د/ معتز بالله عبد الفتاح
بعض الأصدقاء لديهم رؤية حتمية عن الكون؛ فبالنسبة لهم إن «ما فيش فايدة» حتما ويقينا، أو أن «مصر اليوم فى عيد» حتما ويقينا، أو أن المجلس العسكرى ليس له رؤية سياسية خاصة بدوره بعد أن يترك السلطة حتما ويقينا، أو أنهم لن يتركوا السلطة أبدا حتما ويقينا. أنتمى إلى مدرسة أقل حتمية فى التحليل، وأكثر استعدادا للتعامل مع الأمور بدلائلها بعيدا عن المواقف المسبقة. إن أحسن المجلس العسكرى واحترم إرادة الأمة، فله كل الشكر والتأييد.
وإن انحرف المجلس العسكرى عن إرادة الأمة ووضع نفسه وصيا عليها، فإليه كل النقد والتنديد.
وهذا موقف ثابت ليس بحكم الأيديولوجيا والحتميات، وإنما بحكم مصلحة الوطن، ولا أحد فوق النقد. ولا نقد إلا بمعيار واحد وهو الصالح العام.
وبهذا المنطق أتساءل: لماذا أجل المجلس العسكرى طويلا اتخاذ أى إجراء بشأن تمكين المصريين فى الخارج من الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات البرلمانية؟ وقد حاول كثيرون وأنا شاهد على ذلك، البحث عن حلول لهذه المشكلة. وكان دائما الحديث عن المعوقات هو السائد.
ولم أزل لا أعرف كيف سيتم التغلب على الكثير منها حتى الآن، ولكن ظل هذا المنطق سائدا إلى أن انفجر حكم محكمة القضاء الإدارى بوجوب ممارسة المصريين فى الخارج لحقهم فى التصويت، وأصبحنا الآن مطالبين بأن نفعل فى أيام ما كان علينا فعله فى شهور.
وبنفس المنطق، لماذا ظل قانون العزل أو قانون إفساد الحياة السياسية والذى كان موضع جلسات نقاش كثيرة سيقت فيها كل الحجج معه وضده يراوح مكانه؟ كنت ولم أزل من أنصار أن يقوم الشعب بإسقاط من لا يريده من أعضاء الحزب الوطنى مثلما فعل فى انتخابات عامى 2000 و2005 بأن حصل الحزب الوطنى، وهو فى قمة سطوته وصولجانه، على ثلث الأصوات تقريبا، بما يعنى أن هذا الشعب أوعى كثيرا من الصورة الذهنية التى تحاول النخبة أن تصوره عليها.
المهم أن حكم محكمة القضاء الإدارى الذى جاء بحتمية إجراء الانتخابات بدون أعضاء الحزب الوطنى ليربك اللجنة العليا للانتخابات، ويثبت أننا أمام ارتجال غير منطقى نابع من أن أهل الخبرة تم استبعادهم.
ودعونا كذلك نفكر فى عنصر الوقت الذى يبدو أنه بلا قيمة حقيقية عند من يديرون البلاد؛ اختار الناس طريقا ومنهجا، وقرر المجلس الأعلى أن يغيره لأسباب خاصة به أو بسبب نصائح خاطئة وصلت له وعلينا جميعا أن ندفع هذا الثمن: تراجع روح الحماس التى تولد مع الثورة، مناخ الشك والريبة السائد، مليارات من الدولارات تستنزف من موارد الدولة، مواقف غير منطقية بسبب تأخرنا فى اتخاذ القرارات السليمة التى تضمن انتخابات بلا تعقيدات أو مفاجآت.
قبل أن أترك مهمتى كمستشار لرئيس الوزراء، سألت أحد أصحاب الضمائر اليقظة من داخل المطبخ السياسى: «لو كانت هذه شركتك، هل كنت تقبل أن تدار بهذه الطريقة؟» قال لى: «الحقيقة، لأ». قلت له إذن الحد الأدنى أن أقول ما قاله الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين جاءه شخص يريد أن يورث ماله بعد موته بطريقة تخالف شرع الله: «أشهد عليها غيرى فأنا لا أشهد على باطل». وهذا كان وأصبح بالنسبة لى أضعف الإيمان.

