24/01/2011

فراج إسماعيل :

لم أجد في خطاب الرئيس مبارك في عيد الشرطة أمس ما يلفت نظري سوى ثلاث نقاط.. إحداهن أراها خطيرة للغاية لأنها تطلق يد الأمن على حساب حقوق الإنسان في وقت يجتر فيه العالم والأنظمة الديكتاتورية بالضرورة، أحداث ونتائج ثورة تونس الشعبية.

والثانية تمثل لغة جديدة، عاطفية أكثر منها واقعية، فتأكيد مبارك على رفض الاستقواء بالخارج، بلهجة تذكر بأجواء خطب عبدالناصر والسادات، تعني أنه أصبح الآن في حاجة إلى الشارع.

فبينما يبدو متجاهلا للواقع التونسي الجديد في الشرق الأوسط في النقطة الأولى، كان حريصا على تذكير الناس بأن نظامه يقف على ثغر يحتاج إلى دعمهم وتأييدهم المطلق، لأن خلو الساحة من هذا النظام أو سقوطه لأي سبب يعني فتح الباب للوصاية والحماية الخارجية اللتين أعلن بقوة صوت ناصرية ساداتية أن زمنهما قد ولى.

وتكمل النقطة الثالثة والأخيرة سابقتها، فقد قال إنه سيحاسب أو يلاحق دعاة التطرف والمحرضين من الجانبين على الفتنة الطائفية، وهذه أيضا تخاطب الشارع، لكنها تعني المسلمين في الأساس، فخلال الأزمات الماضية بين الجانبين المسلم والمسيحي، واجه الرئيس مبارك ونظامه اتهامات بالتمييز لصالح رئاسة الكنيسة الأرثوذكسية والاستجابة لجميع مطالبها وغض الطرف عن المحرضين من جانبها.

حصيلة النقاط الثلاث تؤكد بوضوح أن النظام يعيش هاجس الواقع التونسي الجديد ويخشى تأثيراته مع أنه يحاول غض الطرف عنه من خلال جهازه الإعلامي الذي لم يتوقف عن التنبيه بأن تونس حالة خاصة.

جميع الأعراض التي انتفضت بسببها تونس، نسخة مخففة لأعراض أشد منها في مصر، لكن التعامل يجري معها باستخفاف ساذج، حتى أن الدولة ممثلة في حكومتها لم تجد إلا أئمة المساجد ولجنة الشئون الدينية في مجلس الشعب، لتدفع إليهم بملف المنتحرين، ولتقول في النهاية إن مأواهم النار وبئس المصير!

لا أدري لماذا وافق الرئيس مبارك في هذه الظروف على استخدام ما يشبه التهديد باهدار حقوق الإنسان مقابل ما يسميه "الأمن"؟!..

الأمن وحقوق الإنسان لا ينفصلان. هذه بديهة تشبه تماما نظرية الأواني المستطرقة، فكلما يزيد الاستخدام المفرط لعصا الأمن على حساب الحلول الجذرية للمشاكل، سيزيد الإرهاب والفوضى.