08 / 06 / 2011

حازم سعيد :

مجموعة من الكتاب العلمانيين ( أو الليبراليين ) صدرت لهم الأسبوع الماضي تصريحات ومقالات تتحدث عن الأوضاع الجارية بمصر .
من بين الكتاب : الدكتور حسن نافعة والكاتبة إقبال بركة والأستاذ سليمان الحكيم والدكتور سعد الدين إبراهيم ، والقاسم المشترك بينهم كان الهجوم على الإخوان كسارقين للثورة وتلونهم وانتهازيتهم وفاشيتهم ومواقفهم السياسية المراوغة والغامضة .
سعد الدين إبراهيم رفض - رفضاً تاماً - المادة الثانية من الدستور في ندوة ، كما حذر بشدة من سرقة الإخوان والسلفيين للثورة وأنهم هم الخطر الحقيقي عليها في ندوة أخرى .
بينما تحدث سليمان الحكيم في مقالته بموقع " المصريون " تحت عنوان ليسوا إخواناً وليسوا المسلمين عن انتهازية الإخوان ، وعدد بعض النقاط التي استشهد بها على هذه الانتهازية .
الدكتور حسن نافعة كتب عن الإخوان ثم في اليوم التالي عن الديمقراطية ، حوت مقالتاه على بعض المغالطات الصادمة لمن يظن أن بالعلمانيين منصفين نسب فيها للإخوان مواقفهم المراوغة ، وأداءهم السياسي الذى اتسم بالغموض والذى أصبح مستفزاً ومخرباً وخطراً على الثورة ، واسترجع تصريحات الأستاذ صبحى صالح عن زواج الإخواني من إخوانية مستدلاً بها على عمق النزعة الفاشية المتأصلة داخل بعض أجنحة التنظيم الإخواني .
كما جاءت مقالته العجيبة عن الديمقراطية وفهمه له وكيف أن إتيانها بالتيار الإسلامي يعنى - إن حدث - انتكاسة كبرى لعملية التحول نحو الديمقراطية .
أما بركة فتحدثت عن تلون الإخوان في مقالة تالية لتصريحات فضائية على قناة الحياة فتحت فيها النيران وهاجمت العديد من القوى والأطراف لارتباطهم بالدين ، وقالت عن الإخوان والسلفيين أنهم رد سجون ، وهاجمت رئيس الوزراء المصري ، كما شتمت رئيس الوزراء التركي ، وهاجمت الأقباط لاعتمادهم قسيساً متحدثاً باسمهم ، وهاجمت النقاب ... الخ
تصريحاتهم في مجملها تحتوى على مجموعة من العناصر التي تحتاج لتعليق ، أما الرد التفصيلي فأنا شخصياً ضد أن أتعرض لمقالاتهم أو تصريحاتهم بالنقد والرد ، وضد أن أنشغل بذلك ، حيث نحن الإخوان قوم عمليون ، أمرنا مؤسس دعوتنا المباركة ومن قبله أمرنا الإسلام الحكيم بألا ننشغل بقيل وقال وكثرة السؤال ، وأن ذلك كان سبباً في هلاك من كان قبلنا ، بل وحض الإسلام على ترك الجدال ، وقال النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم : " أنا زعيم بيت بربض الجنة لمن ترك المراء وهو محق " .
هذا التوجيه النبوي الشريف يهدف لحض المسلمين وحثهم على الانشغال بالعمل والإثمار والإنتاج ، مع ترك الجدال والمراء والانشغال بالقضايا الفرعية .
 
إنما أقصد من وراء هذه المقالة وأمثالها أمرين :
الأول : تأسيس منهج للتفكير الشامل والنقد المتبصر لحجج وشبهات الآخرين والاستناد فيه على أسس علمية واضحة ، وتأصيل كليات نتعرف بها على طريقة تناول الأخرين للإخوان .
الثاني : هو إظهار حجم العوار والخلل الذى يتحلى به هؤلاء العلمانيون ، وحجم تناقضاتهم ، وأنهم لا يركنون إلى قواعد واضحة محددة ، لأنهم يعتمدون على عقولهم المجردة وأهوائهم ، والعقل البشري مهما أوتي صاحبه من حكمة أو إدراك هو عقل ينقصه الكثير ، وما يغيب عنه أكثر مما يدرك ، فهؤلاء يعجبون بآرائهم رغم عدم ارتكانها لأساس ، وإنما هي الأهواء التي تتقلب يوماً يمنة ، ويوماً آخر في أٌقصى اليسار .
 
