29 / 03 / 2011
حازم سعيد :
لقد أثارتني - كما أثارت غيرى من عموم الإسلاميين - تصريحات الشيخ يعقوب عن غزوة الصناديق ، وأخص بالذكر هنا جموعاً كثيرة من السلفيين ، تربطني بهم علاقات شخصية وطيدة مبينة على الحب والتفاهم ..
والسلفيون عموماً - على إنكارهم لتصريحات الشيخ - بين فصيلين ..
بين ملتمسٍ العذر للشيخ ، يقول أنه أخطأ من شدة الفرح ، كما فعل الدكتور محمد بن إسماعيل المقدم – العالم والرمز السلفي المشهور - والذى أعلن أن الشيخ أخطأ من شدة الفرح ومثله بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة , فانفلتت منه , وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك – أخطأ من شدة الفرح – " وهو حديث ثابت في الصحيحين .
والفصيل الآخر – من السلفيين - أنكر أشد الإنكار على الشيخ مثل هذه التصريحات ، لما فيها من البعد الحقيقي عن مضمون ومحتوى وفقه التعديلات الدستورية الأخيرة وعلى رأس هؤلاء فضيلة العالم السلفي المجاهد الدكتور محمد عبد المقصود ، وهو الذى شارك بوقته وجهده وعلمه في هذه الثورة المباركة في قلب ميدان التحرير ، وكان من غزارة فقهه حريصاً على توضيح إشكاليات وشبهات رد بها على بعض من أنكروا الخروج على الحاكم بدعاوى مختلفة فكان رمزاً للعالم العامل ..
وأنا شخصياً – وبحكم علاقتي الوثيقة بالسلفيين ، وتتلمذي على بعض علماء السلفية – أزعم أنى أنتمى لهذا الفصيل الأخير الذى أنكر على الشيخ يعقوب .. ليس بعد الثورة ، وإنما من قبلها ، وأنا حين أنكر على الشيخ يعقوب لست فقط أنكر تصريحاً أو جملة فاه بها ، وإنما أنكر عليه منهجه الذى أظنه - وعظياً تخديرياً – يصرف الناس عن الجهاد الحقيقى فى أوقات الجهاد سواءاً بالجهاد بالنفس والمال أو بكلمة حق عند سلطان جائر إلى ما يعلنه فى كل الأوقات عن فقه القلوب وصلاح القلوب وعلاج القلوب ...
نعم ، إن أي إصلاح سياسي أو جهادى لابد أن يسبق بفقه القلوب وصلاحها وتخليصها من آفاتها وعلاجها من المعاصي وأطرها على العبودية لله ، وتخليص القلب من الأهواء والشهوات والشبهات ، وإرغامه على القبول والطاعة والتسليم لله وللرسول صلى الله عليه وسلم ..
ولكن حين يقف الناس – كل الناس – للحاكم الظالم ويقولون له قولة حق ، وتقول أنت للناس دعكم من هذا اشغلوا أنفسكم بالذكر وإصلاح القلب ، فلا أستطيع أن أجد لك مسوغاً شرعياً ، ولا أستطيع أن أفهم سلم أولوياتك ومراتب العمل عندك فى ضوء الشرع الحكيم .
وحين يحاصر المسلمون فى غزة ويقتلهم اليهود ويجوعونهم ، ويتآمرون مع حكومات ظالمة على تجويعهم وقطع المدد عنهم ، فيقف الناس – كل الناس ، ومنهم السلفيون - على قلب رجل واحد لينكروا هذا العدوان ، فتقوم أنت وتقول أن حماس أخطأت وأنها هى السبب ، أو تقول للناس وماذا ستفعل مظاهراتكم .. اشغلوا أنفسكم بذكر الله ، فأنت حينها تخدر الناس وتصرفهم عن واجب الوقت وعن فريضته ..
