في الوقت الذي ينتظر فيه المصريون شهر رمضان الكريم كمتنفس روحي، جاءت تصريحات شعبة القصابين لتصب الزيت على نار الغلاء المستعر، مبشرة بزيادات جديدة في أسعار اللحوم لعام 2026.

 

هذه التصريحات لم تكن مجرد توقعات اقتصادية، بل جاءت كشهادة إدانة واضحة لسياسات حكومة الانقلاب التي أغرقت البلاد في دوامة الاستيراد، وتركت المواطن فريسة لتقلبات الأسواق العالمية وفشل الإدارة المحلية، وسط تبريرات حكومية واهية بالاكتفاء الذاتي الذي لا وجود له إلا في التصريحات الإعلامية.

 

وهم الاكتفاء الذاتي وكذب التصريحات الرسمية

 

تعكس تصريحات سعيد زغلول، نائب رئيس شعبة القصابين، حقيقة الفجوة الهائلة بين الواقع المؤلم والبروباغندا الحكومية. فبينما يخرج وزراء النظام للحديث عن "الاكتفاء الذاتي"، يكشف زغلول عن كارثة حقيقية تتمثل في أن 95% من العجول المذبوحة في مصر مستوردة، وأن 90% من الأعلاف تأتي من الخارج.

 

ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن علي، أن هذه الأرقام تفضح زيف الادعاءات الحكومية حول الأمن الغذائي، مؤكداً: "كيف تتحدث الحكومة عن استقرار الأسعار وهي رهنت قوت المصريين بالكامل للخارج؟ الاعتماد شبه الكلي على الاستيراد يعني أن أي تقلب في سعر العملة أو الأسواق العالمية سيدفعه المواطن البسيط فوراً من جيبه، وهو ما يثبت فشل السياسات الزراعية للنظام الحالي".

 

المواطن ضحية بين مطرقة الشتاء وسندان الجشع الحكومي

 

لم تكتفِ الأزمات بضغط الطلب الموسمي، بل أضاف فصل الشتاء عبئاً جديداً على تكاليف الإنتاج. حيث أوضح زغلول أن الحيوانات تستهلك كميات أكبر من الأعلاف شتاءً، مما يرفع التكلفة النهائية. وفي ظل وصول سعر الكيلو في المناطق الشعبية -التي تُعد الأرخص- إلى 380 جنيهاً، يصبح اللحم حلماً بعيد المنال للكثيرين.

 

ويعلق الناشط العمالي والمهتم بالشأن المعيشي، حسن الشافعي، قائلاً: "الحكومة تخلت عن دورها في دعم مستلزمات الإنتاج وتركت الفلاح والمربي الصغير يواجهون أسعار الأعلاف الجنونية بمفردهم. الحديث عن زيادات طفيفة هو استخفاف بعقول الناس؛ فالأسعار الحالية أصلاً تفوق قدرة السواد الأعظم من الشعب، وأي زيادة جديدة تعني حرمان ملايين الأسر من البروتين الحيواني في شهر الصيام".

 

شماعة "الجزارين" وتبرئة الفاسدين الكبار

 

في محاولة لتوجيه الغضب الشعبي بعيداً عن المتسبب الحقيقي في الأزمة، غالباً ما يتم تصدير صغار الجزارين كأكباش فداء. وهو ما رفضه نائب رئيس الشعبة، مؤكداً أن الجزارين يتعرضون لانتقادات غير منصفة بينما الأزمة هيكلية تتعلق بالاستيراد.

 

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي أحمد سالم: "النظام بارع في خلق صراعات بينية داخل المجتمع، فيترك المواطن يلوم الجزار، والجزار يلوم المستورد، بينما يخرج كبار المسؤولين من المشهد دون محاسبة. الأزمة ليست في جشع تاجر تجزئة، بل في منظومة اقتصادية متهالكة تدار بعشوائية وتفتقر لأي رؤية استراتيجية لتوطين صناعة اللحوم والأعلاف".

 

ويختتم الخبير في الأمن الغذائي، الدكتور محمد سليم، محذراً من التداعيات الاجتماعية: "استمرار هذه السياسات التي تعتمد على الاستيراد بنسبة 95% هو انتحار اقتصادي. إذا لم تتدخل الدولة بشكل حقيقي لدعم الإنتاج المحلي بدلاً من إهدار المليارات في مشاريع فنكوشية، فإن رمضان القادم سيشهد موجة غلاء قد تعصف بما تبقى من الطبقة المتوسطة".