في فضيحة تكشف انهياراً أخلاقياً وأمنياً كاملاً لنظام الانقلاب، رصدت مؤسسات المجتمع المدني 75 حالة انتهاك جنسي – تحرش وهتك عرض – ضد طلاب وطالبات داخل المدارس بين نوفمبر 2023 ونوفمبر 2025، في جرائم وقعت في الفصول ودورات المياه وغرف الأنشطة بعيداً عن الأعين، منذ تولي وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف، مما يؤكد نمطاً متعمداً يستهدف الأطفال في أكثر الأماكن المفترض أن تكون آمنة.

 

هذه الأرقام ليست إحصاءات، بل دماء بريئة تُسفك على مذبح فساد نظام يحمي الجناة – معلمين وإداريين وسائقين – ويستر على الجرائم، بينما يترك الأطفال فريسة سهلة في بيئة تعج بالانحراف والفوضى.

 

75 جريمة في المدارس: القاهرة الأولى والحكومية الأكثر تلوثاً

 

تصدرت محافظة القاهرة بـ17 حالة، تلتها الإسكندرية وأسيوط بـ14 لكل، والوادي الجديد بـ13، والجيزة بـ11، بينما سجلت محافظات أخرى حالات متفرقة، في إحصاء يفضح فشلاً أمنياً شاملاً يمتد من العاصمة إلى أقصى الريف. المدارس الحكومية سجلت 46 حالة في 15 مدرسة، تلتها الخاصة بـ17 في 5 مدارس، والدولية بـ12 في 4 فقط، مما يكشف أن الفوضى ليست خاصة بل عامة، وأن النظام الذي يدير التعليم كثكنة عسكرية يفشل في حماية أطفاله.

 

يؤكد الخبير التربوي محب عبود، وكيل نقابة المعلمين المستقلة، أن هذه الانتهاكات "ثمار مريرة لنبت شرير زرع في المجتمع"، مشيراً إلى دعاوى ضد وزير التعليم تشكك في شهاداته دون تحقيق، ومطالباً بمراقبة صارمة ومحاسبة بعيدة عن "ثقافة التكتم" التي تحمي المعتدين. ويضيف عبود أن اختيار قيادات غير مؤهلة وعدم تطبيق اللوائح يجعل المدارس "ترمومتراً للانحراف المجتمعي"، في اتهام مباشر للنظام بتحويل التعليم إلى مصنع جرائم.

 

استهداف الأطفال الهشّين: فتيات الابتدائي أولى الضحايا والثقافة الذكورية المسمومة

 

تركز الجرائم على الأطفال الأصغر (4-10 سنوات) في الابتدائي ورياض الأطفال، لأنهم "الأكثر هشاشة واعتماداً على الكبار"، كما توضح الاستشارية النفسية الدكتورة ألفت علام، التي ترى في استهداف الفتيات تحديداً "جزءاً من عنف أوسع ضد النساء"، مدفوعاً ببنية ثقافية تجعل الفتاة "أنثى جنسية" قبل النضج، مع قناعة المعتدين بضعف المحاسبة في نظام يتستر على جرائمه.

 

تؤكد منى عزت، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة نون لرعاية الأسرة، أن الكشف عن 75 حالة نتيجة عمل نسوي طويل كشف التستر المدرسي، مطالباً بتحليل مخدرات دوري، صناديق شكاوى، وفرق نفسية بصلاحيات حقيقية، وسحب تراخيص المدارس المتسترة، في نقد لنظام يضغط على الأسر للصمت ويحمي الجناة على حساب الأطفال.

 

ويحذر الدكتور محمد الغزالي، خبير علم نفس اجتماعي، من أن "التستر المدرسي يُنتج جيلاً مخافاً من الكبار"، مشدداً على ضرورة فصل التعليم عن "النفوذ السياسي" الذي يحمي المعتدين، وتدريب الوالدين على كشف التغييرات السلوكية للأطفال.

 

فشل النظام في الحماية: تستر مدرسي وغياب ردع حقيقي

 

التعامل مع الانتهاكات بالتستر – ضغط على الأسر وإخفاء الجرائم – يجعل المدارس "بيئة خطرة"، كما يصفها المحامي والناشط الحقوقي محمود عباس، الذي يطالب بسحب التراخيص فوراً ومحاسبة الإدارات المتواطئة، مؤكداً أن "ثقافة التبرير" في زمن الانقلاب تحول التعليم إلى مصيدة للأطفال.

 

ويضيف الدكتورة فاطمة الزهراء، خبيرة تربية أطفال، أن غياب الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين بصلاحيات، مع استمرار تعيينات سياسية غير مؤهلة، يجعل المدارس "مسرح جرائم"، مطالباً بمناهج تربوية تنبذ العنف وتعزز الإبلاغ المبكر، بعيداً عن سيطرة نظام يرى في كل شكوى تهديداً.

 

أما الناشطة النسوية لمياء السيد، فترى أن "75 حالة هي قمة جبل الجليد"، مشددة على أن التستر الحكومي والمدرسي جزء من عنف بنيوي يحمي الذكور المعتدين، ويحول الأطفال إلى ضحايا صامتين في نظام يفضل الصمت على المساءلة.

 

في الختام، 75 جريمة في عامين تُدين نظام الانقلاب الذي حوّل المدارس من ملاذ آمن إلى كمين للبراءة، مع تستر يحمي الجناة ويُدمر الأجيال. الإصلاح الحقيقي يتطلب إسقاطاً لثقافة الكبت، ومحاسبة فورية، وإعادة بناء تعليم يحمي لا يُدمر.