04/05/2010
بقلم : هيثم دبور
أجلس فى الزحام الروتينى لكوبرى أكتوبر ـ أحد إنجازات الرئيس بالمناسبة ـ ألهو قليلاً بمطالعة الأخبار فى الصحف، تقع عيناى على تاريخ اليوم فأدرك أنه الرابع من مايو، تباغتنى ذكرى عابرة لعيد ميلاد أبى الذى مر منذ شهرين تقريباً، وأتذكر أننى اعتدت منذ أن كنت صغيراً وحتى خط شارب كثيف بآثاره وجهى أن أستقبل عيد مولده بسؤال «هتجيب لى إيه يا بابا بمناسبة عيد ميلادى؟».
والحقيقة أنه لا رابط حقيقياً أستشعره بين عيد ميلاد أبى وعيد ميلاد الرئيس، ربما لأننى لم أشعر بإحساس الأبوة الذى يردده الجميع قاصدين الرئيس مبارك، العمال المعتصمون يناشدون «الأب الرئيس مبارك»، ورجالات الصحف القومية يحيون «الأب الرئيس مبارك»، حتى جمال مبارك محق فى تلك العلاقة لأنه لن يستطيع أن يغير حقيقة أن يكون مبارك أباً ورئيساً له.
لكن الرابط الذى جعل ذكرى مولد والدى تعود إلى ذهنى هو فرضية خيالية جعلتنى أتساءل، لو كنت مثل الملايين الذين يتغنون بعبارة «الأب الرئيس» فماذا سأطلب منه «هتجيب لى إيه بمناسبة عيد ميلادك»؟
والحقيقة أننى لم أستغرق وقتاً فى الوصول إلى إجابة، فأنا لا أريد منه شيئاً، كل ما أرجوه هو أن يساعدنى فى تقليل مقدار احتياج الناس لى، وتعويل آمالهم وحلول مشكلاتهم على، وعلى غيرى ممن يجد فيه الناس عوضاً عن الرئيس ذاته.
أكثر ما يمكن رصده فى الثلاثين سنة الأخيرة هو أن الناس لم تكف عن الطلب «هتجيب لنا إيه»، ولكنها حولت مسار طلبها من المسؤولين وأعضاء مجلس الشعب وكل من يملك حق منح ما لا يراه الناس حقاً لهم إلى مواطنين مثلهم يرون فيهم ذلك، يقف شاب تخرج فى كلية السياسة والاقتصاد كنادل فى أحد الكافيهات، يطالبك دون أن يسأل بنوع من البقشيش، يحصل على ما يمكنه من العيش حياة ليست بالكريمة، يعود إلى منزله ليمنح جزءاً من الجزء الذى حصل عليه تواً إلى بواب عمارته الذى نظر له باسماً وقال «كل سنة وانت طيب»، يذهب البواب بجزء من جزء الجزء لبقال مجاور لشراء قطعة جبن أبيض، بينما يغيب البقال مع ابنه الذى يعانى أزمة مع التأمين الصحى، يقضى ٣ أيام على أبواب الصحف ومثلها على أبواب الفضائيات ويحصل على الجمعة إجازة، يطلب المذيع ـ بلهجة خطابية ورغبات زعامية غالباً ـ من المسؤولين الاهتمام بحالة ابن البقال، فى الوقت الذى يطالب فيه نواب بالبرلمان وزير الداخلية بضرب المتظاهرين بالرصاص لأن أصوات مطالبهم خرجت عن النسق الذى رسمه المجتمع للتعايش مع الوضع.
أفكر ثانية ربما أكون مخطئاً، وأتأكد أننى لا أريد منك ـ سيدى الرئيس ـ شيئا، فقط أريد ألا تتحول هباتى إلى مصدر دخل النادل، وادعائى الزعامة إلى مفتاح الفرج للبقال، ووجودى عوضاً عن وجودك.. ينقر بائع مناديل زجاج السيارة، يبتسم ويقول «كل سنة وانت طيب يا باشا»، أبادله الابتسام قائلاً «كل سنة وكل مصر طيبة».

