تدخل العلاقات الأميركية–الفنزويلية مرحلة غير مسبوقة من التصعيد السياسي والعسكري، مع تزايد المؤشرات على اقتراب واشنطن من فرض وقائع جديدة بالقوة في البحر الكاريبي، في وقت لا يستبعد فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب خيار الحرب، ويُصعّد من أدوات الضغط عبر الحصار النفطي والعقوبات الواسعة، ما يثير قلقاً إقليمياً ودولياً من انزلاق الأوضاع نحو مواجهة مفتوحة قد تتجاوز حدود فنزويلا.
ترامب: الحرب خيار مطروح
في مقابلة هاتفية مع شبكة “إن بي سي نيوز”، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب صراحة أنه لا يستبعد احتمال خوض حرب ضد فنزويلا، قائلاً إن هذا الخيار “لا يزال مطروحاً على الطاولة”.
ورغم امتناعه عن الجزم بنيته الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، إلا أن تصريحاته حملت رسائل تهديد مباشرة، حين قال إن مادورو “يعرف تماماً ما نريده”.
In a pre-dawn action early this morning on Dec. 20, the US Coast Guard with the support of the Department of War apprehended an oil tanker that was last docked in Venezuela.
— Secretary Kristi Noem (@Sec_Noem) December 20, 2025
The United States will continue to pursue the illicit movement of sanctioned oil that is used to fund… pic.twitter.com/nSZ4mi6axc
وتزامنت هذه التصريحات مع إعلان واشنطن مصادرة ناقلات نفط إضافية قبالة السواحل الفنزويلية، في إطار حصار بحري فعلي يستهدف شريان الاقتصاد الفنزويلي، وهو قطاع النفط الذي يمثل المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في البلاد.
حصار نفطي وتصعيد بحري
أكدت الإدارة الأميركية أنها ماضية في اعتراض السفن الخاضعة للعقوبات في المياه الدولية قرب فنزويلا، بمشاركة خفر السواحل الأميركي وبدعم من البحرية.
وبحسب مصادر أميركية، فإن البيت الأبيض يسعى إلى إضفاء “غطاء قانوني” على عمليات المصادرة، وتقديمها باعتبارها إجراءات قانونية وليست أعمالاً حربية.
وتقول واشنطن إن هذه الإجراءات تأتي في إطار مكافحة “إرهاب المخدرات”، متهمة حكومة مادورو بإدارة ما تصفه بـ”كارتل مخدرات إرهابي”، وهي اتهامات تنفيها كاراكاس بشدة، معتبرة أن الهدف الحقيقي هو خنق الاقتصاد الفنزويلي والسيطرة على موارده النفطية.
عقوبات تطال العائلة والمقرّبين
في سياق الضغط المتواصل، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات جديدة على سبعة أشخاص من أقارب الرئيس الفنزويلي ومحيطه العائلي، بينهم شقيقة زوجته وأفراد آخرون من عائلتها، إضافة إلى أقارب رجال أعمال يُشتبه في علاقتهم الوثيقة بنظام مادورو.
وبموجب هذه العقوبات، سيتم تجميد أي أصول تعود للمستهدفين داخل الولايات المتحدة، في خطوة وصفتها واشنطن بأنها جزء من تفكيك “شبكات الفساد والتمويل غير المشروع” المرتبطة بالحكومة الفنزويلية.
رد فنزويلي غاضب: قرصنة دولية
في المقابل، أدانت فنزويلا بشدة احتجاز ناقلات النفط، ووصفت هذه العمليات بأنها “قرصنة دولية خطيرة” و”سرقة علنية” في المياه الدولية. وأعلنت الحكومة الفنزويلية عزمها اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي والمنظمات متعددة الأطراف، مؤكدة أن هذه الانتهاكات لن تمر دون محاسبة.
كما شددت كاراكاس على أن صادراتها النفطية ستستمر رغم ما وصفته بـ”الحصار غير المشروع”، مشيرة إلى اعتمادها خططاً بديلة وأساطيل نقل لا تخضع للعقوبات المباشرة.
تحذير برازيلي ومخاوف إقليمية
التصعيد الأميركي قوبل بتحذيرات شديدة من قادة أميركا اللاتينية. فقد أكد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أن أي تدخل عسكري أميركي في فنزويلا سيكون “كارثة إنسانية” وسابقة خطيرة على مستوى العالم، محذراً من عودة الوجود العسكري الأجنبي إلى القارة بعد عقود من محاولات التحرر من الهيمنة الخارجية.
وأبدى لولا استعداده للتوسط من أجل حل سلمي بين واشنطن وكاراكاس، لتفادي اندلاع نزاع مسلح قد يزعزع استقرار المنطقة بأكملها.
روبيو: تغيير الوضع أولوية
من جهته، صعّد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لهجته، معلناً أن بلاده “عازمة على تغيير الوضع في فنزويلا”، وأن النظام القائم هناك غير مقبول من وجهة نظر واشنطن. واتهم روبيو الحكومة الفنزويلية بالتعاون مع تنظيمات إرهابية وتهديد الأمن القومي الأميركي، مؤكداً استمرار اتخاذ “خطوات قوية” لمنع ذلك.
وفيما يتعلق بالدور الروسي، أشار روبيو إلى أن موسكو منشغلة بالحرب في أوكرانيا، مكتفياً بالقول إن دعمها لفنزويلا لا يتجاوز الإطار السياسي.
انتشار عسكري غير مسبوق
وعززت الولايات المتحدة منذ أشهر وجودها العسكري في البحر الكاريبي، عبر نشر سفن حربية، وغواصات، وطائرات مقاتلة، إضافة إلى إرسال حاملة الطائرات “جيرالد فورد”، الأكبر في العالم. ويرى خبراء عسكريون أن هذا الحشد هو الأكبر في المنطقة منذ أزمة الصواريخ الكوبية في ستينيات القرن الماضي.
ورغم ذلك، يشكك محللون في قدرة هذه القوات على تنفيذ غزو بري شامل، معتبرين أن الهدف الأساسي هو الضغط النفسي والسياسي على النظام الفنزويلي، وتهيئة الأرضية لضربات جوية محتملة إذا لم تستجب كاراكاس للمطالب الأميركية.
تداعيات اقتصادية عالمية
التصعيد الأميركي انعكس سريعاً على أسواق الطاقة، إذ تشير توقعات إلى احتمال ارتفاع أسعار النفط في حال استمرار الحصار، خاصة مع تراجع صادرات فنزويلا الحادة منذ بدء مصادرة الناقلات.
ويحذر محللون من أن فقدان نحو مليون برميل يومياً من الإمدادات قد يفاقم تقلبات السوق العالمية، رغم وجود فائض نسبي في المعروض حالياً.

