24/02/2011

أحمد عز الدين :

لم ينتهِ الحديث عن دور الإخوان المسلمين في ثورة 25 يناير، ويبدو أنه لن ينتهي قريبًا؛ لأن البعض يسعى حثيثًا- ونحن لا نزال في مرحلة تشكيل الذاكرة الوطنية عن الحدث- إلى طمس هذا الدور، أو التقليل من شأنه، أو إثارة الشكوك حوله وحول دوافعه، كما أن الإخوان وإن كانوا قد تخلَّصوا من حملات التشويه الرسمية التي كان النظام البائد يتبنَّاها، إلا أن حملاتٍ أخرى غير رسمية لا تزال مستمرةً، وبعضها في طور البداية.

 وفي هذا الصدد أتابع عددًا كبيرًا من التعليقات التي تُنشَر على لسان القرَّاء على الأخبار والمقالات في المواقع الإلكترونية، وقد استرعى انتباهي أن حجم التعليقات السلبية التي تُنشر عن الإخوان كبير للغاية.

 وربما يكون وراء ذلك جهل بمواقف الإخوان، وربما كان مجرد تهريج، أو رغبة في إظهار موقف رافض لأي شيء ولكل شيء.

 لكنْ بالإضافة إلى ذلك، فإنه يغلُب على ظني أن هناك جهاتٍ كثيرةً تعارض المكتسبات التي تحقَّقت للإخوان في العهد الجديد؛ من حرية العمل، ورفع صفة الحظر التي كان النظام السابق يردِّدها، ولذلك فقد بدأت حملة واسعة ومنظمة ضد الإخوان.. حملة يشارك فيها القراء؛ القراء الذين لا يعرفهم أحد، وليسوا ملزمين بكتابة أسمائهم الحقيقية، ولا عناوين بريدهم الإلكتروني الحقيقية.

 في جريدة (الأهرام) يوم 23 فبراير الجاري كتب د. حسن أبو طالب مقالاً بعنوان "الإخوان وثورة الشباب"، روى فيه أنه كان في جمعة الغضب في الثامن والعشرين من يناير‏,‏ مع آلاف المصريين في المظاهرات التي جابت منطقتي الدقي والمهندسين‏,‏ ووقف طويلاً في ميدان الجلاء مع جموع المتظاهرين حتى الرابعة عصرًا‏,‏ وأنه سمع أحد الشعارات التي يردِّدها الشباب: "لا برادعي ولا إخوان‏..‏ دول شباب مصر التعبان"‏,‏ وفي مرات أخرى قيل: "شباب مصر الجدعان"‏، وأضاف أن الشعار كان بسيطًا وحاسمًا، ويعني أن المتظاهرين لا علاقة لهم بالإخوان.

 

ثم انتقل الباحث السياسي إلى القول: "كان معروفًا أيضًا ومنذ الثلاثاء ‏25‏ يناير- الذي شهد أولى المظاهرات في ميدان التحرير وميادين أخرى-‏ أن الإخوان قرَّروا ألا ينضمُّوا إلى هذه المظاهرات؛ لأنها تنظَّم من أناسٍ غير ذوي خبرة سياسية، وغير معروف مَن وراءهم ولا أفكارهم‏,‏ أو بعبارة أخرى أن الإخوان لن يشاركوا في عمل ليسوا هم صانعيه وأبطاله.‏.

 

لكن الحق يقال: إن بعضًا من شباب الإخوان كان موجودًا في المظاهرات‏,‏ ربما للمشاركة الجادَّة، وربما أيضًا لمجرد استطلاع الموقف، والتعرف على ما يجري في الشارع وحسب‏,‏ وربما ثالثًا كتعبير عن انقسام جيلي في داخل الجماعة‏,‏ وقد حدث أن تقابلت- على غير موعد سابق، في خضمِّ التظاهر وارتفاع الحناجر وتلقِّي القنابل المسيلة للدموع- والصديق ضياء رشوان، وسط ميدان الجلاء، وتعرف علينا شابَّان قالا إنها من جماعة الإخوان، وإنهما لا يشاركان في المظاهرات، ولكنهما معجبان بما يحدث‏,‏ وإنهما وجدا المظاهرات أمرًا منظَّمًا ومحترفًا لم يكن متوقعًا على أيّ حل‏ّ,‏ وسينقلان هذا الانطباع إلى القيادات، حسب ما قالا".

