25/12/2010
عبد الحليم الكناني
[1] [ حديقة حيوان أنقرة ]
من أطرف ما يروى عن دكتاتور تركيا الأسبق : كمال أتاتورك [ الذي يحلو للسادة العلمانيين واليساريين ان يصفوه بانه منشئ تركيا الحديثة العلمانية الديموقراطية ] أن مساعديه نقلوا إليه شكوى الدبلوماسيين الأجانب وأسرهم من عدم وجود حديقة حيوان بتركيا . 
فنظر إليهم ساخرا وأجابهم ضاحكا :
" لماذا لم تذهبوا بهم الى مجلس النواب ؟" ؟؟؟ !!!
ماذا قال ؟!!!
قال يا سيدي: " لماذا لم تذهبوا بهم الى مجلس النواب ؟" ؟؟؟ !!!
غريبة جدا .. أتاتورك ؟!!!
نعم يا سيدي أتاتورك !!! قال : " لماذا لم تذهبوا بهم الى مجلس النواب ؟" ؟؟؟ !!!
ما رأيكم ؟
أليست إجابة عميقة وصادقة ومعبرة ؟
ألا تصف بصدق مجالس النواب في بلادنا العربية والإسلامية المنكوبة ؟
ألا تعبر حقيقة عن نظرة حكامنا الوطنيين الديموقراطيين الأحرار لمجالس التزوير النيابية ؟
[2][ حديقة حيوان مصر]
وفي مصرنا العظيمة كان للبرلمان على اختلاف عصوره وأسمائه نصيب وافر من الفضائح والمهازل التي تفوقت على حديقة حيوانات أنقرة ، وكان لنواب النظام الذين جاءوا بالتزوير المفضوح مواقف لن ينساها التاريخ .. وهذه أمثلة منها نسوقها للذكرى والاعتبار :
[ ببغاوات ]
" كان عبد الناصر يخطب في مناسبة خطيرة وهي يوم الانفصال عن سوريا.. وبعد اعتقال المشير عامر وطرده هو ومن معه من سوريا وتسليمهم لمصر.. وقف عبد الناصر يخطب في مجلس الشعب وقال:
"إنني في صباح هذا اليوم أمرت قوات المظلات والصاعقة المصرية بقيادة الضابط جلال هريدي بالنزول إلي اللاذقية والأراضي السورية لدحر قوات الانفصال.. وتحركت هذه القوات فعلاً".
فقام مجلس الأمة عن بكرة أبيه بالتهليل والتصفيق بطريقة هسترية وهم يهتفون بحياة الرئيس.
وعندما سكتوا قال عبد الناصر:
"ولكنني حقنا للدماء رأيت إلغاء هذا القرار والعودة بالقوات".
فقام مجلس الأمة بالتصفيق والتهليل والهتاف بحياة الرئيس
والفارق بين الموقفين ثوان معدودة ".
[ قرود وكلاب ]
" وبعد هزيمة عام 1967 المنكرة بأيام معدودة ، ودماء جنودنا الذين سفكت على أرض سيناء ظلما وعدوانا لم تجف بعد ،أعلن الزعيم تراجعه عن التنحي والاستقالة بناءا على رغبة الشعب ، فوقف احد أعضاء المجلس الموقر ليرقص عشرة بلدي وسط المجلس بينما التف حوله باقي الأعضاء يصفقون ويشجعون فرحا بعودة الزعيم ، وتحول المجلس المحترم الى صالة رقص وغناء وتصفيق ، بينما الكلاب تنهش في جثث الجنود المساكين على أرض سيناء " .
[3] [ الشعراء ومهازل مجالس التزوير ]
وكانت هذه المواقف المخزية دافعا للشعراء والزجالين الأحرار – وهم قلة دائما – أن ينشئوا الأشعار والزجال الساخرة والثائرة في وصف تلك المهازل . 
وكان شاعرنا الشاب الفذ : هاشم الرفاعي أحد هؤلاء الأحرار القلائل .. فكتب رسالة الى رأس النظام المسئول عن انتخاب وتكوين هذه المهزلة الملهاة المسماة : مجلس الأمة، وعن هذه المخازي التي تدور تحت قبته فيقول :
هاهم كما تهوى فحركهم دمى لا بفتحون بغير ما تهوى فما
إنا لنعلن انهم قد جمعوا ليصفقوا إن شئت أن تتكلما
وهم الذين إذا صببت لنا الأسي هتفوا بان تحيا لمصر وتسلما
لم تلق خيرا منهم ليشرِّعوا ما تشتهي ويكبِّروا لك كلَّما
قد كنت مكشوف النوايا فاتَّخِذ منهم لتحقيق المطامع سلَّما
وسطوت قبل اليوم تحذر لائما فالآن تسطو لا تخاف اللُوَّما
أي الشياطين احتباك فكنت في إحكام تدبير المكيدة ملهما
كم روعتنا لا يجئ بمثلها بشر وجئت بها خداعا مبرما
كلماتك الجوفاء كان طنينها صرخات ذئب في إهابك قد نما
تنساب في آذاننا معسولة وإذا جلاها الذوق كانت علقما
وظللت تنسج جنة من احرف للشعب يلمسها الغداة جهنما
ودعوتنا لنقيم مجلس أمة حر فصدقنا وقلنا ربَّمَا
فأبيت إلا ان تكون كعهدنا بك في النعومة والضراوة أرقما
وفجعت أمتنا بمجلسها الذي سُقتم اليه "موافقين" و" نُوَّمَا"
[4] [ الزجل يتفجر حنقا وثورة ]
وكان للزجال البارع الثائر : محمود الماحي الذي ذاق الأمرين في معتقلات وسجون النظام الحاكم ، بسبب أزجاله الثائرة الحانقة على هذه المهازل المضحكة المبكية تعليق ساخر حاد الألفاظ يكشف عن غاية الحنق والثورة والغضب يقول فيه :
ابن الهرمة
ابن الهِرمَة لامِم لمَّة من نصَّاب لحرامي لرمَّة
ومسمِّيهُم مجلس أُمَّة يِنعل ابوهم هُو وهُمَّه
لو مليون ينتخبوا محمد برضه الكرسي هياخده سيد احمد
أصل سيد احمد يا أم محمد من قبل الموضوع متحدِّد
وانتخاباتنا آخر ذِمَّه
مجلس أمة علشان إيه والأغوات دي جامعهم ليه
ماانت بتؤمر أمرك ماشي لو ميت مجلس ما هيِعصاشي
إصحي معايا يا ام محمد لازم الراجل ده بيمَهِّد
بلوى وكانت متخبية وناوي يِمَضِّي العالم ديَّه
ويبقى الذنب بتاعهم هُمَّه
وابن الهِرمَة لامِم لمَّة من نصَّاب لحرامي لرمَّة
ومسمِّيهُم مجلس أُمَّة يِنعل ابوهم هُو وهُمَّه

