16 / 04 / 2011
حازم سعيد :
كلمة ترددت خلال الأيام الماضية من بعض المنتمين للإخوان فى ثلاثة مواقف ..
الأول : لبعض الشباب الذين لم يعجبهم قرار الإخوان المنطقى بأنه لا يجوز لعضو الإخوان الانتماء لغير حزب الإخوان ، فما كان منهم إلا أن قالوا بأنهم سيضطروا للاستقالة من الإخوان كى يتاح لهم فرصة الانضمام لحزب آخر إن أعجبهم برنامجه !
والثانى : لبعض الشباب ممن يعانى مشاكل مع أخيه " النقيب " - وهو اللفظ الذى أحبه - واللفظ الآخر " مسئوله " ، فيقول أنه سيظل على وفائه للفكرة الإخوانية ولكنه ربما يترك التنظيم .
والثالث : للرمز الإخوانى المشهور الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد السابق وعضو مجلس الشورى العام للإخوان ، وكان سياق كلام الدكتور مختلفاً عن سابقيه حيث أعلن أنه في حال ما إذا قرر خوض انتخابات الرئاسة – من أجل مصر ومصلحتها العظمى التى تعلو فوق مصلحة كل أحد بما فيهم الإخوان – فإنه سوف يستقيل من الإخوان لأن الإخوان قرروا عدم خوض انتخابات الرئاسة .
ويقف أبناء جيلى مشدوهين مستغربين من كل هذه المواقف ، ونحن أبناء الجيل الذى تلقى عن جيل الدكتور عبد المنعم وإخوانه ، وسبقنا الجيل التالى الذى يردد بعض أفراده – على قلتهم – نفس المقالة بمضامين ومبررات مختلفة !
وسر وقوفنا مشدوهين أن كل المضامين والمبررات التى ساقها الملوحون بالاستقالة تخرج بالكلية عما تعلمناه من مبادئ وأسس وثوابت في هذه المدرسة العظيمة " الإخوان المسلمين " .
لذلك جاءت فكرة هذه المقالة لنتأمل فى بعض الأفكار والمضامين ومدلولاتها التى قالها الملوحون بالاستقالة فى الثلاثة مواقف والرد عليها وتبيين خطورة ما تنبنى عليه .
تمهيد :
فى بداية الرد أتذكر كلمة قالها الدكتور أنور شحاتة - رحمه الله - وهو أحد الرموز الإخوانية بقلب الدلتا والذى توفاه الله منذ سنين ، وهو بالمناسبة من جيل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ، وكان له جملة رددها لأحد إخوانه من أعضاء مكتب الإرشاد الحاليين حين ظن به إخوانه أنه سوف يذهب مع من ذهب من حزب الوسط ، فكان له قولة جميلة تدل على وفاء لا يعدو عليه تلون حين قال - وهو معتقل - : يا فلان ، أبلغ إخوانك أن الإخوان بالنسبة لى مثل هذ البناية التى نحتجز فيها مهما رجعت بظهرى فسيصدمنى السور ويحجزنى ، وأنا لن أقفز من فوق سور الإخوان .. أو كلمة نحو ذلك ..
ولم يكن الدكتور أنور – عليه رحمة الله – يفصل حينها بين الفكرة والتنظيم ، لأن أبناء حزب الوسط حينما أعلنوا الخروج فإنهم قصدوا الإطار التنظيمى دون الفكرى ، فالدكتور - رحمه الله - قصد التنظيم الذى يحرس الفكرة .
أولاً : أهانت عليك جماعتك ؟
الإخوان أيها السادة ليست نزهة أو رحلة خلوية يعترينى معها ظرف من الظروف فأقطعها ، وليست شركة اقتصادية أجد فرصة عمل فى غيرها بظروف أحسن منها فأغادرها .
الإخوان ليست موطناً أقهر فيه أو يضيق على معايشى فأغادره لغيره ملتمساً للعيشة الكريمة .
