مقدمة

حالة من الحيرة والقلق والترقب تنتاب العقل المصري على مستوى القواعد الشعبية والنخب الفكرية سواء بسواء مع اختلاف الاهتمامات والاحتياجات ، القواعد الجماهيرية يلزمها في المقام الأول ترجمة الزخم السياسي والفكري والبرنامجي إلى خدمات معيشية وأمنية ملموسة تؤكد أن الثورة قد نجحت بالفعل وان الطموحات المنشودة والأهداف المرجوة قد تحققت ولو بنسبة، والنخبة الفكرية  انشغلت أو ربما غرقت في بحور الخلافات الداخلية التي لم ولن تنتهي  ، انشغلت عن ما هو أخطر حيث التهديدات الخارجية من الجنوب السوداني بأزماته ومشكلاته على شريان حياة المصريين في نهر النيل ومن الشمال بالثورات العربية التي لم تستقر بعد ومن البوابة الشرقية حيث العدو الصهيوني المتربص بنا وبغيرنا، من هنا طرحت الأسئلة الحيوية والحرجة عن مستقبل مصر بعد الثورة ، ما هي السيناريوهات المطروحة ؟ وما هو السيناريو الراجح ؟

 

الشروط الحاكمة للسيناريوهات المتوقعة

هناك عدة شروط تضبط التصورات المطروحة هي :

** طبيعة النخبة الحاكمة الحالية والقادمة

** طبيعة الوضع الاقتصادي

** الإطار الإقليمي والدولي

** طبيعة النموذج السياسي و الاقتصادي المنشود "النظام السياسي"

 

السيناريوهات المطروحة

وفقاً للشروط السابقة هناك أربعة تصورات مطروحة ومتوقعة عن مستقبل مصر بعد الثورة هي :

** السيناريو الامتدادي

** السيناريو الكارثي

** السيناريو الأمل

** السيناريو المختلط  

 

 السيناريو الامتدادي

بمعنى استمرار الحالة الانتقالية لتكون دائمة أو شبه دائمة ، حالة السجال والصراع القائم بين التيارات السياسية حيث الانشغال بالتراشق الإعلامي والاتهام والتخوين وفقدان الثقة ، حالة السباق نحو الشارع بالتظاهرات المليونية والألفية وغيرها حيث يكون الاحتكام للشارع لا للشرعية أو المؤسسية ويكون مقياس التواجد أو الثقل الشعبي أحد مظهرين الأول السطو الإعلامي غير البرئ والثاني الحشد الجماهيري غير الآمن ، هذا على مستوى التيارات السياسية ، أما على مستوى منظومة الحكم بجناحيها العسكري والمدني فهو استمرار حالة الارتباك والاشتباك والتضارب والفجوة القائمة بين نمطي الإدارة العسكرية الذي يعتمد الأسلوب الرأسي في التخطيط وإصدار التعليمات  وبين الإدارة المدنية في الحكومة التي تعتمد الأسلوب الأفقي بل والأخطر حالة الفردية والشخصية القائمة التي تناسى فيها أعضاء الحكومة مسئولياتهم الوطنية والقومية والمؤسسية وراح كل وزير يعبر في غالب الأحيان عن رؤيته الشخصية أو الفكرية والحزبية،  وعلى مستوى القواعد الشعبية  استمرار حالة الفلتان الأمني والتردي المعيشي والخدمي  وعلى الخطوط الفاصلة بين كل ما سبق ترابط القوى المضادة للثورة من بقايا فلول النظام وشبكات المصالح والضغوط المحلية والإقليمية والدولية ما يطيل عمر الفترة الانتقالية ويزيد التحديات والتهديدات في آن واحد وبالتالي تعاني مصر الثورة من حالة التآكل الذي تتضاءل فيه المكتسبات وتزداد فيه المخاطر والسلبيات حتى ننتقل للسيناريو التالي والأكثر خطورة

 

السيناريو الكارثي "فشل الثورة"

وهو " لا قدر الله فشل الثورة " باستمرار السيناريو الامتدادي وانشغال القوى الوطنية بنفسها والوصول لمنطقة الخطر حيث المزيد من حالات الفوضى والصدام والفلتان الأمني المتعمد و المصحوب بالترويع والتفزيع الإعلامي غير النبيل فضلاً عن التردي المعيشي الذي قد يترتب عليه ثورة للجياع ،بالإضافة للتهديدات الخارجية والمشاغبات المتعمدة على الحدود هنا وهناك لتهيئة المسرح المصري لعدد من الاحتمالات المبررة منها ، عودة سيطرة النخبة السابقة ولو بأسماء مختلفة وأشكال مغايرة بدعم دولي أو عسكري أو وجود مبرر لانقلاب عسكري قد يطالب به البعض لمبرر أن حكم العسكر أخف وطأة من مناخ الفوضى المهددة للأرواح والأعراض والممتلكات والأمن القومي المصري ، ومع احتمالات هذا السيناريو إلا أن فرصه نادرة بسبب روح الثورة المتوثبة دائماً في نفوس المصريين والتي يمكن استدعائها بسهولة ويسر في المواقف التي تهدد أشواق المصريين في الدولة الديمقراطية الحديثة والمنشودة "راجع مليونية 8 يوليو التي دخل مبارك بموجبها القفص الحديدي وكذا الموقف من الاعتداء الصهيوني على الحدود والجنود المصريين"

السيناريو الأمل"بناء الدولة"

وهو الانتقال من الحالة الحالية "الانتقالية" إلى التحول الديمقراطي و بناء الدولة عن طريق التعاطي بقدر كبير ومهارة عالية في إدارة التنوع السياسي والفكري والعقدي القائم ليتحول من السجال أو الصراع المعطل إلى قوة دافعة وآمنة لعجلة الثورة ، وذلك بالتوافق المجتمعي حول خارطة المجلس العسكري أو بعض التعديلات المقبولة من الجميع ، وبالتالي نقترب وبدرجة كبيرة من حالة الاستقرار الأمني المنشود بالتعاون المشترك بين المؤسسات الأمنية والمقاومة الشعبية المدنية التي جربت وبنجاح خلال فعاليات الثورة ، وبالتوازي ننتقل للوضع الاقتصادي الآمن بالتعاون بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني "راجع الزخم الهائل من الفعاليات والأنشطة الاجتماعية والتعليمية والصحية والتي حققت كماً غير مسبوقاً في تاريخ المصريين من الخدمات المجتمعية الشاملة "

 

السيناريو المختلط

وهو من الصعوبة بمكان لأنه يجمع العديد من سمات وملامح السيناريوهات السابقة ، فهو يحوي العديد من الفرص و التحديات والتهديدات في آن واحد ، حيث حالات من التقدم والنجاح يعقبها التعثر والتردي أو التجمد ، وهو سيناريو مصحوب بحالة نفسية غير سوية تنتاب عموم الجماهير والنخب ، لكنه وارد في ظل أجواء الثورة وما تحققه من نجاحات وما تعانيه من عثرات

 

خلاصة المسألة.... نحن بصدد حالة ثورية لم نعهدها من قبل ، حالة واضحة المطالب والأولويات لكنها تفتقد القيادة الثورية التي تكافئ احتياجات وطموحات الشعب صانع الثورة بل  تتجاذبها أطراف عدة في أجواء محلية وإقليمية ودولية غير بريئة ولا آمنة لكنها طبيعة الثورات التي عانت حالات المخاض الأليم ثم كان الميلاد والنضج العظيم.

ــــــــ

مدير مركز النهضة للتدريب والتنمية