26/3/2011
ممدوح المنير
بعد نجاح الثورة المصرية كثر الحديث عن موقف الإخوان من الأحزاب و الحياة الحزبية و تعددت سهام الإتهامات الموجهة للإخوان بحسن نية أحيانا و بسوء نية أكثر .
خاصة و أن الكثيريين ينظرون للإخوان على أنهم البديل الأكثر إحتمالا للنظام البائد لما يتمتعوا به من شعبية جماهيرية و قدرات تنظيمية عالية ، و هذا الوضع بطبيعة الحال لا يعجب الكثيرين الذين سوف تفضحهم الديمقراطية أكثر مما فضحهم الإستبداد كيف ؟
فى عهد الإستبداد كانت الحجة المعهودة لعدد كبير من الأحزاب لعدم الإلتحام بالشارع هو التضييق الكبير الذى عانته هذه الأحزاب على يد النظام السابق ، و هى حجة منطقية ومقبولة لا ريب ، لكن لا يستطيع أحد لديه عقل يفكر و عينان ترى أن ينكر أن حجم التضييق لا يقارن على الإطلاق بما تعرض له الإخوان على يد مبارك و رجاله ، بل لا يوجد وجه للمقارنة أصلا بين الفريقين فى حجم التعسف و الظلم الواقع على الإخوان و غيرهم ، و رغم هذا كان شعبية الإخوان تزداد بإطراد فى المجالس النيابية و فى النقابات المهنية و فى نوادى أعضاء هيئة التدريس و فى كل إنتخابات تتسم بقدر من الحرية .
و بناءا عليه تصبح أجواء الحرية و الديمقراطية التى تعيشها مصر ، ساحة إختبار حقيقية للجميع بما فيها الإخوان ، وسوف يصبح لذاما على الجميع أن ينزل إلى الشارع و يحتك بالجماهير و يتحمل كافة ألوان التعب البدنى و الإجهاد الذهنى و الشد العصبى الذى يفرضه العمل السياسى الجماهيرى ، عندها فقط سيحدث فرز لكافة ألوان المعارضة المصرية ليسقط من يسقط فى أول الطريق ويبقى من يبقى إلى نهايته .
فهل ستتحمل الأحزاب المصرية هذا الحراك السياسى الكبير ؟ ، فى الحقيقة لا نستطيع أن نعمم الإجابة على هذا السؤال فالأحزاب المصرية ليست طيفا واحدا و إن كان غالبها الأعم هى أحزاب كرتونية أوجدها النظام البائد لإصطناع معارضة ديكورية و أعتقد أنها إنتهت معه عمليا ، و هناك أحزاب أخرى تحظى بجماهيرية إعلامية و ليست شعبية ، بمعنى أن وجودهم فى غالبه الأعم أمام عدسات الكاميرات مما يعطى إحساسا زائفا للمشاهد بقوتها و شعبيتها فى حين أنها لا يوجد لها تقريبا على اى قواعد حزبية أو شعبية على الأرض و هذه سرعان ما ستنكشف سريعا فى أول إنتخابات حرة تجرى قريبا .
يبقى فصيل آخر من هذه الأحزاب و هو يضم أحزاب حقيقة لكن برامجها لا تناسب الشعب المصرى الذى من الصعب عليه أن يفهم الإيديولوجية التى تتبناها هذه الأحزاب ‘ فما بالك بالإقتناع بها و تنفيذها و العمل من أجلها ، و هناك أحزاب وليدة أو تم إضعافها من قبل النظام السابق ، و هذه الأحزاب تسعى بالفعل للإحتكاك بالجماهير و كسب ثقتهم و هذه هى الأحزاب المرشحة للإستمرار و التنافس على كسب ثقبة المواطنين لبرامجها و هم الذين سيشكلون منافسا محترما و معتبرا لجماعة الإخوان المسلمين .
أما بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين فامامها العديد من الفرص و التهديدات و بقدر إستيعابها و تفاعلها السريع مع الأحداث من حولها سوف تتحدد فرص الربح و الخسارة لدى الجماعة .
بالنسبة للفرص فهم بالفعل الفصيل الأكثر شعبية و جماهيرية و مصداقية لدى شريحة كبيرة من المواطنين ، و هم بالفعل الأكثر قدرة و تنظيما ، كما أنهم يتسمون بالعملانية أكثر من التنظير الذى تقع فيه معظم الأحزاب ، كما أن لديهم كوادر محترفة فى مجالات عديدة و عقول مفكرة معتبرة و لديهم شورية فى القرار ضابطة و تربية للصف ضامنة ، هذه كلها فرص ممتازة ، إن أحسن الإخوان إستغلالها فسينجحون بإذن الله فى إقامة نهضة حضارية عظيمة لمصر و للمنطقة بلا مبالغة أو تحيز ، أما إذا لم يحسنوا إستغلالها فسيخسرون شعبهم قبل أن يخسروا أنفسهم و هذا هو الأصعب بإذن الله .
أما بالنسبة للتهديدات فإشكالية علاقة الحزب بالجماعة فسوف تظل موضع شك لدى فئة ليست هينة من النخب و الجماهير و على الإخوان أن يسارعوا إلى فض هذا الإشتباك أو توضيح العلاقة بينهما حتى يطمئن الجميع أو على الأقل يصبح الوضوح هو سيد الموقف و على كل فرد أن يحدد موقفه على بينة .
إشكالية الدولة الدينية أيضا التى تتهم بعض قوى المعارضة الإخوان بالسعى إليها فى حاجة إلى توضيح كبير ، رغم إدراكى الشخصى أنها مخاوف نخبوية و ليست جماهيرية فى الغالب و ليس فى المطلق ، كما أدرك أيضا أن الإخوان من هذه التهمة برءاء ، و لكنهم مطالبين بالتأسيس لحملات إعلامية لشرح وجهة نظرهم و ليس فقط الإكتفاء بالرد على هذه التهم .
من الإشكاليات الكبرى التى سوف يعانى منها الإخوان هو الوضع الدولى الراهن و خاصة أمريكا و إسرائيل التى تتقاطع مع وجود أى قوى إسلامية فى الحكم قد يهدد مصالحها فى المنطقة و هى وضعية حساسة للغاية ، فطمئنتهم على مصالحهم قد تعنى غضب الجماهير على الإخوان و تعنى كذلك التنازل عن مواقف لا يمكن بأى حال التنازل عنها ، و طمئنة الجماهير تعنى بالضرورة التقاطع مع المشروع الأمريكى الصهيونى فى المنطقة ، مما يعنى غضبهم و قد تدفهم إلى إتخاذ مواقف تضر و لو مرحليا بالأمن القومى المصرى .
لذلك أجد أن أنسب الحلول و أوقعها لهذه الإشكالية ، هى أن تكون كافة المواقف التى تقع فى هذه المنطقة المشكل تخضع لتفويض شعبى مباشر لإعمالها ، حتى يتحمل الجميع مسئوليتها .
لا شك أننا سوف نعيش فى الفترة القادمة فى حالة من الصخب السياسى شديد و هو أمر مقبول و محمود لأنها فى النهاية ضريبة الحرية التى حلمنا بها طويلا .
_____
كاتب وباحث سياسى