الإخوان أيها السادة - بيعة - مع الله عز وجل ، وميثاق وعهد ، قطعته على نفسى بحر إرادتى ، وتعلمت فيه وعلمت غيرى أن قيمتى ومكانتى أستمدها من سمو الفكرة التى أنتمى إليها ، ثم من إخوانى العظام الذين أتربى معهم وأعايشهم وأشعر معهم بعمق الأخوة الإيمانية التى تربطنا .
الإخوان هى الموطن الذى التمسناه فى أوقات التضييق والاعتقالات ، وهى المثابة التى منحتنا النفس والروح التى تبلغنا بها هذا الطريق الوعر إلى أن أعز الله بلدنا بهذه الحرية التى ننعم بها الآن .
الإخوان هى التى صنعتنا - بعد الله – وصنعت قيمتنا ، وهى – بعد الإسلام – أحد مظاهر عزتنا ورمزيتنا بين الناس ، ووالله لقد كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام ، ثم أعزنا بالإخوان ، ومهما ابتغينا العزة في غير ذلك فلن نجدها أبداً .
الإخوان كانت وستظل المثابة الكبرى التى أوى إليها كثير من أبناء هذه الأمة المخلصين بعد انهيار الخلافة الإسلامية ، فكانت المشروع الحضارى الأكبر لنهضة الأمة من كبوتها ومحاولة إعادة الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة الأولى وأستاذية العالم .
أفتراودنى نفسى – هكذا – وبكل هذه السهولة والبساطة أن أجرؤ على أن أحدث نفسى – ناهيك أن أعلنها – أنى يمكن أن أغادر هذه الجماعة ، مهما كانت مبرراتى أو أفكارى أو غايتى ؟!!!!!!
هنا يحضرنى نموذج آخر غير ما سقته عن الدكتور أنور رحمه الله – وهو نموذج أحد الرعيل الأول الذين التقيناهم وكانت له كلمة تكتب من ذهب قال لنا لو قطعتم شرايين يدى فلن تنزف دماً أحمراً ، وإنما ستنزف إخوان ، لأن جماعة الإخوان تجرى منى مجرى الدم من العروق .
أفكيان مثل هذا يجرى في شراييننا وأوردتنا بدلاً من الدم يمكن أن أهم – مجرد الهم – أن أغادره لأى سبب كائناً من كان ؟!!!
ثانياً : المؤمن بإخوانه كثير
مهما ظن الواحد منا أن له قيمة أو عمق تجربة أو فكرة أو رصيد يمكن أن تقوم به بمفرده ، فلن يكون موفقاً في ظنه هذا ، وتجارب من قبلنا تؤكد ذلك ، وآخر تجربة شاهدناها بعين رؤوسنا وعشناها حية ماثلة للعيان هي تجربة من خرج من الإخوان بسبب حزب الوسط .
لقد استقلوا عن الإخوان معترضين على تأجيل قرار تأسيس الحزب في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي ، فماذا جنوا ؟ ومتى تأسس لهم حزبهم ؟
لم يتأسس الحزب ويعطى الصلاحية إلا مع عهد الحرية الجديد ، لقد بذلوا ما بذلوا وأنفقوا من أوقاتهم وأعمارهم وخرجوا عن الإخوان وقدموا ما استطاعوا من تنازلات على قدر ما قدموا ، ورغم ذلك فلم يعطوا الحزب إلا في عهد الحرية الجديد وفى نفس التوقيت الذى قرر فيه الإخوان تاسيس حزبهم ، فبماذا انتفعوا من وراء خروجهم عن الإخوان ؟ وكم استفادوا ؟ إن فى هذا لدرس كبير لهم ولنا ولكل من عايش التجربة .
وهم وإن كانوا مجموعة إلا أنهم بالنسبة للإخوان أفراد ، فالمرء بنفسه قليل وبإخوانه كثير .
