قلل يوناس ييزيزيو، الباحث في مجلة "هورن ريفيو" من المخاطر التي قد يشكلها التحالف بين مصر وإريتريا على إثيوبيا، واصفًا إياه بـ "الهش"، وإن العلاقة بين البلدين على مر التاريخ اتسمت بـ "طابع نفعي أكثر منه تكاملي"، وتشكلت بفعل حسابات إقليمية متغيرة وسعي حثيث لإدارة النفوذ الإثيوبي في القرن الأفريقي.
وأضاف أنه على مدى العقود التالية لاستقلال أريتريا عن إثيوبيا في عام 1993، كانت العلاقات "متقطعة ومحدودة النطاق"، لكن هذا التحالف أعيد تنشيطه مؤخرًا بفضل خطوتين إثيوبيتين حاسمتين: تشغيل سد النهضة، وسعي أديس أبابا المتجدد نحو السيادة على الملاحة البحرية، إذ "غيّر ملء السد حسابات القاهرة للتهديدات بشكل جذري".
وتابع: "فما كان لعقود موقعًا شبه مضمون على مصب النيل، أصبح الآن محل نزاع من قِبل مشروع ضخم للطاقة الكهرومائية في المنبع، صاغته إثيوبيا على أنه تنمية سيادية. وكان المسار السياسي الذي اختارته مصر هو التحول من التفاوض والمنازعات القانونية إلى البحث عن أدوات تعويضية للنفوذ والاحتواء".
السد الإثيوبي
وأشار إلى أن تشغيل السد عزز توجهًا سياسيًا في القاهرة يسعى إلى إيجاد شركاء خارجيين قادرين على تعقيد المناورات الإثيوبية، لافتًا في الوقت ذاته إلى أن سعي أديس أبابا الصريح نحو الخيارات البحرية، والذي تجسد في مذكرة التفاهم مع "أرض الصومال" وغيرها من المبادرات لتأمين منفذ إلى البحر الأحمر أدى إلى تفاقم المخاوف في كل من القاهرة وأسمرة.
وأوضح الباحث: "فبالنسبة لمصر، أتاح النفوذ البحري الإثيوبي إمكانية الجمع بين النفوذ المائي والوصول الاستراتيجي الجديد إلى البحر الأحمر. أما بالنسبة لإريتريا، فتستمد قيمتها الإقليمية جزئيًا من ساحلها الطويل على البحر الأحمر وسيطرتها على موانئ رئيسة، وهي ميزة تسعى للحفاظ عليها من خلال تقييد وصول إثيوبيا إلى البحر".
وتابع: "ولو تمكنت إثيوبيا من تأمين منفذ ساحلي، لتضاءل النفوذ الجغرافي الحصري لإريتريا، ولأعاد الوجود الإثيوبي على طول الساحل ضبط موازين القوى والأمن على امتداد ساحل البحر الأحمر. ولذلك، وفرت اتفاقيات الموانئ الإثيوبية للقاهرة مبررًا إضافيًا لتكوين شراكات ساحلية قادرة على تقييد طموحات أديس أبابا أو تعقيدها".
ولفت ييزيزيو في هذا السياق إلى أن مصر تهدف عبر إريتريا إلى تقييد إثيوبيا، "وتستمد أسمرة أهميتها بالنسبة للقاهرة من موقعها الساحلي، وقربها من شمال إثيوبيا، وتاريخها في التدخل بالوكالة في السودان ومنطقة القرن الأفريقي".
وذكر أن مصر ركزت في تعاملها مع أسمرة على الأمن والاحتواء بدلاً من التعاون التنموي، مدللاً على الطابع النفعي لهذه العلاقة، بأن حجم التبادل التجاري الثنائي ضئيل للغاية، ولم تُنشأ أي استثمارات أو برامج صناعية مصرية كبيرة، ولم تُبذل أي جهود جادة لإضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات الاقتصادية أو الشعبية.
فيما تحدث عن عمليات ترحيل من مصر لمواطنين إريتريين، بما فيها حالات موثقة لعمليات طرد جماعية وقسرية لطالبي اللجوء، فيما تصف منظمات حقوق الإنسان وخبراء الأمم المتحدة هذا النهج بأنه "أمني ومتقطع، يتعامل مع إريتريا كمصدر للخطر لا كشريك في الحماية".
