قررت محكمة جنايات القاهرة – الدائرة الأولى إرهاب، تأجيل نظر القضية رقم 540 لسنة 2023 حصر أمن دولة عليا، والمقيدة برقم 3768 لسنة 2025 جنايات التجمع الخامس، إلى جلسة 16 فبراير 2026، مع استمرار حبس السيدة نجلاء فهمي، المتهمة الوحيدة من بين 71 متهمًا في القضية، في قرار أعاد تسليط الضوء على ملف الحبس الاحتياطي المطول وقضايا أمن الدولة ذات الطابع الاستثنائي.
ويأتي قرار التأجيل الجديد ليضيف فصلًا آخر في مسار قضائي طويل، بدأت فصوله في أبريل 2023، حين ألقت قوات الأمن القبض على نجلاء فهمي من داخل سجن بدر 1 أثناء زيارتها لزوجها المحبوس، بدعوى محاولتها إدخال ملابس عسكرية إليه، وهو الاتهام الذي تنفيه أسرتها ودفاعها جملة وتفصيلًا.
القبض والاختفاء القسري
وبحسب إفادات أسرة المتهمة ومحاميها، فقد جرى اقتياد نجلاء فهمي عقب القبض عليها إلى أحد مقرات الأمن الوطني، حيث تعرضت للاختفاء القسري لأكثر من 20 يومًا، دون تمكين ذويها أو محاميها من معرفة مكان احتجازها أو التواصل معها، في مخالفة صريحة لما تنص عليه القوانين المحلية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وخلال فترة الاختفاء، تؤكد مصادر مقربة من القضية أن نجلاء تعرضت لانتهاكات جسيمة، شملت الصعق بالكهرباء، والسب، والتهديد، في محاولة لانتزاع اعترافات منها، وذلك رغم معاناتها من أمراض بالقلب، الأمر الذي أثار مخاوف جدية على سلامتها الصحية والنفسية.
الظهور أمام النيابة والاتهامات
عقب انتهاء فترة الاختفاء، ظهرت نجلاء فهمي أمام نيابة أمن الدولة العليا، حيث وُجهت إليها اتهامات وصفتها منظمات حقوقية بـ”الفضفاضة والمطاطة”، أبرزها الانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام القانون، والمشاركة في تمويلها، دون الإعلان عن أدلة مادية قاطعة، وفق ما جاء على لسان هيئة الدفاع.
وظلت نجلاء قيد الحبس الاحتياطي لأكثر من عام ونصف، قبل أن تُحال في 8 أبريل 2025 إلى محكمة جنايات القاهرة، في خطوة اعتبرها حقوقيون استمرارًا لنهج إطالة أمد الاحتجاز قبل الفصل القضائي النهائي.
تأجيلات مطولة وانتقادات حقوقية
ويثير قرار تأجيل القضية حتى فبراير 2026 تساؤلات واسعة حول مبدأ “المحاكمة خلال مدة معقولة”، خاصة مع استمرار حبس المتهمة رغم كونها المتهمة الوحيدة التي ما زالت قيد الاحتجاز في القضية.
وفي هذا السياق، أكدت منظمة عدالة لحقوق الإنسان أن استمرار حبس نجلاء فهمي وتأجيل محاكمتها لفترات زمنية طويلة يعكس نمطًا متكررًا في قضايا أمن الدولة، يتمثل في التوسع في الحبس الاحتياطي وإطالة أمد التقاضي، بما يقوض ضمانات المحاكمة العادلة وحق الدفاع.
وأشارت المنظمة إلى أن الاتهامات ذات الصياغات العامة تفتح الباب أمام تأويلات واسعة، وتضع المتهمين في دائرة احتجاز مفتوحة دون حسم قضائي، وهو ما يتعارض مع المبادئ الدستورية التي تنص على أن الحبس الاحتياطي إجراء استثنائي لا يُلجأ إليه إلا للضرورة القصوى.
مطالب بوقف الحبس الاحتياطي الممتد
وطالبت منظمة عدالة، إلى جانب جهات حقوقية أخرى، السلطات باحترام المعايير الدستورية والقانونية، ووقف التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة غير مُعلنة، مع ضمان تمكين المتهمين والمتهمات من حقوقهم القانونية كاملة، وعلى رأسها الحق في محاكمة عادلة وسريعة، والرعاية الصحية الملائمة، والتواصل مع ذويهم ومحاميهم.
كما دعت إلى إعادة النظر في التشريعات والممارسات المرتبطة بقضايا أمن الدولة، بما يحقق التوازن بين متطلبات الأمن وضمانات العدالة، ويحفظ كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.
قضية مفتوحة على تساؤلات
ومع تأجيل القضية إلى العام المقبل، تبقى قضية نجلاء فهمي نموذجًا صارخًا لملف شائك يتقاطع فيه الأمن مع العدالة، ويطرح تساؤلات ملحة حول مستقبل الحبس الاحتياطي وحدود استخدامه، ومدى الالتزام بضمانات المحاكمة العادلة، في انتظار كلمة القضاء النهائية التي قد تُنهي سنوات من الانتظار والمعاناة.