هذا من ناحية الأسباب المادية المجردة ، أما من جهة البعد الإيمانى والقيمى فإنى هنا أتذكر – وقد يظنه القارئ مثلاً بعيداً ، وإنما هو مثل بالغ الدلالة وعميقها ومرتبط بالموضوع أشد ارتباط – أتذكر القصة الشهيرة بين أخوين من الرعيل الأول من الإخوان سجنا سوياً حوالى عشرين سنة في سجن عبد الناصر ثم خرجا وذهب أحدهم للخليج وعمل أكثر من عشرين سنة ولم يحضر لمصر ولا مرة واحدة ، ثم قرر العودة ، وفى يوم عودته وهو في المطار قال لابنه هيا بنا نذهب لأخى فلان في الفيوم لأنى لم أره منذ عشرين سنة ولم أكلمه ، فألح ابنه عليه في الراحة ثم الذهاب في اليوم التالى لأخيه ، إلا أن إصرار العائد من السفر كان أكبر من أن يصمد أمامه الابن .
وبالفعل ذهبا لمنزل أخيه ليدقا جرس البيت فيخرج الابن الأكبر لذلك الأخ الذى بقى في مصر ، وحين عرف العائد من السفر ابن أخيه بنفسه وقف الابن مشدوهاً ليس على لسانه سوى جملة واحدة : ما الذى جاء بك الآن ؟ كررها مرتين أو ثلاثة والرجل مستغرب متعجب .
فإذا بالابن يحل اللغز ويبين سر سؤاله ليقول للأخ الزائر : إن أبى توفى الآن في هذه اللحظات ، وكان من وصيته أن لا يغسله ولا يصلى عليه ولا يدفنه سواك أنت ، وكنا في حيرة من أمرنا أنخالف وصية أبينا أم كيف نجئ بك ولا نعرف لك أرضاً ولا سماءاً ، وقد جاء الله بك الآن لتخرجنا من حيرتنا ...
إن من يقرأ هذه القصة - وهى موثقة من أساتذتنا بالإخوان - ويتدبرها ويفهم المغزى من ورائها ، والوفاء الذى يأتى للأخ بأخيه حتى وهو ميت ليعلم سر تعجبى ودهشتى واستنكارى للتفكير ، مجرد التفكير في الخروج من الإخوان .
ويعلم مدى البعد والبون الشاسع بين ما يتردد من أقوال وأفكار ومفاهيم حول الاستقالة من الإخوان وبين ما عليه الإخوان من مبادئ وأسس وافكار .
ثالثاً : هل هناك فصل بين الإخوان كفكرة أو كتنظيم
وقد قال القائل أنى لن أخرج عن الإخوان وإنما فقط سأغادر التنظيم ، لأنى كنت ولا زلت أحد رواد مدرسة الإخوان الفكرية التى يقودها الدكتور القرضاوى ، وهى المدرسة التى تختلف عن الإطار التنظيمى !
وأجيب على هذا الكلام بالسؤال الذى جعلته عنواناً للفقرة ، وأردف له بسؤال آخر :
وهل هناك ما يسمى بالمدرسة الفكرية العامة التى تحتوى الإخوان ويمكن لبعض الناس أن يخرج عن إطارها التنظيمى ويبقى إخوانياً ؟ .
وهنا ننبه أن الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوى لم يردد هذا الكلام ولا المضمون أبداً بأى صورة من الصور ، فمن أين جئ بهذا الفهم .
هذا من الناحية الأولى ، ثم من الجانب الآخر فإن الذى تعلمناه على جيل الدكتور عبد المنعم ورفاقه وعلمناه لغيرنا ، أن الإخوان حالة ووصف لما يعرف بمجموعة الأفكار والقيم المناهج والمبادئ والأسس والثوابت التى بنيت عليها هذه الدعوة وكذلك على مجموعة حراس هذه الأفكار والقيم والملتزمين بها في الإطار التنظيمى الذى يعرف باسم الإخوان .
وإلا لما سميت الجماعة باسم الإخوان ، وإنما كان من الممكن حينها أن نسميها جماعة الأخوة الإسلامية ، لأننا حينها نتحدث عن مدرسة فكرية ترتبط بقيمة الأخوة وتدور حولها بغض النظر عمن يرتبط بهذا الفهم تنظيماً .
