حازم سعيد
أفهم أن يقوم المهندس أحمد عز ملياردير الحديد المشهور بإنكار تزوير الانتخابات وانتقاص الإخوان أو المعارضة أو البرلمان الموازى أو أى كيان معارض للحزب الوطنى ، فهو في هذه الحالة فرد حزبى متعصب ( لفكرة أو لمصلحة ) تأخذه الحمية والغيرة على حزبه الذى ينتمى إليه فيسب مخالفه .
وأفهم أن يفعل مثلها أي شخص آخر في الدولة من رئيس وزراء أو رئيس برلمان " حتى وإن كان يفهم في القانون " ويتيقن أن برلمانه باطل ومزور أو رئيس شورى عاش تاريخاً سياسياً ( مشوشاً ) ! فكلهم في النهاية أفراد حزبيين وإن مثلوا مواقع بالحكومة التى يفترض أنها تعبر عن المصريين .
أما أن يقوم رئيس الجمهورية – الذى يفترض أنه رئيس لكل المصريين - بمثل هذا الفعل فهو الأمر الخطير والذى يحمل دلالات مثيرة وخطيرة فيما يتعلق بمستقبل هذا البلد المنكوب بثلة من الناس لا تدرك خطورة ما تفعله .
رئيس الجمهورية – في أسبوع واحد – أدلى بتصريحين أحدهما أمام الهيئة العليا للحزب الوطنى والثانى أمام مجلسى الشورى ( والشعب المزور ) .
التصريح الأول تحدث فيه عن تجاوزات محدودة وفردية لمرشحين حاولوا شراء أصوات الناس بالمال وبالبلطجة ، وحرص في تصريحه على تأكيد فردية الانتهاكات ومحدوديتها .
أما الثانى فسخر فيه من النواب السابقين بمجلس الشعب والذين أسقطتهم حكومة الحزب الوطنى عمداً فلجئوا إلى ما يسمى بالبرلمان الموازى حيث كان يتحدث عن تحسين الإدارة المحلية قائلاً : '' فإننا نسعى بشكل موازٍ في المرحلة المقبلة لتوسيع اللامركزية " – فحبكته القافية - وأضاف : مش برلمان موازى " وقال بعد كلمة الموازى كلمة لم أفهمها رغم تكرارى للمادة المسجلة أكثر من عشرة مرات ، تبع ذلك تصفيقاً من الأعضاء المزورين ليقول بعد تصفيقهم ساخراً : " خليهم يتسلوا " .
هذان التصريحان لرئيس الجمهورية يحملان دلالات خطيرة فيما يتعلق بشأن البرلمان الحالى والتزوير وكذلك بالمستقبل السياسى بمصر منها :
1. اضطرار مبارك للحديث عن التجاوزات – وهو من عودنا على تغافل مثل هذه البلطجة والتزوير وعدم الخوض فيها – يؤكد فجاجة وفداحة هذا التزوير ، ويفضح عملية القرصنة والسطو التى قام بها الحزب على برلمان 2010 ، ويؤكد نجاح الإخوان وغيرهم في الجانب الإعلامى والذى فضح الانتهاكات أولاً بأول حتى باتت حقيقة راسخة لدى الجميع ليضطر رئيس الدولة للحديث عنها حتى وإن بسطها ووسمها بالفردية .
2. إصرار مبارك على الاستخفاف بشعبه وخاصة المعارضة حين بسط الموضوع ووصفه بالتجاوزات الفردية وكذلك بالمعارضة حين تحدث عنهم بسخرية واستخفاف وقال خليهم يتسلوا .. هذا الإصرار يأتى منسجماً مع سلوكه الذى عودنا عليه على مدار 30 سنة متجاهلاً فيه المعارضة وقضاياها الرئيسية ومتخذاً سلوك من لا يسمع إلا نفسه وواضعاً الرقم " صفر " في خانة إدراكه وتقديره لقيمة معارضيه .