ولى فيها من سلفنا الصالح خير سابقة : العالم المجاهد عبد الله بن المبارك حين أرسل للعالم الربانى الفضيل بن عياض معاتباً : يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب .
حتى عندما أردت أن تخوض في ساس يسوس - وأنت الذى طالما ابتعدت عنها فى أحلك الأوقات - حين خضت فى هذه السياسة قلبت الطاولة على إخوانك من الإسلاميين - وخاصة السلفيين - .
وهنا ينبغى التنبيه أننى لا أنكر على السلفية أو السلفيين ، وإنما أنكر على الشيخ وحده ، كذلك فإنى بنقدى وإنكارى لا أنتقص الشيخ ، وإنما أعترض على منهجه الذى ارتضاه لنفسه فى خطابه الوعظى والإرشادى ، وإلا فإن مثل الشيخ عندي بأمثال جبال من ثلة النخبة العلمانية التى اعترضت عليه .
وللعلمانيين غزوات ..
ولمثل هؤلاء أكتب المقالة من الأصل – ولكنى أحببت أن أعرض لهم موقفى من تصريحات الشيخ ومن منهجه – لا على سبيل ترضيتهم أو كسب ولائهم – فهم لا يستحقون – وإنما حتى لا أترك لهم أى فرصة ليقولوا أنى من حرصى على الشيخ ومن اصطفافى معه فى نفس خندقه الإسلامى أبرر له الموقف ، أو أهاجمهم انتقاماً له .
العلمانيون العرب ثلة من الناس خدعتهم ثقافة الغرب وغلبت عليهم أهواؤهم وشهواتهم فصاروا يحاربون الدين والتدين بعقلهم المقلد للغرب ، التابع لثقافته ، الذليل لقادته .
كم أخطأوا في حق الدين وأنكروا مسلماته وأبجدياته والمعلوم منه بالضرورة ، حتى صاروا يتهكمون في قصصهم ومؤلفاتهم من الله سبحانه – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً _ .
وكم أجرموا في حق المتدينين بإطلاق حملات التشويه والترهيب ضدهم مرات ومرات ، وما حملتهم ضد الشيخ يعقوب إلا واحدة من أخواتها .. الفارق هنا أن الشيخ هو الذى أعطاهم الفرصة .
وكم بالغوا في الثناء على من يسب الدين ويجعلونها حرية رأى وفكر ، وأن الإنسان حر في أن يعلن رأيه ، فما بالكم تدافعون أشد الدفاع عمن يسب الله والرسول وتزعمونها حرية – طالما ارتفعتم بسقف حريتكم لهذه الدرجة - ، وتأبون على الشيخ رأياً ارتضاه لنفسه أو لأتباعه أياً كان هذا الرأي ، وهو لم يفعل سوى أن أظهر فرحه بنتيجة الاستفتاء .
وكم تناقضوا مع أنفسهم وهم يهاجمون المنقبة والملتحي ويحرمونهم من حقهم الطبيعي في الوظائف والترقي والحياة الطبيعية في محافل العلم بالجامعات والمدارس ، حتى منعوهم من ارتياد نوادي الشرطة أو الجيش حتى لو كان ذلك على سبيل المجاملة في فرح من الأفراح .
كم أظهروا بالغ حزنهم لأى مظهر من مظاهر الدين والتدين حتى لو كانت على سبيل رد الأمر كله لله وتفويض الأمر لله والذى هو أحد مظاهر العبودية لله ، حين يهتف المتظاهرون في التحرير : " الله وحده أسقط النظام " يعترضون ويعتبرونها تطرفاً كذلك الطبيب العلماني الذى يملأ الآفاق حرباً على كل ما يمت لقال الله وقال الرسول ، حتى حين يذكر أحدهم حديثاً صحيحاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الاستشفاء من أحد الأمراض فإنه يعتبر ذلك تخلفاً ورجعية .
