أثار رصد تماسيح في عدد من مناطق محافظات دلتا النيل خلال الأسابيع الماضية حالة من الجدل والقلق بين المواطنين، بالتزامن مع تداول صور ومقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما فتح الباب أمام تساؤلات واسعة حول مصدر هذه الكائنات الخطرة، وكيف وصلت إلى بيئة يُفترض أنها بعيدة تمامًا عن موطنها الطبيعي.

 

وفي هذا السياق، كشف خبراء في علوم البيئة والحياة البرية عن تفاصيل مهمة تفسر هذه الظاهرة غير المسبوقة، مرجحين أن يكون التدخل البشري والتخلص غير القانوني من تماسيح صغيرة هو السبب الرئيسي وراء ظهورها المفاجئ في المصارف والترع المائية بالدلتـا.

 

سيناريو التهريب والتخلص غير المشروع

 

وأوضح الخبراء أن السيناريو الأكثر ترجيحًا يتمثل في تهريب تماسيح صغيرة الحجم وبيعها بشكل غير قانوني في بعض أسواق الحيوانات، خاصة الأسواق العشوائية التي تنشط في عطلات نهاية الأسبوع، حيث يتم عرضها كحيوانات غريبة أو للزينة، دون وعي بخطورة تربيتها أو احتياجاتها البيئية.

 

ومع النمو السريع لهذه التماسيح وارتفاع تكلفة تغذيتها ورعايتها، يلجأ بعض المقتنين إلى التخلص منها بطرق غير آمنة، عبر إلقائها في المصارف المائية أو الترع، ظنًا منهم أنها ستنفوق أو تختفي، إلا أن الواقع قد يكون أكثر خطورة.

 

بيئة غير مناسبة.. لكنها كافية للبقاء مؤقتًا

 

وأشار الخبراء إلى أن التماسيح تعتمد في دورة حياتها على المياه العذبة النظيفة، ولا يمكنها العيش لفترات طويلة في مياه الصرف الملوثة، إلا أن وجودها المؤقت في بعض المجاري المائية قد يكون كافيًا لتهديد حياة المواطنين، خاصة في المناطق الزراعية والريفية التي يكثر فيها الاحتكاك المباشر بالمياه.

 

استبعاد انتقالها من بحيرة ناصر

 

ونفى المختصون بشكل قاطع فرضية انتقال التماسيح من بحيرة ناصر إلى الدلتا، مؤكدين أن السد العالي يمثل حاجزًا بيئيًا طبيعيًا لا يمكن تجاوزه، نظرًا لوجود توربينات ضخمة وشباك واقية خلفه تمنع مرور الكائنات الكبيرة.

 

وأضافوا أن أي محاولة لعبور التماسيح عبر هذا الحاجز ستؤدي على الأرجح إلى نفوقها، فضلًا عن عدم تسجيل أي حالات موثقة لرصد تماسيح في محافظات الصعيد الواقعة على مسار النهر، ما يعزز فرضية التدخل البشري المباشر.

 

غياب الصعيد وحضور الدلتا.. مؤشر خطير

 

وأكدت المصادر أن عدم تسجيل وقائع مماثلة في محافظات الصعيد، مقابل تكرار البلاغات في مناطق الدلتا، يعد مؤشرًا واضحًا على أن الظاهرة ليست طبيعية، وإنما ناتجة عن سلوكيات فردية غير مسؤولة، تمثل خطرًا على الأمن البيئي والمجتمعي.

 

تهديد مزدوج: المواطن والتوازن البيئي

 

وحذر خبراء البيئة من أن هذه الممارسات لا تمثل فقط تهديدًا مباشرًا لحياة المواطنين، خاصة الأطفال والمزارعين، بل تؤدي أيضًا إلى الإخلال بالتوازن البيئي، وإدخال كائنات مفترسة إلى نظم بيئية غير مهيأة لاستيعابها، بما قد يترتب عليه آثار سلبية طويلة المدى.