تحالف تكتيكي
وقال الباحث إن الزيارات رفيعة المستوى والأطر الأمنية منذ عام 2023 تمحورت بشكل صريح حول إدارة البحر الأحمر ومقاومة النفوذ البحري الإثيوبي، مما يعزز فكرة أن هذه الشراكة هي تحالف تكتيكي وليد الظروف الطارئة وليست شراكة استراتيجية مستدامة.
لذا، رأى أن هذه العلاقة تعرَّف بما تُعارضه أكثر مما تسعى إلى بنائه، معتبرًا أن ما تسعى إليه كل من القاهرة وأسمرلاة يتمحور حول هدف واحد: إثيوبيا. فقد تشكّلت السياسة الخارجية لإريتريا بعد الاستقلال بفعل إرث من انعدام الثقة والتوجه العسكري تجاه جيرانها، حيث حوّلت حرب الحدود بين عامي 1998 و2000 حليفًا حديثًا في النضال إلى خصم رئيس.
في المقابل، أشار الباحث إلى أن مصر صوّرت إثيوبيا على أنها التحدي الرئيس لسيطرتها التاريخية على مياه النيل. وقد أدى هذا التقارب في تصور التهديد إلى تعاون، لا إلى تكامل. وهذا ما يُميّز العلاقة المصرية الإريترية عن علاقات القاهرة الأكثر تعقيدًا مع السودان أو الدول العربية، حيث تتشابك الهوية والتجارة وسياسات المياه والأمن لتُشكّل علاقات أكثر كثافة.
واتهم كلا النظامين بأنها يتبعان سياسات خارجية "رد فعلية وانتهازية"، إذ "دأبت إريتريا على استخدام التحالفات كتحوطات تكتيكية، فدعمت المتمردين في السودان، واشتبكت مع جيبوتي، وغيرت تحالفاتها تبعًا لتغير التهديدات المُتصورة".
واعتبر أن الهدف هو الردع والتأثير بدلًا من التكامل طويل الأمد. وينطبق منطق رد الفعل نفسه على مساعي مصر للتواصل مع أسمرة. فبعد فشلها في تغيير مسار سد النهضة عبر الدبلوماسية، اتجهت القاهرة نحو الاحتواء، ساعيةً إلى إيجاد شركاء ساحليين قادرين على تضييق الخناق على إثيوبيا في القرن الأفريقي وعلى طول البحر الأحمر.
وقال إن هذا الموقف أسفر عن أطر تعاون وخطاب أمني، لكنه لم يُفضِ إلى مشاريع اقتصادية متداخلة تُرسخ عادةً الشراكات الاستراتيجية.
الوجود البحري الإثيوبي في البحر الأحمر
وأضاف أن مصر وإريتريا تعاملتا مع قضية وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر بحذر وتوافق، رافضتان أي مبادرات من شأنها إضفاء الطابع الطبيعي على الوجود البحري الإثيوبي في البحر الأحمر.
لكنه رأى أن "هذا التعارض المشترك لا يُعدّ رابطًا مستقرًا. فالمحور يعتمد على بقاء أديس أبابا خصمًا واضحًا وحاضرًا. وإذا ما أعادت إثيوبيا تقييم موقفها، أو ضمنت لنفسها منفذًا معترفًا به على نطاق واسع إلى الموانئ، أو خففت من حدة التوترات مع أي من الطرفين، فإن الرابط الذي يجمع القاهرة وأسمرة سيفقد قوته سريعًا".
واعتبر أنه "على المستوى النفسي السياسي، تتعامل العاصمتان مع العلاقة من منظور نفعي. يدرك كل طرف الطبيعة المؤقتة لهذه العلاقة. فمصر على دراية بسجل إريتريا الحافل بالتحولات الدبلوماسية المفاجئة، كما تجلى ذلك في الانفتاح الوجيز مع إثيوبيا عام 2018. وتدرك إريتريا أن القاهرة تجاهلتها إلى حد كبير لسنوات، ولم تلتفت إليها بشكل عاجل إلا عندما ضاقت الخيارات الأخرى للتأثير على أديس أبابا".
وقال إنه "هذا الوعي المتبادل يولد الحذر والتردد في إضفاء الطابع الرسمي على التعاون بطرق من شأنها أن تغلق خيارات الانسحاب. وتؤكد البيانات المشتركة على المواقف المتشابهة بشأن إثيوبيا وأمن البحر الأحمر، لكنها لا تصل إلى حد المعاهدات الملزمة أو الالتزامات المؤسسية العميقة".
https://hornreview.org/2025/12/18/why-the-egypt-eritrea-axis-remains-fragile/