3. مبارك ليس رئيساً لكل المصريين .. هذا هو الشعور الذى يحمله مبارك نفسه داخل صدره ، تستطيع الخروج بهذا الانطباع حين تسمع رئيساً يسخر من بعض أبناء شعبه بهذه الطريقة رغم رقى ما قاموا به من فعاليات .
هل سمعتم أو رأيتم أباً يسخر من أحد أبنائه بهذه الطريقة ، ويوصل له رسالة مفادها " اخبط راسك في الحيطة ، وهعمل اللى أنا عايزه ، ولن أسمع لك مهما فعلت " ، أستطيع الخروج بهذا كله حين أسمعه يتحدث - بلغة " خليهم يتسلوا " - عن شريحة محترمة مثلت شعبها بالبرلمان وأثيرت الضجة حول طريقة استبعادها منه .
4. أثبتت تصريحات مبارك أنه معزول ( طوعاً أو كرهاً ) عن شعبه ، وليس هو المثابة التى يمكن أن يلجأ إليها المقهورون والذين انتهكت حقوقهم ، لقد كانت هذه الحقيقة بارزة أمام عيني طوال الثلاثين سنة الماضية بتجاهله الخوض في كثير من القضايا المصيرية لطوائف من شعبه ، وهو يؤكد بتصريحات اليوم هذه الحقيقة ويزيدها رسوخاً ، ويثبت خطأ بعض من حاول اللجوء إليه بعد التزوير الفج للانتخابات الأخيرة ظناً منهم أنه هو المرجعية التى ستوقف المهزلة ، فتأتى التصريحات لتقول أنه بين معزول عن الشعب أو محرك رئيسى للمهزلة والفضيحة الأخيرة !
5. الإقصاء السياسى وخنق فرص التعبير عن الرأى لدى الشباب والمعارضة ، فمبارك يرى المعارض لاعب هزلى " بيتسلى " ، هذا الإقصاء يؤدى لردة فعل غير محمودة العواقب عند قطاع عريض من أبناء هذا البلد بين انحراف خلقى من إدمان ومخدرات وخلافه ، وبين اللجوء للعنف والوسائل غير الشرعية عند شريحة أخرى وهو ما يؤدى بهذا البلد لهاوية سحيقة لن يستطاع الخروج منها بسهولة .
6. من نافلة القول – رغم أنه لا يسمع إلا نفسه – التأكيد على ضرورة الفصل بين رئاسة الحزب الوطنى وبين رئاسة جمهورية مصر العربية ، لما يحمله هذا الخلط بين الموقعين من تجاوزات رهيبة ومن انتقاص من هيبة الرئاسة ، ومن عدم حيدتها في مختلف المواقف وعدم تبنيها قضايا مصر إلا برؤية حزبية أو مصلحية ضيقة .
7.إذا كان رئيس النظام لا يحفل بأحكام القضاء ولا بالفعاليات السلمية الراقية التى تقوم بها المعارضة الحقيقية الحية وفى القلب منها الإخوان المسلمين ويعتبرها لعبة أو تسلية ، فإن على هذه المعارضة التفكير في وسائل غير نمطية وابتكار أشكال وفعاليات تجبر النظام ورئيسه على احترام كلمتها وموقفها ، مع إعادة النظر بشكل جدى وإيجابى نحو تدويل قضية تزوير الانتخابات الأخيرة خاصة وحقوق الإنسان بمصر عامة لأن النظام المصرى يبدو أكثر انزعاجاً واهتماماً إذا ما جاءته اللطمة من الخارج .
وأخيراً فإن على المعارضة الحقيقية عدم إغفال التوغل والاندماج والمشاركة الحية لهموم الجماهير ، فلسوف يأتى اليوم الذى تكون فيه هذه الجماهير لاعباً رئيسياً في معادلة التغيير والإصلاح ، وهو يوم آتٍ إن شاء الله ولكنه يحتاج إلى مزيدٍ من العمل ومزيدٍ من الصبر ، وكثيرٍ من التضحية .
ـــــــــــــــــــــ