 

وهو يرى أن الإخوان قرَّرت بعد 28 فبراير اللحاق بالركب الثوري، بعد أن أدرك الجميع أن انسحاب الشرطة بالطريقة التي حدثت هو بداية الانتصار.

 

فهل شارك الإخوان المسلمون في المظاهرات منذ البداية أم تحركوا تاليًا؟

 

لقد استشهد د. حسن أبو طالب بكلام شابيْن- قال إنهما قالا له وللدكتور ضياء رشوان إنهما من الإخوان- ونحن لا نعرف من هما، ولا نعرف علاقتهما بالإخوان، ومع ذلك نقول: إن له الحق أن يستشهد بمن شاء، وفي المقابل نحن نستشهد ببيان صدر عن الإخوان ووزِّع على المئات من الجهات الإعلامية، ربما من بينها مركز الدراسات الذي يعمل به د. أبو طالب، ونشره موقع (إخوان أون لاين) ظهر يوم 23 يناير؛ أي قبل المظاهرات بيومين، وهو متاحٌ على الإنترنت، ولا مبرِّر لعدم البحث عنه أو عن غيره لمعرفة موقف الإخوان، فضلاً عن أن أسماء وهواتف مسئولي الإخوان متاحة للجميع.

 

يقول بيان الإخوان: "فوجئنا بردِّ فعلٍ متعجلٍ يخلو من الحكمة والكياسة، وينبئ عن الإصرار على بقاء النظام في ذات الموقع الذي يدعم الاستبداد والفساد وإرهاب الدولة؛ وذلك باستدعاء مسئولي الإخوان المسلمين بالمحافظات وتهديدهم بالبطش والاعتقال والمواجهة العنيفة، وربما الدامية في حالة النزول إلى الشارع لإعلان هذه المطالب الشعبية..".

 

فلماذا استدعت فروع مباحث أمن الدولة بالمحافظات الإخوان إن كانوا قرَّروا عدم النزول للشارع ولِمَ هدَّدوهم؟! ثم هل استكان الإخوان لهذه التهديدات؟ يقول البيان: "وإزاء هذا فإننا نعلن رفضنا للتهديدات والإرهاب.. ولا يتصور عاقلٌ أن أسلوب التهديد والوعيد يمكن أن يخيفنا.. ولن نكون أبدًا إلا وسط الشعب، نشاركه همومه وآماله، ونعمل من أجل تحقيق حريته وكرامته، ونسعى معه في كل الأنشطة التي تقرب ساعة الحرية..".

 

ثم صدر بيان آخر يوم 26 فبراير، يقول: "والإخوان المسلمون- وهم يعيشون مع كل أبناء مصر هذه الأجواء ويشاركون في هذه الأحداث ويؤكدون مطالب الأمة- يتوجَّهون بالتحية والتقدير للشعب المصري على هذه الحركة الإيجابية السلمية المباركة..

 

ويؤكدون ما يلي:

1- أن حركة الشعب المصري التي بدأت يوم 25 يناير وكانت سلميةً وناضجةً ومتحضِّرةً؛ يجب أن تستمر هكذا ضد الفساد والقهر والظلم.

2- يجب على النظام في مصر أن ينزل على إرادة الناس، ويسارع بإجراء الإصلاحات المطلوبة، وأن يتخلَّى عن سياسة العناد والتصدِّي لمطالب الشعب المشروعة، وأن يتخذ إجراءاتٍ فوريةً وجادَّةً وفاعلةً لتحقيق الإصلاح المنشود في كلِّ المجالات، وألا يتعرَّض للمتظاهرين بسوء، وأن يُفرج فورًا عن كل المعتقلين في هذه الأحداث وما قبلها.

