كشف الدكتور نايل الشافعي، المحاضر المصري في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (MIT)، أن اتفاقية الغاز الجديدة الموقعة بين مصر وإسرائيل لن تُمكّن القاهرة من تصدير الغاز المسال إلى أوروبا، بسبب السعر المرتفع الذي فرضته تل أبيب ضمن الصفقة التي أقرّها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 17 ديسمبر الجاري، بقيمة إجمالية تصل إلى 35 مليار دولار وتمتد حتى عام 2040.
وأوضح الشافعي، خلال بث مباشر، أن شركة شيفرون الأميركية—المسؤولة عن استخراج الغاز من حقل ليفياثان—تبيع الغاز المستخرج من حقول في خليج المكسيك، وبأعماق مماثلة لليفـياثان، بسعر يبلغ نحو 4 دولارات للمليون وحدة حرارية في السوق الأميركية وللمكسيك ولشركات التسييل، بينما تبيعه، بالشراكة مع إسرائيل، لمصر بسعر أعلى يصل إلى 7.29 دولارات للمليون وحدة حرارية، ما يعكس فارقًا سعريًا لا تحكمه اعتبارات السوق بقدر ما تحكمه ترتيبات سياسية وتجارية غير متكافئة.
تفكيك أسطورة “بورصة الغاز”
وانتقد الشافعي بقوة الخطاب المتداول داخل مصر حول أن الغاز المستورد من إسرائيل لا يُستهلك محليًا، بل يُسال ويُعاد تصديره إلى أوروبا، وأن مصر باتت “أكبر سوق وبورصة غاز في العالم”. واعتبر أن هذا الطرح غير دقيق، مشيرًا إلى أن الاتفاقية الموقعة عام 2018 كانت تتضمن نصًا صريحًا يمنع إعادة تصدير الغاز الإسرائيلي ويقصر استخدامه على الاستهلاك المحلي فقط.
وأوضح أن إسرائيل كانت آنذاك تراهن على إمكانية مدّ خط أنابيب بحري عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، وهو مشروع وصفه الشافعي بأنه “مستحيل التنفيذ هندسيًا”. ومع سقوط هذا الوهم، جرى—وفق الشافعي—إعادة صياغة الاتفاقية الجديدة عبر فرض سعر مرتفع (7.29 دولارات)، بما يضمن عمليًا استحالة إعادة التصدير حتى دون نصّ حظر مباشر.
حساب التكلفة الحقيقية: لماذا لا يصل الغاز المصري إلى أوروبا؟
فصّل الشافعي الحسابات التي تجعل تصدير الغاز غير مجدٍ اقتصاديًا، موضحًا أن تسييل الغاز يتطلب تكلفة إضافية تُقدّر بنحو 2.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما تبلغ تكاليف الشحن إلى أوروبا قرابة 1.5 دولار (وترتفع إلى نحو 4 دولارات عند الشحن إلى شرق آسيا). وعند وصول الغاز المسال إلى أوروبا، يلزم فكّ الإسالة وإعادته إلى حالته الغازية عبر عملية التغويز، بتكلفة إضافية تُقدّر بنحو 1.5 دولار للمليون وحدة حرارية. وبذلك، تُضاف نحو 6 دولارات إلى سعر الشراء، ما يرفع التكلفة الإجمالية للغاز المُصدّر من مصر إلى أوروبا إلى نحو 14 دولارًا للمليون وحدة حرارية، وهو مستوى سعري يفقد الغاز المصري أي قدرة تنافسية.
مقارنة خاسرة مع المنافسين
قارن الشافعي بين هذه التكلفة المرتفعة وأسعار الغاز لدى المنافسين في السوق الأوروبية، موضحًا أن روسيا تبيع الغاز رسميًا بنحو 6 دولارات للمليون وحدة حرارية، بينما يصل السعر الفعلي إلى قرابة 4 دولارات فقط. أما النرويج، فيبلغ سعرها الرسمي 7 دولارات، لكنه يصل فعليًا إلى الدول الأوروبية بنحو 6 دولارات.
وبناءً على هذه المقارنة، خلص الشافعي إلى نتيجة حاسمة: عندما تبيع إسرائيل الغاز لمصر بسعر 7.29 دولارات، وتصل كلفته النهائية بعد الإسالة والشحن والتغويز إلى نحو 14 دولارًا، فإن الحديث عن قدرة مصر على إعادة تصدير الغاز إلى أوروبا يصبح غير واقعي اقتصاديًا، ويكشف أن الاتفاقية الجديدة تُغلق هذا الباب عمليًا، مهما تعددت التصريحات الرسمية عن دور إقليمي محوري في سوق الغاز.