البحث عن مخرج : المفهوم ( الانتقائي - الاستعلائي ) للديمقراطية هو الحل
مواطن الخلل التي يحتويها الخطاب العلماني كثيرة ، من أبرزها - وتأسيساً على ماذكرناه من اعتمادهم على أهوائهم دون ركن ركين ودون قاعدة أصيلة يرتكزون عليها إلا كره الدين والمتدينين - مفهومهم الانتقائي للديمقراطية .
المعروف عند كل العالم أن الديمقراطية هي أن تحتكم لرأي الناس فى أجواء تتسم بالحرية وعدم الإجبار أو الإكراه للاختيار فى أمر من الأمور ، وما يأتى به رأي الأغلبية يكون هو المقبول عند الجميع وهو الذى يتبناه الجميع ، وهو الذى يجب الالتزام به ، دون تشكيك أو محاولة تغيير أو التفاف .
بعيداً عن الصياغة وعن المصطلحات ، من يختلف حول المعنى السابق ؟ لا أعتقد أن أحداً يخرج عن أن هذا هو مفهوم الديمقراطية .
ثم أيضاً بعيداً عن التقعيدات والتنظيرات هل يخرج ما حدث باستفتاء التعديلات على الدستور ، والذى يعد بحق مفخرة للمصريين ، وعرساً حقيقياً لشعب مارس حقه فى التعبير بحرية وكرامة ، هل يخرج ما حدث بهذا الاستفتاء عن مفهوم الديمقراطية بحال من الأحوال ؟ أيضاً لا أظن .
فما الذى حدث وجعل هؤلاء السادة العلمانيون - الليبراليون ينقلبون على الديمقراطية ويشخصونها وفق ما كانوا يتمنونه ويحلمون به ، وليس وفق مفهومها الحقيقي .
إنها الحقيقة الصادمة ، أن اختيار الشعب لم يوافق هواهم ولا أمانيهم ولا ما كانوا يحلمون به ، وأن اختيار الشعب حمل في طياته ما عدوه مؤشراً رأوا فيه انحياز الشعب للاختيارات الإسلامية من قريب أو بعيد .
حينها كان لابد من مخرج للسادة العلمانيين ليبرروا به رفضهم لاختيار الشعب فكان أن وقعوا بين أمرين كلاهما مر ، وكلاهما يفضحهم ويبرز تناقضهم .
المخرج الأول المفهوم الانتقائي للديمقراطية ، واقرأ واضحك وتعجب وتدبر كيف تفعل الأهواء والمزاجات بأصحابها وكيف تتلاعب بهم ليلووا عنق النصوص ويجهدوا أنفسهم في فلسفات مضنية للتبرير واللف والدوران ، فينقلب المرء من عاقل حكيم وأستاذ دكتور إلى إنسان عادى جداً يطرح أراء تضرب بعضها بعضاً ، ويحول أراءه من الحكمة إلى الأضحوكة .
فعلها من قبل في نفسه الدكتور مصطفى الفقي حين قبل المقعد المزور والذى أصبح لعنة عليه طاردته وأبعدته من كرسي أمانة الجامعة العربية بعد سنوات من التزوير ، وهو ذاته ما يفعله الأن الدكتور حسن نافعة بنفسه وبحر إرادته حين يقدم نموذجاً متناقضاً متفلسفاً معقداً لديمقراطية يخترعها هو وإخوانه من العلمانيين والليبراليين .. اقرأ وتدبر هذه الجمل من مقالته عن الديمقراطية والمنشورة هذا الاسبوع بالمصري اليوم :
عنوان المقالة : " الأغلبية ليست دائماً على حق "
"  فالواقع أن كل يوم يمر يؤكد أن رأى الأغلبية سيقودنا جميعا إلى مأزق، وأن النهج الذى اعتمده الاستفتاء لن يوصلنا إلى الهدف"  .
هنا أطلب منك عزيزي القارئ أن تلاحظ التناقض وغياب المنهج العلمي وهو يقرر واقعاً لم يستقرئه لا بمؤشرات علمية ولا باستبيانات ولا بطرق استنتاج واضحة ، وإنما هو الرأي المجرد جعله واقعاً ومؤكداً ، ولم يخبرنا كيف استنبطه أو استنتجه ولا كيف أصبح واقعاً مؤكداً.. إنها الأهواء تتلاعب بأصحابها .
ثم يفتئت على التعديلات الدستورية ويختار خارطة طريق جديدة يحدد فيها مجلس رئاسي وحكومة مؤقتة معينة وبرلمان نصفه فقط باختيار الشعب وهو ما عبر عنه بقوله " برلمان مؤقت يتكون نصفه من أعضاء البرلمان الشعبي " ولاحظ كلمة الشعبي هنا ودلالتها ، وكأنك تقول " برلمان السوقة " .
 