3- أن الإخوان المسلمين هيئة إسلامية جامعة، وأن أبناءها جميعًا من نسيج المجتمع المصري، يشاركونه دائمًا أفراحه وأتراحه ويعيشون همومه، ويدعون أنفسهم وأبناءهم وإخوانهم في الوطن، من المسلمين وغير المسلمين، إلى التعاون على البر والتقوى، وإلى العمل على تحقيق العدل، وإلى إرساء قواعد الحق، وتقديم مصلحة الأمة على كل المصالح الفردية والفئوية، ويهيبون في هذه الظروف بالجميع أن يكونوا على قلب رجل واحد، ضد الظلم والجور والفساد والتزوير، وبسلمية وجدية وواقعية، دون إضرار بالمؤسسات أو الممتلكات العامة والخاصة، ويصبرون على ذلك حتى تتحقَّق مطالب الشعب المشروعة.

 

4- ضرورة أن تتعاون جميع القوى السياسية والحزبية وتتوافق دائمًا على موقف وطني موحَّد، في حركتها وريادتها وإدارتها للحركة الشعبية القائمة الآن؛ حتى يكونوا دائمًا عند ظنِّ جماهير الشعب بهم ويتم تحقيق المطالب الشعبية جميعها".

 

إذًا فمشاركة الإخوان قائمة منذ البداية، ونحن نتذكر بالتأكيد أن مباحث أمن الدولة اعتقلت فجر الجمعة 28 يناير قرابة 40 من قيادات الإخوان بينهم 7 من أعضاء مكتب الإرشاد؛ أي حوالي نصف أعضاء المكتب، وألقت بهم في سجن وادي النطرون، وكادوا أن يلقَوا حتفهم هناك عند اقتحام السجون لولا عناية الله، ثم مبادرة الأهالي بإخراجهم من السجن، فلِمَ كان اعتقال الإخوان إن لم يكن لهم دور، ودور فاعل؟!!

 

وقد يرد البعض بأن الإخوان إنما كانوا يريدون الضغط على النظام للقيام بالإصلاح، لا تغيير النظام، والرد على ذلك:

1- أن جدلية "إصلاح أم تغيير" ظلَّت قائمةً لسنوات بين القوى السياسية في مصر، وليس خافيًا أن الإخوان كانوا يميلون دائمًا إلى الإصلاح تحسبًا للمخاطر التي يمكن أن تقود إليها الثورات، التي قد تنتهي بديكتاتوريات عسكرية أو فوضى، وقد كان شبح ثورة 1952م ماثلاً أمام أعينهم على الدوام، ولم يكن أحد في مصر يتوقع أن الظروف قد أصبحت مهيأةً للثورة، فلما ظهر أن الظروف أصبحت مواتيةً كان الإخوان في المقدمة.

2- حين طالت أيام الاعتصام في ميدان التحرير، وازدادت الضغوط لفضِّ الاعتصام- سواء من جانب السلطة أو البلطجية، أو من جانب الأهالي الذين بدءوا الضغط على أبنائهم للعودة للمنازل، أو بدافع الحاجة للعمل لكسب العيش، أو بدافع التعب الذي أنهك الجميع- كان تدفُّق الإخوان إلى الميدان عاملاً أساسيًّا في الصمود والاستمرار، وتخيَّلوا لو أن الإخوان لم يقدِّموا هذا الدعم الشعبي، وتخيَّلوا لو كان ذلك سببًا في فشل الثورة، لكان الإخوان قد علِّقوا على المشانق مرتين: مرةً على يد النظام البائد، ومرةً على يد من بقِي من الثوار.

