11/01/2009
حين تستقبل السيدة كوندوليزا رايس أعضاء المجموعة الوزارية الذين أوفدتهم الجامعة العربية إلي مجلس الأمن، وتستثني أمين الجامعة العربية ووزير خارجية قطر، فإن الواقعة ينبغي أن تستوقفنا من أكثر من زاوية، ذلك أن تصرف الوزيرة الأمريكية لا يفتقد فقط إلي اللياقة والذوق السليم، ولكنه يعبر أيضًا عن درجة عالية من الاحتقار والازدراء. ولا أستبعد أن تكون تصريحات السيد عمرو موسي وكلمته التي افتتح بها مؤتمر وزراء الخارجية الأخير قد أثارت استياء السيدة رايس ومن لف لفها من الدوائر الصهيونية المهيمنة في الخارجية الأمريكية. كذلك لا أشك في أن واشنطن غير راضية عن السياسة القطرية في العالم العربي، خصوصًا تغطية قناة «الجزيرة» للمذبحة الجارية في غزة، التي قوبلت بحنق شديد من جانب السلطات الأمريكية والإسرائيلية، وكل أعوان إسرائيل حيثما وجدوا. لكن وجود مثل هذه الاختلافات يعد أمرًا مفهومًا في العلاقات الدبلوماسية، لا يؤدي بالضرورة إلي تخاصم الأطراف المعنية. لكن من الواضح أن حنق السيدة رايس كان شديدًا لدرجة أنها اختارت أن تحرم الرجلين من «شرف» اللقاء معها، ولم تحتمل وجودهما ضمن الوفد الوزاري.
أدري أن الإدارة الأمريكية لها موقفها التقليدي الرافض للاعتراف بالجامعة العربية، لأنها لا تريد أن تتعامل مع العرب كأمة واحدة في الأغلب لكي لا تخرج إسرائيل من نسيج المنطقة، وذلك يفسر وجود مكتب للجامعة في نيويورك يخاطب الأمم المتحدة وليس في واشنطن، حيث الإدارة الأمريكية. لكن ذلك لا يبرر رفض السيدة رايس استقبال السيد عمرو موسي، لأنه كان ضمن وفد قدم لمخاطبة مجلس الأمن وليس الحكومة الأمريكية.
لا أعرف ما الذي قالته الوزيرة الأمريكية للوزراء العرب الذين التقوها، لكن أستطيع أن أتصور أنها عند الحد الأدني حدثتهم بلغتها التي استخدمتها في مجلس الأمن ونددت فيها بالعدوان الفلسطيني علي إسرائيل. ولا أستبعد أن تكون قد صارحتهم بأنهم يجب أن يطالبوا حركة حماس بوقف «عدوانها» أولاً، وأن «يؤدبوا جماعتهم» قبل أن يتوقعوا من المجتمع الدولي أن يصدر قرارًا لصالحهم. وإذا كانت السيدة رايس قد وقفت منهم موقف المعلم أو الموجه، فلن يكون ذلك مستغربًا، لأن إدارة الرئيس بوش اعتادت أن تأمر العرب ولا تشاورهم.
هذه استنتاجات قد تخطئ وقد تصيب، لكن ما لا ينبغي إنكاره أن الوفد الوزاري العربي حين ذهب إلي نيويورك ملتمسًا قرارًا من مجلس الأمن، فإنه قدم إليها زاحفًا ورافعًا رايات العجز البيضاء، ذلك أن كل المشاركين في الوفد يعرفون حق المعرفة أن مجلس الأمن بالذات لن يقدم لهم شيئًا مما تمنوه، وأن السيطرة الأمريكية عليه ستجعله واقفًا في صف العدوان الإسرائيلي، وغير مستعد لقبول أي صيغة تتضمن إنصافًا للفلسطينيين، ومع ذلك ذهبوا لإيهامنا بأنهم يحاولون إنجاز شيء يخدم القضية، التي انفض بعضهم من حولها.
السيدة رايس تعلم أن الوفد المرسل إلي نيويورك لجأ إلي مجلس الأمن هروبًا من اتخاذ موقف عربي مشرف، وتسويفًا في مسألة القمة التي اعترضت عليها بعض الدول العربية الكبيرة منذ اللحظة الأولي. هي أيضًا تعرف جيدًا أن بعض الذاهبين من الوزراء العرب يفضلون التنسيق و«التفاهم» مع الإدارة الأمريكية عن التنسيق مع بعض العواصم العربية. كما أن موقفهم من المقاومة ومن حماس لا يختلف عن موقف المحافظين الأمريكيين إلا في الدرجة فقط.
لقد تواترت التقارير الصحفية التي تحدثت في الآونة الأخيرة عما يقوله القادة العرب لنظرائهم الغربيين والمبعوثين الإسرائيليين في الغرفات المغلقة، وكيف أنه يناقض ما يصدر عنهم أمام شاشات التليفزيون وفي التصريحات الرسمية. وأخشي أن تكون السيدة رايس قد واجهت الوزراء العرب في لقائها المغلق بما سبق أن سمعته منهم في لقاءات سابقة.
ما أدهشني ليس استهتار السيدة رايس وازدراءها الوفد الوزاري العربي، ولكني استغربت حقًا ألا يحتج الوفد علي تصرفها، وأن يقبلوا دعوتها لهم بعدما علموا باستثناء اثنين من زملائهم من اللقاء، لكن يبدو أن الخذلان أصبح أحد عناوين المرحلة التي نمر بها، فإذا كانت الأنظمة العربية قد خذلت الفلسطينيين في غزة، فلا عجب أن يخذل بعض الوزراء العرب إخوانهم في الوفد
الدستور

