م/ محمد شكري علوان
أولا: معلوم مدي حساسية وخطورة المراحل الانتقالية في حياة الأفراد والدول ، حيث تزداد الضبابية والحيرة، وتكثر الرآيات والصيحات وتتعالي الأصوات، ويرتفع الزبد مع السيل مغريا ومحرضا وخادعا، وهنا تزداد أهمية التواصي بالحق والتواصي بالصبر، حتى يُتم الله وعدَه ، فيَبقي في الأرض ما ينفع ويذهب الزبد جفاءً ، قال تعالي ( فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) .
** مرت الخطوة الأولي في طريق برلمان الثورة : ( فتح باب الترشيح – إعداد القوائم – تحديد المرشحين )، بآمالها وآلامها، أما الأمل فمستقِر وثابت وهو العبور إلي مستقبل كريم أفضل، وبداية نهضة حضارية منطلقها مجلس تشريعي حر بإرادة شعبية حرة.
وأما الآلام فتمثلت في :-
**(المرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 28 لسنة 1972 في شأن النظام الانتخابي ) الذي أربك الجميع.
** عدم الوصول إلي صيغة توافقية بين القوي والأحزاب السياسية، والذي نتج عنه اختلالا في منظومة الترشح والمرشحين ، عاني منه الجميع , وتداخلت العوامل المختلفة ، فربما قدم المفضول علي الفاضل, وربما لم تظهر أسماء كان يراها البعض أولي, بل لضرورة الائتلاف والتعاون مع الغير فقد ُدفع بأفراد لا يراها البعض أهلاً ، وعلي أي حال ليس الأمر نهاية المطاف، فالتعامل مع الناس باختلاف طبائعهم وأفكارهم أمر شاق ، ولابد من المرونة وفتح الباب للجميع وخاصة بعد تغير البيئة والأوضاع .
فالجماعة في اجتهاد إلي قول وفعل ما يُظن أنه الأقرب إلي تحقيق المصلحة , وهنا يمكن أن يأتي الخطأ والصواب، وهنا أيضا يجب أن نظن بالجماعة الذي هو أهدي وأليق ، فلنطو هذه الصفحة ولنبدأ العمل ، فالضعيف يقوي بعزم إخوانه ، ومن طوي شرا حُبس فيه ، طالما يقظة الجماعة قائمة ، وصدقُ قصدها رُبانها ، والسعي إلي مصالح العباد والبلاد حاديها.
ثانيا: إننا في مرحلة بناء، وهذا يتطلب لم الشمل وتفجير الطاقات ، وشحذ الهمم ، والتضحية والبذل ، ولنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم الأسوة والمثل ، (فلقد تطلب بناء الحضارة الإسلامية ، وتوجيه البشرية ، والأخذ بيدها إلي الصلاح ، علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم ، توجيه كل الطاقات واستثمار كل الإمكانات لاجتياز مراحل التحدي ، وكان العنصر الأساس في هذا البناء هو الفرد المسلم ، بإيمانه وكتلته الأخلاقية والمعرفية ، ولهذا نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن عزلة المجتمع ، والانسحاب من معركة البناء الحضاري ، وكان مجتمع الصحابة يعلن أن " الأعرابية ردة " أي أن سكن البادية وترك العمل والنشاط والحركة لتفعيل منهج الله في الناس ، هروب من التكليف لا يليق بمسلم ورث الكتاب " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ..". فعن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول : اجتنبوا الكبائر السبع ، فسكت الناس فلم يتكلم أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا تسألوني عنهن ؟ الشرك بالله ، وقتل النفس ، والفرار من الزحف ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، وقذف المحصنة ، والتعرب بعد الهجرة . رواه الطبراني في " الكبير " ( 6 / 103 ) . وحسَّنه الألباني في " الصحيحة " ( 2244 ( وقد كشف القرآن الكريم ستر أناس بيتوا في أنفسهم ترك العمل والجهاد ، قال تعالي :- " يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ، ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا " فالمهمة كبيرة والتبعة علي كل أخ عظيمة ، فلنضغط علي أنفسنا و لنصبر علي الطريق حتى نجتاز ببلدنا وأمتنا الصعاب ، فوعد الله قائم بنصر المؤمنين . فلا يبخل أخ بجهد، ولنبدأ بحملة لطرق الأبواب والقلوب ، ولنضع نصب أعيننا حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم هو أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. صححه الألباني ورواه ابن ماجة برقم " 4032 "
ثالثا: المطلوب منا أن نضع لجاماً لشارد الأفكار ، ونتناصح سويا لتضييق مسالك الشيطان ، فالتوهم يقود إلي الفراغ ، والفراغ يقود إلي النوم ، وما يزال الرجل يتأخر ويتأخر حتى يؤخره الله ، ولنخاطب أنفسنا : إذا لم يكن العمل اليوم فمتى ؟! فاعمد إلي كلمة طيبة تتداولها الأجيال من بعدك مزهرة مثمرة واعمد إلي عمل صالح يسير علي هديه من يأت من بعدك .
رابعا: مازالت أمتنا تعاني من الضعف الإيماني، والجفاف الروحي، والتخبط الفكري، والشتات الذهني، والقلق النفسي، وضعف الأخلاق, وتلك فجوة كبيرة تحول دون المراد من البناء والنهضة، وليس لها بعد الله تعالي إلا رجال تربوا علي مائدة القرآن، إننا بحاجة إلي رجال يقدمون الإسلام للناس كما قدمه الرعيل الأول – علي أنه رسالة ربانية حضارية إصلاحية شاملة غايتها مواجهة كل التحديات التي تواجه البشر وتحول دون سعادتهم و رقيهم، رسالة تلبي حاجات الناس وتطلعاتهم وتضع الجميع علي طريق العمران والتنمية في الدنيا والسعادة والفوز في الآخرة.
خامسا: إلي كل من ابتُلي بمسئولية عامة " برلمان – نقابة - ....."
كلمة نطق بها أحد الدعاة ناصحا لك: ( إياك والاعتداد بالنفس ، وانتبه !! فأنت صغير ، إذا مت فلن تُرفع لموتك الأسواق ". واعلم أن الكرامة والتفاضل إنما تكون يوم العرض ، والغني والفقر كذلك ، قال تعالي: ( فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه) وقال تعالي : ( وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ، ولم أدر ما حسابيه ، يا ليتها كانت القاضية ). وقسمة الأرزاق في الدنيا قسمة ابتلاء " ليبلوكم فيما آتاكم " وقسمة الأرزاق في الآخرة قسمة جزاء ووفاء ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) .
فالعمل العمل، والجد الجد، والإخلاص الإخلاص، فإن الناقد بصير وما نقدمه اليوم سنفرح به غدا عند لقاء الله عز وجل .

