07 / 05 / 2011

حازم سعيد :

عن تسكين مجرمي أمن الدولة بالعهد البائد في جهاز الأمن الوطني الجديد أكتب هذه المقالة .. وقد شبهتهم بأمنا الغولة كنوع من الاستخفاف ، فما أورثه هؤلاء من مظالم في نفوس وأبدان المصريين لم يدع لنا فرصة – أي فرصة – لاحترامهم ولا لإمكانية التسامح معهم .
هل هي فوبيا تلك التي انتابت كثيراً من أصدقائي الذين روعتهم الشائعات بعودة أولئك المجرمين وتسكينهم بوظائفهم في جهاز الأمن الوطني ؟
لا أظن ، فكلهم مجمعون على أن ميدان التحرير لم ينقضي ولم يستبدل ، وروحه فينا لم تخمد ، والوثبة التي حققتها الثورة في نفوسنا لم ولن تهدأ إن شاء الله ، وما كان يجرى في القديم لم يعد بالإمكان استحداثه أبداً .
وكذلك فإن ضمانات التعديلات الدستورية الأخيرة ، وما كفلته من الحريات الشخصية ومنع انتهاكها ومنع التصنت على التليفونات أو المراقبات أو حتى التواجد الأمني بالتجمعات .. كلها تضمن تقويض سلطات أولئك المجرمين وعدم إمكانهم في أن يتغولوا كما تغولوا من قبل بإذن الله .
مخاوف مشروعة :
ولكن يبقى لمخاوفي ومخاوف أصدقائي أسباب تضعها في دائرة المشروعة والمبررة :
أولاً : المشكلة في أغلب الأوقات تكمن في العقليات القائمة على التنفيذ وما تربوا عليه ، والانتهاكات تجرى منهم مجرى الدم من العروق ، فهم قوم أشربت نفوسهم حب الظلم ، واحتالوا فيما مضى على القوانين ، وحرفوا المقصود منها لترويع الأبرياء وانتهاكهم ، حتى وصلوا إلى القتل ، وعرفوا كيف يحتالوا على القانون ليخرجوا منها كالشعرة من العجين .
ثانياً : ليس كل المصريين ثوار ، بل هناك كتلة صامتة كبيرة لم تشارك في الثورة ، ولو شاركت فإنها جذوة سرعان ما تنطفئ ، ولست في كل يوم تستطيع أن تحرك هذه الكتلة الصامتة ، لقد استغرقت منا هذه الكتلة أكثر من نصف قرن لنستطيع تحريكها.
بل أظن أن كثيراً من الناس يخافون من إشارة الضابط أو عصا العسكري ، وما كان من هبة الثورة في نفوسهم سرعان ما سيخمد ، ليبقوا خارج الرهان ، فلن يكونوا من أمناء الثورة ولا من حراس مكتسباتها .
ثالثاً : ما أن بدأت ثمار الثورة وجاءت التعديلات الدستورية ، حتى بدأ الثوار أنفسهم يتساقطون داخل دوائر من الاختلاف ، ظهرت واضحة جلية في التعديلات الدستورية الماضية ، وهنا لا أحذر من مجرد الاختلاف ، ولكن من تداعياته والتي ظهر منها تخويف أبناء فصائل من رفقائهم في الثورة والتشكيك في نواياهم بصورة جاءت غريبة ، خاصة ممن كان يثنى بالأمس على نفس الفصيل ، فإذا به مع بداية النقاش حول التعديلات يشتم ويسب ويخوف !! فالخوف كل الخوف من انشغال هؤلاء الثوار كل في دائرته عن حماية الحرية وحق الإنسان الذى اكتسبناه بثورتنا المباركة .
رابعاً : كيف للمجرم أن يقوم على الأمن والحراسة ؟ حول هذا المفهوم هناك إشكاليتان : الأولى هي في تسكين المجرم على نفس وظيفته التي قامت الثورة لتنقضها ، فإذا بنا وبعد أن خمدت الثورة نكافئه ونكرمه ونرحب به في نفس المكان الذى مارس فيه إجرامه من قبل .
الإشكالية الثانية هي في تجاهل مطالب الثوار بمحاكمة هؤلاء المجرمين الذين ثبت إجرامهم بالأدلة المتواترة القطعية ، كيف ، ولماذا ، ولمصلحة من يتم هذا التحدي في وضح النهار للثوار ؟
مطالب وضمانات :
المطلب الأول والبديهي والذى لا نزوح عنه هو عدم تسكين أياً من هؤلاء المجرمين  في أماكن من الأمن الوطني ولا في غيره من المواقع السيادية والتي يمكن لهم فيها استغلال نفوذهم في ترويع المواطنين أو إرهابهم أو ارتكاب مظالم في حقهم .
المطلب الثاني : محاكمتهم وعزل والقصاص ممن يثبت إدانته بجرائم في حق المواطنين العزل ، وممن تسبب في انتهاك ومسخ أدمية المئات من المواطنين ، وممن صادر أموالاً من الشرفاء أو حبسهم أو لفق لهم تهم ، أو عذب وقتل أبرياء .
المطلب أو الضمانة الثالثة : هي في وحدة الثوار على الحد الأدنى من المطالب الرئيسية للثورة ، وبقاء المجالس المتخصصة التي أنشئت بعد الثورة للحفاظ عليها متيقظة لكل محاولات الالتفاف عليها ، وعلى رأسها مجلس أمناء الثورة .
المطلب أو الضمانة الرابعة : هى التفكير فى خطوات عملية واضحة من قبل رموز العمل الوطنى ، ومن قبل الثوار ، ومن قبل كل من يهمهم شأن هذه الثورة والحفاظ على مكتسباتها ، ومن ضمن الخطوات قيام كل من تعرض للانتهاك من قبل مجرمي هذا الجهاز البائد بتقديم بلاغات للنائب العام ضد هؤلاء المجرمين حتى يرتدع من يسكنهم فى وظائفهم عن هذه الفعلة الشنيعة فى حق الحرية وفى حق الثورة وفى حق مصر .
المطلب أو الضمانة الخامسة : وهي موجهة لكل الأفراد – أنا وأنت - في عدم الخوف ، وعدم السماح لمجرمي الجهاز البائد لانتهاكنا مرة أخري ، وأبسط صور الانتهاك مجرد التواجد لمراقبة أو متابعة تجمعاتنا ، وأنا شخصياً لو رأيت مجرماً من مجرمي أمن الدولة في أي من تجمعاتنا أو أنشطتنا فسأريه ما يكره ويردعه ألا يكررها أبداً ، بل ويجعل منه عبرة للعالمين ... لست وحدى .. بل أنا وجميع إخواني ..
هذا كله مع اعتراضي بالكلية علي أن تقوم الحكومة المؤقتة والتي غرضها تسيير الأعمال إلى أن تتم الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية وتأسيس حكومة جديدة بإنشاء هذا الجهاز ، ولا أظن أن هذا من صلاحياتها .. والله أعلم
--------------
روابط لمقالات قديمة عن أمن الدولة ثم عن الأمن الوطنى :