 الملاحظة الأخيرة تقودنا للمخرج الآخر للسادة العلمانيين وهو الاستعلاء ، فهم الذين يفهمون ويفقهون ، والشعب لا شيء ، الشعب يحتاج لمن يفكر له وينظر .. اقرأ له واضحك بملء فيك :
" تحتاج المجتمعات، في لحظات التحولات الكبرى، التي عادة ما تعقب الحروب العسكرية والثورات الشعبية ، إلى من يعينها على إدراك عمق مغزاها ويعرف كيف يستثمرها لإحداث نقلة نوعية"  .
تخيل أربعة عشر مليون ونصف مليون مصري ذهبوا للصناديق واختاروا الطريق بإرادتهم الحرة الواعية ، والدكتور حسن نافعة يري أنه هو وإخوانه الأربعة مليون أفهم وأعقل وأعلم من هؤلاء ، وأنه هو وإخوانه من العلمانيين والليبراليين أقدر على تفهيم الشعب عمق المغزى وإحداث النقلات النوعية و ......
هل تعلم أن من هؤلاء الأربعة عشر مليوناً ونصف أساتذة في السياسة والاقتصاد والطب والهندسة وعلوم الاجتماع وانحازوا لرأي تحقره يا دكتور نافعة وتعتبره موقفاً غامضاً من الإخوان تسبب في إنفاذ صبرك ؟
هل تعلم أن بين هؤلاء عمالقة في الفهم والفكر والقضاء والقانون من أمثال المستشار طارق البشري ، أعلم أنك تعلم ، وأخبرك بأن هذه هي المصيبة الأكبر .
 
انتهازية الإخوان .. وفهم الكلام على المزاج
بنفس منطق الأهواء وعدم الاحتكام إلى أسس أو معايير واضحة من علم أو عقل تحدث سليمان الحكيم في مقالته بالمصريين وإقبال بركة في مقالتها وفى تصريحاتها ، وكلاهما أضعف - لسطحيتهما - من التناول بالرد ، ولكني كما قدمت أريد فقط أن أشير للعوار المنهجي في التناول .
يكمن الخلل في أنهم ينسبون قول أو تصريح أو فعل إلى الإخوان لم يقولوه أو يصرحوا به أو يفعلوه ، ثم يبنون عليها مجموعة من الاستنتاجات والاستدلالات والفرضيات ، ويلصقون بالإخوان بعدها كل نقيصة ، حتى لو كان ما نسب من قول أو تصريح أو فعل لا يؤدي بالضرورة للاستنتاج أو الفرضية التي وصلوا إليها .
من ذلك قول سليمان الحكيم أن قادة الجماعة لم تنكر تأييدها المرشح الرئاسي الذي سيعمل على تطبيق الشريعة ... واستدل بما قرره حقيقة واقعة ونسبه للإخوان على انتهازية الإخوان لأنهم يرفضون تأييد حزب الوسط أو حزب النهضة أو أي حزب آخر من الأحزاب التي أعلنت مرجعيتها الإسلامية ؟
ثم استنكر تعيين نائباً مسيحياً لرئيس الحزب معتبراً ذلك تناقضاً بين كون الحزب تابعاً للإخوان المسلمين وأن نائب رئيسه مسيحياً ، وهو ما عبرت عنه إقبال بركة بصيغة أخرى.
هنا لنا ثلاثة تعليقات :
الأول : أنهم يقلبون ما هو منقبة وشرف وميزة إلى عيب وعوار ، وبدلاً من أن يصبح تعيين مسيحياً نائباً لرئيس الحزب دلالة على حرية التعبير والانفتاح وقبول الآخر الذى يتمتع به الإخوان ، أصبح تناقضاً وانتهازية !
الثاني : هم في ذلك كحال من اعترض على جحا حين أردف ابنه خلفه على الحمار ، وحين ركب وحده ، وحين أركب ابنه وحده ، وحين تركوا الحمار ولم يركبوه ... العلمانيون شعارهم في ذلك " معترضون لمجرد الاعتراض  " .
الثالث : وهو موضوع الفقرة عن الكذب والتلون الذى يتمتعون به فبركة مثلاً تقول أن الإخوان ضد ترشح المرأة والقبطى ، مع أن الإخوان أعلنوها مراراً وتكراراً أنهم ليسوا ضد الترشح ولكن اختيارهم الفقهي هو عدم تأييد من يترشح للولاية العامة من النساء أو الأقباط ، وفارق كبير بين حرية الترشح ، وبين أن أختارك عندما تترشح .
يتبع الكذب والتلون : التناقض ، فما علاقة تأييد المرشح الذى سيطبق الشريعة برفضي للانضمام لحزب آخر قال أن مرجعيته إسلامية ولكني أختلف مع أفراده أو شخوصه في مواقف تاريخية محددة أو طبيعة عمل بعينها ، هل لمجرد أن الآخر قال أن مرجعيته إسلامية وجب على تأييده ، أهذه ديمقراطية ؟
ثم لماذا تعطى الآخر حق أن يعلن أن حزبه إسلامياً وتجبرني على اتباعه ، وترفض العكس ، ان أعلن أنا حزباً بمرجعية إسلامية  رغم أني لا ألزم أحداً غير مقتنع بي ولا بفكري أن يتبعني .
أليس هذا قمعاً علمانياً وديكتاتورية وحرمان من الحقوق إلى أبعد الحدود ؟
إن الحزب مجموعة من الأفكار ، ومجموعة من البشر القائمين على تطبيق هذه الأفكار ، ربما لا أعترض على الفكر والمرجعية ، ولكن أليس من حقي أن أعترض - أو حتى لا أعترض - ولكن لا أتبع الأشخاص الذين يطبقون هذه الأفكار دون أن ينقص ذلك من قدرهم شيئا ؟
هذه هي طبيعة المغالطات العلمانية ، يأتي بفرضية حقيقة أو خيالاً ثم يستدل منها استدلالاً ليس بالضرورة يقود إليها ، ثم يستخلص منه شتيمة ليست هي الأخرى النتيجة الطبيعية لتلك الفرضية أو الاستدلال .
أما حسن نافعة في اعتماده على عدم مشاركة الإخوان بجمعة الغضب الثانية للهجوم على انتهازية الإخوان وغموض مواقفهم وكذلك في اعتماده على تصريحات الأستاذ صبحى صالح لتقرير فاشية الإخوان فأحيلك في الرد عليها على الكلمات الوافية للدكتور غزلان في نهاية المقالة ، وكذلك على مقالة الأستاذ جمال سلطان في الرد عليها في مفهومه للديمقراطية .. أيضاً في نهاية المقال ، وفى كلتاهما كفاية وشفاء .
 
