04/01/2009

حتى سنوات قريبة، ورغم غياب منصب نائب الرئيس في مصر، كان الاعتقاد السائد في الدوائر السياسية والأمنية العربية والأجنبية هو أن عمر سليمان، مدير المخابرات المصرية هو المرشح الأوفر حظاً، بل ربما المحسوم لخلافة الرئيس المصري حسني مبارك، لكن تطورات مستجدة ربطها مراقبون في الساحة المصرية بضغوط من جانب حرم الرئيس السيدة سوزان ما لبثت أن حرفت المسار وأخذت ترتب الأجواء لصالح نجلها جمال.

منذ ذلك الحين خرج مصطلح التوريث الذي صار الأكثر شهرة وتداولاً في قاموس السياسة المصرية، وصار خصوم النظام الحالي يستخدمون المصطلح في سياق المناكفة، بينما يعكف الطرف الآخر على دفع جمال قدماً نحو التأهل للمنصب، والذي بدا أقرب ما يكون إليه بعد ترؤسه لجنة السياسات العليا في الحزب الوطني الحاكم.

كل ذلك لا يخفي أن دوائر عسكرية وأمنية، فضلاً عن دوائر المعارضة والكثير من النخب السياسية لم تستسلم لهذا الخيار وما زالت على قناعتها بأن جمال غير مؤهل للرئاسة، وأنه لا بد من الوفاء لذات التقليد القديم القائم على خروج الرئيس من المؤسسة العسكرية.

هكذا يمكن القول إن جمال مبارك قد حصل على أوراق اعتماده الأولية من الداخل عبر هيمنته المتدرجة على الحزب الحاكم ومؤسساته وتمدده نحو دوائر المال، وربما بعض الدوائر العسكرية، بينما تأكدت أهليته للمنصب إثر حصوله على دفعة أخرى من الخارج (الولايات المتحدة تحديداً)، إثر زيارة سرية ما لبثت أن كشفت في مايو 2006.

لكن عمر سليمان الطامح للمنصب، والذي يعتقد -ومعه دوائر عسكرية وأمنية نافذة- أنه الأكثر جدارة به لم يسلم بالوضع الجديد، وما لبث يرتب الأجواء لنفسه، بل ربما طمع بالمنصب قبل وفاة الرئيس الذي شاخ وآلت صلاحياته عملياً للعائلة وحلفائها من السياسيين ورجال الأعمال.

ولأنه يدرك أن العامل الخارجي له دور حيوي في هذه المسألة، فقد مال إلى بناء علاقات جديدة تمنحه الأفضلية على منافسه، مستغلاً مخاوف بعض الدوائر الأميركية والإسرائيلية من نظرية أن وصول جمال للرئاسة قد يعني وضعاً أمنياً هشاً يمنح المعارضة، وبخاصة الإخوان فرصة الانقضاض على السلطة.

في ذات السياق، يدرك عمر سليمان أنه ما من شيء يؤثر على الموقف الأميركي مما يجري في مصر مثل الموقف من الصراع العربي الإسرائيلي، إلى جانب ملفات أخرى عربية وإقليمية، وعلى رأسها الملف العراقي، مع العلم أن السياسة الخارجية المصرية خلال السنوات الأخيرة قد غدت عملياً من اختصاصه أكثر من أي أحد آخر.

هنا، وخلال السنوات الأخيرة، تحديداً منذ ملامح احتلال العراق، قدم عمر سليمان نفسه بوصفه رجل الاعتدال الأقرب إلى الرؤى الأميركية الإسرائيلية في المنطقة، في تغيير واضح لصورته القديمة كرجل وطني متشدد في الدفاع عن مصر ودورها وأمنها القومي، حيث لم يكتف بتمرير قتل ياسر عرفات وترتيب الخلافة للرجل المطلوب أميركياً وإسرائيلياً (محمود عباس)، بل تواطأ عملياً مع برنامج احتلال العراق، ومختلف الخطوات التالية لتشريع الوجود الأميركي، مع العلم أن الرئيس قد انسجم مع ذات السياسية، وللمفارقة من أجل تمرير التوريث!

لكن الأهم هو موقفه، أعني سليمان، من حركة حماس منذ فوزها في انتخابات 2006، والأهم منذ سيطرتها على قطاع غزة، إذ انسجم مع برنامج حصارها بمختلف الوسائل، فضلاً عن موقفه من المقاومة العراقية ومحاولة جرها طوال الوقت نحو حوار مع الأميركيين أسهم في شق صفوفها، وتشكيك بعضها في البعض الآخر، وصولاً إلى إضعافها، مع ترتيب علاقات أفضل مع الوضع القائم في العراق.

وفي السياق الفلسطيني وهو الأهم، يمكن القول إن الرجل اليوم هو الصديق الذي يشعر الإسرائيليون بالثقة حياله، وما رشح مؤخراً حول مطالبته الإسرائيليين باستهداف قادة حماس، إلى جانب تهديده الواضح لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس، وعضو المكتب الآخر محمد نصر، إنما يصب في ذات الاتجاه الرامي إلى تركيع الحركة لحساب البرنامج الإسرائيلي، وليس قناعة بأنها تهدد الأمن القومي المصري، وقد جاءت المجازر الإسرائيلية في القطاع لتؤكد هذه المعلومات.

هكذا تغدو حماس، ومعها سائر ملفات القضية الفلسطينية، جسر عمر سليمان نحو منصب الرئاسة، مع أن ضمان ذلك يبدو صعباً، لأن العامل الداخلي سيكون حاضراً بقوة، لاسيما إذا لم يلق الأميركيين بثقلهم لصالح أحد، الأمر الذي يعتمد على التطورات القادمة إلى حين نضج أوان التغيير أو وفاة الرئيس الحالي