يمثل السودان العمق الاستراتيجي لمصر، وقد كانا يشكلان دولة واحدة حتى انفصالهما في عام  1952، ويتشاركان حدودًا بطول 1270 كيلومترًا، مما يؤكد الأهمية الكبيرة التي توليها مصر بجارتها الجنوبية، التي تشهد اقتتالاً دمويًا منذ عام 1923، في أعقاب محاولة فاشلة للإطاحة برئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح، وزير الدفاع على يد ميليشيا محمد حمدان دقلو "حميدتي".

 

ولم تكن مصر بعيدة عن واحدة من أسوأ الصراعات العسكرية بالمنطقة التي يشهدهها السودان منذ أبريل عام 2023، مخلفة أزمة إنسانية واسعة أدت إلى نزوح أكثر من 6 ملايين سوداني، فضلاً عن قتل الآلاف في الحرب المستعرة بين الطرفين. فقد استقبلت أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوداني، ولم تخف دعمها للجيش السوداني في صراعه مع ميليشيا حميدتي.

 

دعم مصر للجيش السوداني

 

وجاء الدعم المصري للجيش السوداني في معركته لاستعادة العاصمة الخرطوم من قوات الدعم السريع في مارس الماضي، في ظل اتهام حميدتي لمصر بشن غارات جوية على قواته، ليكشف بوضوح عن انحيازها ودعمها المطلق للفريق البرهان في المعركة على السلطة.

 

لكن موقف القاهرة من سقوط الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور في أكتوبر الماضي، أثار تساؤلات وانتقادات، بخاصة وأن حليفتها دولة الإمارات العربية المتحدة لم تتوقف عن تقديم الدعم والعتاد العسكري لقوات حميدتي. 

 

وعبّر محللون عن مخاوفهم على ضوء تلك التطورات من أنه قد يُقسّم السودان إلى قسمين: شرقي تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية، ويضم العاصمة الخرطوم، والقسم الآخر غربي ويخضع لسيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، ويضم دارفور. 

 

وحذروا من أن حدوث هذا السيناريو من شأنه أن يُضعف نفوذ مصر في سياسات حوض النيل، حيث كان السودان حليفًا لها في مواجهة سياسة إثيوبيا ببناء السدود على النيل، وبالتالي التحكم في تدفقه إلى كل من مصر والسودان.

 

إضعاف موقف مصر

 

وقد أدى الصراع في السودان إلى إضعاف مساعي مصر الضعيفة أصلاً للتأثير على إدارة سد النهضة الإثيوبي، الواقع على النيل الأزرق. وحرم الصراع العنيف بين البرهان وحميدتي مصر من شريك ثابت للضغط إقليميًا ودوليًا لحماية مصالح مصر والسودان في مجال الأمن المائي، باعتبارهما دولتا المصب.
 

وقد تراجعت قدرة مصر على التأثير في الأحداث بالسودان بسبب تراجع نفوذها في المنطقة، ووجود عدد من الأطراف الخارجية التي تدعم بالفعل معسكر حميدتي، من بينها مجموعة فاجنر الروسية، التي تدير مصنعًا لمعالجة الذهب في منطقة تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وقائد منطقة شرقي ليبيا، الجنرال خليفة حفتر، علاوة على الداعم الأكبر: الإمارات العربية المتحدة. 

 

وعلى ما يبدو، فقد أدرك قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي أخيرًا مدى الخطر المحدق الذي يشكله احتمالية تقسيم السودان على الأمن القومي المصري، ولما لذلك من تداعيات خطرة على الأمن المائي لمصر، وهو ما انعكس في مجموعة من "الخطوط الحمراء" التي عبر عنها خلال استقباله قائد الجيش السوداني اليوم في القاهرة، وعلي رأسها الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، مع رفض قاطع لانفصال أي جزء أو إنشاء كيانات موازية.

 

خطوط حمراء

 

إذ أكد بيان المتحدث باسم الرئاسة المصرية، أن هناك خطوطًا حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها أو التهاون بشأنها باعتبار أن ذلك يمس مباشرة الأمن القومي المصري، الذي يرتبط ارتباطًا مباشرا بالأمن القومي السوداني.

 

وأكدت مصر أن الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم العبث بمقدراته ومقدرات الشعب السوداني هي أحد أهم هذه الخطوط الحمراء، بما في ذلك عدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان. 

 

وجددت في الوقت ذاته رفضها القاطع لإنشاء أية كيانات موازية أو الاعتراف بها باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه.

 

وشددت مصر على أن الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومنع المساس بهذه المؤسسات هو خط أحمر آخر لمصر.

 

وأكدت على حقها الكامل في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين الشقيقين لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها.

 

وأعربت مصر عن حرصها الكامل على استمرار العمل في إطار الرباعية الدولية بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية، تقود إلى وقف لإطلاق النار، يتضمن إنشاء ملاذات وممرات إنسانية آمنة لتوفير الأمن والحماية للمدنيين السودانيين، وذلك بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية.

 

تدخل مصر عسكريًا في السودان 

 

ويقول محللون إن التصريحات هي الأقوى والأوضح حتى الآن في خضم  الصراع تجاه أية محاولات لتقسيم السودان أو تقويض مؤسساته، مع التلويح بإمكانية التدخل العسكري لصالح االجيش السوداني، في ظل استمرار الصراع مع قوات الدعم السريع.

 

كما أنها تحمل رسالة مبطنة للإمارات بالتوقف عن تقديم الدعم لقوات حميدتي، بما يعزز الصراع ويطيل أمده، ويدفع في اتجاه المخاوف المصرية من إمكانية تقسيم السودان. 

 

 

ويقول الإعلامي الموالي للأجهزة الأمنية في مصر، أحمد موسى عبر حسابه في منصة "إكس"، إن "هذه الرسائل تشير بوضوح إلى التصدى لمحاولات إشعال الموقف داخل السودان، مصر تريد وقف الحرب ومع كافة الجهود التى تبذل لحقن دماء الشعب السودانى الشقيق، لكنها لن تسمح أبداااا بتفتيت السودان او إقامة كيانات موازية، لأن هذا يمس الأمن القومي المصرى، وتؤكد مصر على حقها الكامل فى اتخاذ كافة التدابير والاجراءات اللازمة التى يكفلها القانون الدولى واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين لضمان عدم المساس بالخطوط الحمراء أو تجاوزها".