عاشت مصر صباح اليوم الجمعة حالة من "الشلل الرقمي" المؤقت، بعد أن استيقظ ملايين المستخدمين على انقطاع مفاجئ وشبه كامل لخدمات الإنترنت الأرضي التابع للشركة المصرية للاتصالات "WE"، المشغل الرئيسي للخدمة في البلاد.

 

ورغم البيانات الرسمية المتفائلة التي أصدرتها الشركة معلنة بدء عودة الخدمة "بشكل تدريجي" بعد إجراء ما وصفته بـ"تحديثات تقنية ضرورية"، إلا أن الواقع الافتراضي على منصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث يحكي قصة مغايرة.

 

فحتى الساعات الأولى من الظهيرة، لا تزال قطاعات واسعة من المشتركين في مختلف المحافظات تعاني من بطء شديد في التصفح، وتذبذب ملحوظ في سرعة الاتصال، وصل في بعض المناطق إلى انقطاع متكرر.

 

هذه الفجوة بين "طمأنة" الشركة و"معاناة" العميل فتحت باباً واسعاً للتساؤلات حول كفاءة البنية التحتية الرقمية، ومدى شفافية البيانات الصادرة عن الشركة المحتكرة لخدمات الهاتف الأرضي، خاصة وأن الرسائل الاستباقية التي أرسلتها الشركة لم تلمح من قريب أو بعيد إلى "انقطاع شامل"، بل تحدثت فقط عن تأثر خدمات "الشحن والتجديد".

 

"صيانة الفجر" تقلب الموازين: رسائل غامضة وواقع صادم

 

بدأت الأزمة برسالة نصية مقتضبة وصلت لهواتف المشتركين مساء الخميس، تفيد بوجود تحديثات فنية مجدولة من الساعة 3 فجراً وحتى 9 صباح الجمعة، مشيرة إلى احتمال تأثر خدمات محددة مثل تطبيق "My WE" وعمليات الدفع الإلكتروني. إلا أن ما حدث فعلياً تجاوز حدود "تأثر التطبيق" ليضرب عصب الخدمة نفسها.

 

فوجئ المواطنون، ومعهم قطاعات الأعمال التي تعتمد على الإنترنت في عطلة نهاية الأسبوع، بانقطاع تام للخدمة في ساعات الصباح الأولى، وهو ما تسبب في حالة من الارتباك والغضب.

 

التناقض بين نص الرسالة (الذي حصر التأثير في خدمات إدارية) وبين الواقع (انقطاع الاتصال بالشبكة) أثار استياءً واسعاً.

 

ويرى خبراء تقنيون أن الشركة ربما قللت من تقدير حجم تأثير التحديثات على الخوادم الرئيسية (Core Network)، أو أن خطأً تقنياً غير متوقع حدث أثناء عملية الترحيل أو التحديث، مما أدى إلى خروج قطاعات كبيرة من الشبكة عن الخدمة بدلاً من مجرد تأثر أنظمة الفوترة كما كان مخططاً.

 

هذا الغموض دفع المشتركين للجوء إلى منصات "إكس" و"فيسبوك" للتعبير عن سخطهم، متسائلين عن سبب عدم الشفافية في الإعلان عن احتمالية انقطاع الإنترنت بالكامل، ليتسنى لهم ترتيب أوضاعهم.

 

عودة "سلحفائية" للخدمة: البيانات الرسمية vs تجربة المستخدم

 

مع حلول منتصف النهار، بدأت الشركة المصرية للاتصالات في بث رسائل طمأنة عبر مصادر مسؤولة، مؤكدة أن الخدمة بدأت في العودة لمعدلاتها الطبيعية تدريجياً، وأن فرق الدعم الفني تتابع الموقف لحظة بلحظة. وأرجعت المصادر هذا الانقطاع إلى "تحديثات تقنية هامة" تستهدف رفع كفاءة الشبكة لاستيعاب الزيادات المستقبلية في الأحمال، ضمن خطة الدولة للتحول الرقمي.

 

لكن على الجانب الآخر، رسم المستخدمون صورة أقل وردية. شكاوى عديدة رصدتها المجموعات التقنية تشير إلى أن الخدمة، وإن عادت للعمل ظاهرياً (لمبة الـ ADSL/VDSL مضيئة)، إلا أن سرعة نقل البيانات (Throughput) لا تزال متدنية للغاية، مما يجعل تصفح المواقع الثقيلة أو مشاهدة الفيديو أمراً شبه مستحيل

 

في بعض المناطق. هذا التذبذب المستمر يطرح تساؤلات حول المدة الزمنية الحقيقية التي تحتاجها الشبكة للتعافي الكامل بعد عمليات التحديث الكبرى، وهل سيتم تعويض العملاء عن ساعات الانقطاع وساعات الخدمة "الرديئة" التي تلتها، أم سيمر الأمر كسابقه من الأعطال؟

 

البنية التحتية تحت المجهر: تحديات "الاحتكار" والجودة

 

يسلط هذا الحادث الضوء مجدداً على ملف البنية التحتية للاتصالات في مصر. فرغم الاستثمارات المليارية التي أعلنت عنها الحكومة لتحسين سرعة الإنترنت (مشروع رفع كفاءة الإنترنت)، إلا أن تكرار الأعطال وتذبذب الخدمة يضع علامات استفهام حول جدوى هذه التحديثات إذا لم يلمس المواطن استقراراً حقيقياً.

 

ويشير مراقبون إلى أن اعتماد السوق المصري بشكل شبه كلي على "المصرية للاتصالات" كمزود وحيد للبنية التحتية الأرضية (حتى للشركات المنافسة التي تستأجر منها الكابلات)، يجعل أي عطل فني في سنترالاتها أو خوادمها يتحول فوراً إلى "أزمة قومية" تعزل ملايين المصريين عن العالم.

 

المطالبات تتزايد بضرورة وجود آليات رقابة مستقلة من "الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات" للتحقيق في أسباب هذه الانقطاعات، وإلزام الشركات بمعايير جودة خدمة (SLA) صارمة، تضمن حق العميل في الحصول على خدمة مستقرة مقابل ما يدفعه من اشتراكات ارتفعت أسعارها مؤخراً، بدلاً من الاكتفاء ببيانات الاعتذار التي لا تغني ولا تسمن من جوع رقمي.

 

في المحصلة، يبقى السؤال معلقاً في أذهان المستخدمين: هل كانت هذه "تحديثات" لتحسين الخدمة فعلاً، أم مجرد حلقة جديدة في مسلسل الأعطال الذي يدفع ثمنه المواطن من وقته وأعصابه وجيبه؟