أما وأنها تسمى الإخوان فإنها تعنى أولئك التنظيميين المندرجين تحت هذه الجماعة والدعوة بهذه الأفكار والمبادئ .
حتى أنك حين تلاحظ عمل الإخوان ومناهجهم وبرامجهم وإطارهم الفكرى تجد أنه مبنى على العقل الجمعى الذى يجمع لا يفرق ، وتجد أن لغة " نا " هى الغالبة في مثل الله غايتـ " نا " والرسول قدوتـ " نا " ، لأننا نتحدث عن مجموع الأفراد والأفكار .
من الذى جزأ هذا عن ذاك ؟ وكيف ؟ ولماذا ؟ كلام غريب لم يعلمنا أحد من أساتذتنا في الإخوان ولا قرأنا مثله في فكر الإخوان ولا مبادئهم .
رابعاً : أنا لم أعتبر المصلحة العامة وإنما قدست عقلى ورؤيتى للمصلحة
إن المصلحة العامة ومفادها ومناطها شئ ورؤيتى الشخصية وتقديرى لها أمر آخر تماماً .
وهنا تكمن عبقرية الشيخ الدكتور القرضاوى في كثير من تأصيلاته وفقه للمسائل المعاصرة حين يقول عنها أنها تحتاج لاجتهاد جماعى وليس فردى ، وأن كثيراً من المسائل التى يتعرض لها المسلم في حياته المعاصرة تحتاج إلى رأي العالم الشرعى بجوار الاقتصادى بجوار الطبيب بجوار عالم الاجتماعى بجوار السياسى ...
وكل هؤلاء عندهم الخلفيات الشرعية المناسبة لنخرج في النهاية بالفقه الجماعى الاجتهادى ..
ذلك أن كثيراً من المصالح العامة وتقديرها يحتاج لرأي مجموع الأفراد المختصين الثقات وليس لرأي فرد مهما بلغت خبراته أو تجاربه ، فإن خرج واحد منهم عن إجماعهم كانت الغلبة والبركة والرأي للمجموع وليس للفرد .
وحين أختلف في تقدير المصلحة وأخالف المجموع ، وأصر على هذه المخالفة فإنى حينها أقدس عقلى ورأيى واجتهادى ، ولست أقدس المصلحة .
حين يقدر الإخوان أن الصالح العام لمصر الآن هو ألا نرشح أحد الإخوان لرئاسة الجمهورية ، وألا نغالب على مجلسى الشعب والشورى ، وأخرج أنا على هذا التقدير والإجماع بمفردى وأقرر أن الصالح يتمثل في أن أترشح – وأنا الرمز الإخوانى – لرئاسة الجمهورية ، مع علمى بما يسببه هذا الكلام من أقاويل للإخوان – الذين خالفتهم – ومن أنها حيلة وتمثيلية للخروج من ميثاق عدم الترشح لرئاسة الجمهورية والذى قطعه الإخوان على أنفسهم .. فيتهم الإخوان ويظن بهم الظنون .
حين يحدث ذلك للإخوان – بسببى – ورغم ذلك أصر على المخالفة ، فأنا لست أقوم إلا بتقديس رأيى وعقلى وتقديرى الشخصى للمصلحة العامة ، وهو ما يختلف تماماً عن المصلحة العامة ذاتها ، حيث أن نظرتى للمصلحة ليست هى المصلحة .
خامساً : الإخوان أيضاً يراعون المصلحة العامة ويعملون لها
ثم إن هذا الكلام بالغ الخطورة ويحمل نقداً غير موضوعياً للإخوان ويصور الإخوان وكأنهم ذوى أجندة خاصة يعملون لصالحهم بحيث أن مصلحة مصر العامة تتعارض معها وأنها أشمل وأعم من مصلحة الإخوان .
