلة ) ، وهنا تنزل الساعة ويأتي الهلاك .
** ونحن علي أبواب نهضة جديدة لمصرنا ، فأيام قليلة ويقف الشعب أمام مهمة عظيمة والتي تتمثل في اختيار نواب عنه يخططون ويراقبون ، ويضعون من القوانين واللوائح ما يظن من خلالها المصلحة والصواب ، نُسهم في التذكير بالمهام الملقاة علي عاتق من وجد في نفسه الكفاءة فتقدم للترشيح ، ومن رآه الشعب أهلا للمهمة فاختاره ، والتي نوجزها في الآتي :
أولا : المهمة المالية
** أخطر قانون يوافق عليه البرلمان هو قانون ربط الموازنة العامة للدولة ، حيث تصب كل الموارد في وعاء واحد لا يستثني مورد ، ثم تخصص النفقات وفقا للأولويات والاحتياجات ووفق الأسس العلمية لذلك,وتمثل الموازنة الخطة المالية للدولة لسنة مستقبلة ، وعليها تتم الرقابة والمحاسبة ،. وهي أهم المهام فالمال قوام الحياة ، وقيمة الدول بقوة اقتصادها
** قضية الدعم والعدالة الاجتماعية : معضلة يجب أن يتصدي لها الرجال ، فالناس شركاء في ثلاث " الماء والكلأ والنار " ، الثروات الطبيعية من أرض وفحم وبترول ومعادن ، ملك لكل الشعب لا يستأثر بها فرد ولا أشخاص ، ويجب أن تصل لكل أصحابها فلا يمتاز الأغنياء ولا ذوي النفوذ علي حساب الفقراء ، فضلا عن تفاوت الأجور ، وضرورة إعادة هيكلتها .
** فرض الضرائب من مهمة المجلس ، فأين الرجال الذين يخافون الله في عموم الشعب فلا يُحصّل جنيها إلا بحقه .
** الاتفاقيات التي تُحمل الخزانة والأجيال القادمة بأعباء مالية يجب أن يتيقظ لها نواب الشعب ، وإلا فقد خانوا الأمانة .
ثانيا : المهمة التشريعية
وتلك أهم ما يطلبه الوطن والموطن من النائب ، أن تكون القوانين عامة ومجردة لصالح الوطن والمواطن تلبي طلبات الناس وتفي باحتياجاتهم ، تناسب واقع الناس ، وتؤسس لمستقبلهم ، تحافظ علي تراثهم وتنطلق من مرجعيتهم الحضارية الإسلامية .
ثالثا : المهمة الرقابية والتقويمية
الفصل التام بين السلطات أمر غير محمود ، ولكن لابد من التوازن والتعاضد من أجل الصالح العام ، لذا وجب علي النائب أن يعي دوره الرقابي والمحاسبي للسلطة التنفيذية ، لضبط التوزان وسد الخلل . ولابد من الوعي الكامل بكل الادوات الرقابية من طلب الاحاطة والسؤال والاستجواب وغيرها .
رابعا : الالتحام بأهل الدائرة
والهدف منها عدم الحياة في أبراج عاجية بعيدا عن معاناة الناس وهمومهم ، فالقوانين تسن لراحة الناس وتسيير حياتهم والبعد عنهم ينتج خللا في الأداء ، فالنائب أولا يجب أن يكون في خدمة وطنه وشعبه ، كما نحذر من عودة نائب الخدمات ، الذي لا يعنيه إلا الصوت الانتخابي فقد مضي عهده إلي غير رجعة .
خامسا : الحفاظ علي هوية الأمة
النواب وكلاء مفوضون من قبل الأمة بموجب عقد رضائي بينهم ، ومن ثم فعليهم الوفاء به من خلال الحفاظ علي هوية الأمة وتراثها الثقافي والحضاري والتصدي لكل محاولات الاستدراج التي تحاول الإخلال ببناء المجتمع ولمحته السكانية ومنظومته الأخلاقية والعقدية .
سادسا : تحقيق الاستقلال التام للوطن
وذلك بالتكاتف مع كل مؤسسات الدولة لإلغاء كل تبعية في أي مجال ( ثقافي ، اقتصادي ، سياسي ،......) والعمل علي انطلاق مصر في ريادتها لأمتها العربية والإسلامية ، ومعاملاتها مع غيرها من الدول معاملة أكفاء ، ومراجعة كل المعاهدات والاتفاقيات السياسية والاقتصادية بما يحقق النفع لجماهير شعبنا ومستقبل أجيالنا .
هذا بعض الواجب علي النائب كما أنه واجب علي من يختاره وإلا ضيعنا الأمانة ، ولن يجدي الندم عند نزول الساعة .