فماذا جنت مصر من كل هؤلاء :
جنت مصر سنوات ستين من التخلف والقهر والاستبداد ، والطغيان ، والطوارئ ، لأنهم كانوا طبالي وزماري الأنظمة السابقة .
جنت مصر منهم كل التخلف الاقتصادي الذى ترفل فيه ، والديون التي تثقل كاهلها ، والبطالة ومشاكل العنوسة والزواج والربا والتضخم والفقر ، فهم كانوا سدنة النظام السابق الذين تربحوا من ورائه مقابل تزيين جرائمه وتزييفها على الناس .
جنت مصر منهم الأمراض والأوبئة والسرطانات والتخلف فى علاج هذه الأمراض ، فهم من كانوا يمدحون النظام ويسبحون بحمده ليل نهار ، وارتضوا أن يكونوا من سدنته .
جنت مصر منهم كل الأمراض الاجتماعية من فحش الزنا والانحلال الأخلاقي الرهيب ومن عقوق الوالدين ومن عدم احترام الكبير ، وهم من رسخوا لهذه الأمراض بكتاباتهم وقصصهم وإعلامهم الفضائحي الرهيب .
جنت مصر منهم هذا التخلف التعليمي والتربوي الفادح الذى تعانى منه مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا ، فهم من رسخوا بكتاباتهم وبرامجهم ولقاءاتهم ومنتدياتهم لهذا التخلف ، ومدحوا الأنظمة السابقة ، وشغلوا الناس وجروهم إلى قضايا فرعية ، وصرفوا اهتمامهم إلى القضايا الهامشية التافهة فجعلوا من انتصار المنتخب القومي في مباراة كرة عيداً وحرباً وجولةً ، فى حين غضوا الطرف عن مصائب الأنظمة الظالمة وجبروتها وعمالتها وفسادها ، بالمناسبة : أيستحق لفظ الغزوة من الشيخ يعقوب كل هذا الضجيج ، ولا يستحق تتفيه الأمور وتهميشها وإطلاق ألفاظ المعركة والجولة والحرب على مباراة كرة ولو إشارة ؟!
جنت منهم مصر الفتنة الطائفية ، حين ركزوا بؤرة اهتمامهم على ذلة لسان لشيخ لم يعهد عنه إلا الحديث فى الفضيلة وطاعة الله ، وتغافلوا عن أفظع منها لأقباط المهجر وهم من أدمنوا حديث الفتنة ، أو لبعض قساوسة فى الكنائس يحذرون الناس من الحكم الإسلامى ويحشدون الناس للتصويت على أساس طائفي بغيض .
وحين يصرح ساويرس أنه " اتكلفت " فى الاستفتاء ، لكنه مستعد للخناقة الجاية !!! أليس لفظ " الخناقة " يستحق ولو إشارة من بعيد ؟
هذا الانحياز السافر البغيض ضد الخطأ من جانب الإسلاميين والتجاهل التام المطبق ضد الخطأ الكنسى المسيحى هو من أول أسباب الفتنة الطائفية البغيضة التى يحاول العلمانيون زرعها فى مصر .
فلماذا لم نسمع لكم حساً أيها العلمانيون ؟ لأنكم قوم لا تملكون من العدل والإنصاف شيئاً ، أنتم دعاة ديمقراطية لا تتحلون بها لا فكراً ولا خلقاً .
أنتم أيها العلمانيون أصحاب غزوات كبرى على الدين والخلق والفضيلة والحياة القويمة قبل وبعد الثورة ، وأنتم أصحاب غزوات أبشع على استقرار مصر وعلى أمنها وعلى قرارها .. وذلك ما سأتناوله في مقالات لاحقة أفضح فيها مؤامراتكم ، وأبين فيها إفسادكم فى حق مصر والمصريين إن شاء الله .
============
كلمة للعالم الدكتور محمد عبد المقصود فى الإنكار على رعونة الخطاب الإعلامى :