فمن الذى قال أن قرار الإخوان غير مبنى على المصلحة ، ومن الذى جعل هناك تعارضاً بين مصلحة الإخوان وبين مصلحة مصر ، ولمصلحة من أوحى بهذا المعنى ؟
إن الإخوان لم يقوموا ولم يؤسسوا إلا لمصلحة مصر هى وكل شقيقاتها من دول العالم الإسلامى ، بل أقول هى وكل العالم .
وإن من يقرأ كلمات البنا – رحمه الله – بعين قلبه يدرك معنى هذا الكلام ، اقرأ معى وتدبر :
نحب مع هذا أن يعلم قومنا – وكل المسلمين قومنا – أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة بريئة نزيهة، قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية، واحتقرت المنافع المادية، وخلفت وراءها الأهواء والأغراض، ومضت قدما في الطريق التي رسمها الحق تبارك وتعالى للداعين إليه.
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
فلسنا نسأل الناس شيئًا، ولا نقتضيهم مالا ولا نطالبهم بأجر، ولا نستزيد بهم وجاهة، ولا نريد منهم جزاءً ولا شكورًا، إن أجرنا في ذلك إلا على الذي فطرنا.
و نحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمنًا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء.
وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا، فأقضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا..
فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم في يوم من الأيام.
و لسنا نمتن بشيء ولا نرى لأنفسنا في ذلك فضلا، وإنما نعتقد قول الله تعالى: ( بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) وكم نتمنى – لو تنفع المنى – أن تتفتح هذه القلوب على مرأى ومسمع من أمتنا، فينظر إخواننا هل يرون فيها إلا حب الخير لهم والإشفاق عليـهم والتـفاني في صـالحهم ." انتهى كلام الإمام رحمه الله .
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
فلسنا نسأل الناس شيئًا، ولا نقتضيهم مالا ولا نطالبهم بأجر، ولا نستزيد بهم وجاهة، ولا نريد منهم جزاءً ولا شكورًا، إن أجرنا في ذلك إلا على الذي فطرنا.
و نحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمنًا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء.
وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا، فأقضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا..
فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم في يوم من الأيام.
و لسنا نمتن بشيء ولا نرى لأنفسنا في ذلك فضلا، وإنما نعتقد قول الله تعالى: ( بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) وكم نتمنى – لو تنفع المنى – أن تتفتح هذه القلوب على مرأى ومسمع من أمتنا، فينظر إخواننا هل يرون فيها إلا حب الخير لهم والإشفاق عليـهم والتـفاني في صـالحهم ." انتهى كلام الإمام رحمه الله .
أفبعد هذا الكلام أجعل الإخوان جزءاً من كل وأصنع تعارضاً وهمياً بين غايات الإخوان الكلية ومبادئها وتقديرها للمصلحة وبين الصالح العام لمصر ؟!
أوجه كثيرة للرد على الكلام حاولت اختصارها ما استطعت إلى ذلك سبيلاً ، وقد آثرت أن يكون في مجمله تفنيداً لما قاله الرمز الإخوانى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح من تصريح وتلميح وجعلت له أولوية عن تفنيد مبررات الشباب لخطورة ما يصدر عن الرمز .
ولأن القول لو جاء من الشباب الذين لم يمروا بمناخات تربية تصقلهم أو لم يعايشوا شيوخ الدعوة وأساتذتهم لحداثة عمرهم بالجماعة ، أو لمناخات التضييق التى مررنا بها ولم يروا غيرها .. فقد نلتمس لهم العذر .
أما أن يصدر هذا الكلام من رمز من رموز الإخوان ، فهو الأمر الذى لابد له من وقفة ، وهو عزيز على نفسى لأن جيلى وإن كان شاهد بعض الرعيل الأول للإخوان فإن تلمذته الحقيقية كانت على جيل الدكتور عبد المنعم ..
أسأل الله أن يعيننا على أنفسنا وأن يهدينا رشدنا وأن يوحد صفنا ، إنه على ذلك قدير ، وهو نعم المولى ونعم النصير .