3- يعترف الجميع بأنه لم يكن يتوقع أن تنتهي المظاهرات إلى ما انتهت إليه من ثورة، والكاتب نفسه يعترف بذلك، فيقول: "غير أن الأمور تطوَّرت لاحقًا على نحو مختلف‏,‏ فقد أدرك الجميع أن ما يشهده الشارع المصري ليس مجرد مظاهرة أو احتجاج عابر وكفى‏,‏ بل هو مقدمة لحدث كبير"، وكل من عاش في ميدان التحرير كان يلمس كيف أن سقف المطالب كان يرتفع بوتيرة متسارعة، مع بطش النظام، وسوء إدارته للموقف، وعناده ولجوئه لاستفزاز مشاعر الشعب، وتقديم الوعود بأسلوب "قطرة.. قطرة"، وقد أقرَّ كثير من المراقبين بأن النظام كان بإمكانه النجاة من هذا المصير الأسود لو تعامل مع الموقف بشكل أفضل.

4- دعونا نتخيَّل ماذا كان يحدث لو أعلن الإخوان منذ البداية دعوةً صريحةً للثورة!! جميعنا يدرك أن النظام البائد كان يكيل للإخوان بمكيال مختلف تمامًا عما يكيل به لبقية القوى السياسية، أتصور أن مبارك لم يكن ليتورَّع عن فعل ما سبق أن فعله حافظ الأسد في مدينة حماة السورية عام 1982م، حين قَتَل قرابة 30 ألف شخص، ولا ما توعَّد به القذافي وابنه في ليبيا.

 

إبرة في كوم من القش

أما الهتافات الرافضة للإخوان التي رصدها د. حسن أبو طالب، فإنني هنا أودُّ أن أقدم التهنئة له؛ لأنه عثر على إبرة وسط كومة من القش! فالهتاف الذي أشار إليه لم يكن شعارًا متداولاً، لا في يوم 25 ولا بعده، وهذا لا يعني أنني أكذِّبه فيما كتب، فلربما ردَّده البعض، فقد كان المتظاهرون ينتمون إلى تيارات فكرية وسياسية متباينة، وفيهم من يكره الإخوان كراهة التحريم كما يقال، وفيهم من يفدي الإخوان بروحه، وقد خرج الجميع دون رابط يجمعهم، والكل يسير في الشوارع، يردِّد ما يشاء من هتافات ويرفع ما يشاء من لافتات، وإذا كان الدكتور قد تابع المظاهرات عن كثب فلعله لاحظ أن هذا الشعار لم يتكرر في ميدان التحرير، وأنا شخصيًّا لم أسمعه ولم أقرأ عنه، رغم بقائي في التحرير أيامًا طويلةً.

 

لقد التزم الإخوان بعدم رفع شعارات خاصة بهم؛ حرصًا على وحدة الكلمة، ولكن آخرين لجئوا إلى استفزاز الإخوان- وأنصار البرادعي- وجرح مشاعرهم، وبدلاً من شكر الإخوان على التزامهم وصبرهم، يأخذ الباحث أقوال غير المنضبطين قرينة ضدهم!! وهذا حكم غريب في الواقع.

 

ما أودُّ أن أقوله لبعض الشباب على وجه الخصوص: لا أحد ينكر أنكم أخذتم زمام المبادرة يوم 25 يناير، لكنْ تذكَّروا: أن هذا اليوم التاريخي لم يأتِ من فراغ، وإنما هو حلقة في سلسلة من كفاح وجهاد شاركت فيه‏ قوى سياسية وأفراد، كان الإخوان من بينهم، ودفعوا أكبر فاتورة من أعمارهم التي قضوها خلف القضبان، وأموالهم التي سرقتها عصابات أمن الدولة، كما أن الرفد الشعبي لمبادرتكم كان عاملاً أساسيًّا في نجاح الثورة.

 

والفضل أولاً وآخرًا لله سبحانه، فله الحمد وله الشكر.

ــــــــــ

* [email protected]