هل يوجد علماني أو ليبرالي منصف ؟
وفى النهاية أستطيع أن أسرد عدة نقاط أؤكد بها ما أستهدفه فى هذه المقالة :
أولاً : أثبت الإخوان بأدائهم طوال سنوات القمع والكبت ، وكذلك بعد الثورة فى مواقفهم وبياناتهم قبولهم للآخر وإنصافهم ومرونتهم واعتدالهم ووسطيتهم ومنهجهم السلمي الرائع ، يأتى أكبر دليل على ذلك تعيينهم مسيحياً - من خلال مجلس الشورى العام وهو أعلى هيئة شورية داخل الجماعة – نائباً لرئيس الحزب .
ثانياً : أزعم أنه لا يوجد بين العلمانيين أو الليبراليين من يسمى منصفاً ، بل كلهم فى بغض التيار الدينى سواء يجرفهم ذلك إلى تحريف الأمور عن مواضعها واتخاذ مواقف تفقدهم كثيراً من رصيدهم ، وما الكلمات التى فاه بها المتحدثون الذين طالموا زعموا الحرية والديمقراطية إلا الفاضحة والمؤكدة لذلك .
ثالثاً : العلمانيون يتسمون بالاستعلاء والتحايل على المفاهيم ويلوون أعناق النصوص ويحرفونها لتخدم رؤاهم ولو كلفهم ذلك سمعتهم ، لأنهم لا يركنون إلى منطق ولا علم ، والعجيب أنهم لا يخجلون من ذلك التلون الفج والتحايل الرهيب.
رابعاً : العلمانيون يحسنون وصمك ونقدك وشتمك ، ولكن بشتائم خائبة ساذجة تزيدك أولاً رسوخاً بينك وبين نفسك تماماً كما يفعل الدجال مع أكثر أهل زمانه صلاحاً حين يقتله ثم يحييه فيقول له الرجل الصالح : " ما ازددت فيك إلا يقيناً " يعني بأنه الدجال .
ثم لا تزيدك إلا رسوخاً عند الناس ، لأن العلمانيين قوم شغلوا أنفسهم بالكلام والتنظير والتقعيد ، وتفرغوا له ، فهم أشبه بالمتكئ على الأريكة في غرفة مكيفة ويتحدث عن زحام الأوتوبيسات واضعاً حلولاً للمشكلة من داخل غرفته المكيفة ..
فدعهم يتكلمون ويطنطنون .. فهم رجال الكلام .. ونحن - إن شاء الله - رجال العمل .
________
 
رابط مقالة الدكتور محمود غزلان :
رابط مقالة الأستاذ جمال سلطان :
رابط المقالة السابقة للكاتب للرد على العلمانيين :