تواصل محاكم أمن الدولة العليا نظر عدد من القضايا السياسية واسعة النطاق وسط قرارات متتالية بالتأجيل، في مشهد يعكس استمرار معاناة مئات المتهمين مع الحبس الاحتياطي المطوّل، وتزايد المخاوف الحقوقية بشأن ضمانات المحاكمة العادلة، واحترام سيادة القانون، خاصة مع وجود نساء وأطفال بين المتهمين.
وخلال جلسات منتصف ديسمبر 2025، أصدرت الدائرة الثانية إرهاب بمحكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار وجدي عبد المنعم، قرارات بتأجيل نظر ثلاث قضايا بارزة، من بينها القضية المعروفة إعلاميًا بـ«ولاية سيناء»، إلى جانب قضيتين أخريين تضمّان مئات المتهمين، في ظل استمرار حبسهم منذ سنوات.
«ولاية سيناء».. أكثر من خمس سنوات خلف القضبان وانتظار الشهود
في 14 ديسمبر 2025، نظرت الدائرة الثانية إرهاب جلسة محاكمة المتهمين في القضية رقم 810 لسنة 2019 حصر أمن الدولة العليا، والمعروفة إعلاميًا بـ«ولاية سيناء»، وقررت تأجيل نظرها إلى جلسة 21 فبراير 2026، لسماع الشهود.
وتُعد هذه القضية واحدة من أضخم القضايا السياسية من حيث عدد المتهمين إذ تضم 314 متهمًا من بينهم 26 سيدة أُخلي سبيلهن جميعًا باستثناء السيدة سلمى سويلم، إضافة إلى 4 متهمين من الأطفال الذين تم القبض عليهم وهم دون سن 18 عامًا. وقد وُجهت إلى المتهمين اتهامات متعددة، من بينها الانضمام إلى جماعة إرهابية، وحيازة أسلحة، ونشر أخبار كاذبة.
ويأتي قرار التأجيل بعد أن قضى المتهمون أكثر من خمس سنوات رهن الحبس الاحتياطي، رغم أن وقائع القضية تعود إلى عام 2019، فيما صدر قرار إحالتهم جميعًا إلى المحاكمة في 19 سبتمبر 2024. وتشير الوقائع إلى أن القضية شملت متهمين ألقي القبض عليهم لأول مرة على ذمتها، إلى جانب آخرين جرى تدويرهم من قضايا سياسية سابقة.
ومن أبرز المحبوسين احتياطيًا على ذمة القضية الداعية الشيخ سمير مصطفى، المقبوض عليه منذ عام 2017، والمعروف بنشاطه الدعوي ومحاضراته المنتشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، والذي يحظى بمتابعة واسعة داخل مصر وخارجها.
القضية رقم 1391 لسنة 2022.. 116 متهمًا بينهم أطفال وسيدة
وفي سياق متصل، قررت المحكمة في جلسة 15 ديسمبر 2025 تأجيل نظر القضية رقم 1391 لسنة 2022 حصر أمن الدولة العليا إلى جلسة 22 فبراير 2026، بعد أن كانت قد أُحيلت إلى المحاكمة في 12 نوفمبر 2024.
وتضم القضية 116 متهمًا من بينهم 5 أطفال، وسيدة واحدة، و110 متهمين من الذكور البالغين. وُجهت إلى المتهمين البالغين اتهامات جسيمة، شملت تولي قيادة جماعة إرهابية، وتأسيس جماعة إرهابية على خلاف أحكام القانون، والانضمام إليها مع العلم بأغراضها، والترويج لأفكارها، وتمويلها، والتحريض على ارتكاب أعمال عنف، فضلًا عن إحراز ذخائر وأسلحة نارية، سواء مشخشنة أو غير مشخشنة، دون ترخيص.
أما السيدة والأطفال، فقد وُجهت إليهم اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويلها. ولا تزال القضية قيد نظر القضاء مع استمرار حبس جميع المتهمين، الأمر الذي يثير مخاوف حقوقية متزايدة بشأن استخدام الحبس الاحتياطي لفترات ممتدة، ومدى مراعاة المصلحة الفضلى للأطفال، وضمان عدم إخضاعهم لإجراءات استثنائية.
القضية رقم 333 لسنة 2023.. أسرة كاملة أمام المحكمة
وفي اليوم نفسه، نظرت الدائرة الثانية إرهاب جلسة محاكمة المتهمين في القضية رقم 333 لسنة 2023 حصر أمن الدولة العليا، وقررت تأجيل نظرها إلى جلسة 10 فبراير 2026.
وتعود إحالة هذه القضية إلى 14 يوليو 2025، وتضم 25 متهمًا من بينهم أسرة كاملة، وسيدة واحدة هي مريم جميل لوقا، وُجهت إليها اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية والتمويل. كما شملت القضية سيدة أخرى هي مروة محمد عباس الصعيدي، التي سبق إخلاء سبيلها واستبعادها من القضية.
وتنوعت الاتهامات الموجهة إلى المتهمين بين تولي قيادة جماعة إرهابية، والانضمام إليها، وارتكاب جرائم تمويل، والاشتراك في تزوير محاضر وأوراق أميرية، ولا تزال القضية قيد نظر القضاء دون صدور حكم حتى الآن.
مخاوف حقوقية وتساؤلات حول العدالة
تُعيد هذه القرارات المتتالية بالتأجيل فتح ملف الحبس الاحتياطي المطوّل، الذي تحوّل في عدد من القضايا إلى ما يشبه العقوبة في حد ذاته، بحسب منظمات حقوقية.
كما تبرز تساؤلات جدية حول مدى التزام السلطات القضائية بمعايير المحاكمة العادلة، خاصة مع وجود أطفال ونساء بين المتهمين، واستمرار احتجازهم لفترات طويلة دون حسم قضائي نهائي.
وتجدد مؤسسات حقوقية، مطالبها بضرورة احترام سيادة القانون، وكفالة حقوق جميع المتهمين وضمان محاكمات عادلة تتوافق مع الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بعيدًا عن الممارسات الأمنية والتوسع في الإجراءات الاستثنائية، وبما يضمن حماية حقوق الأطفال والنساء، وعدم المساس بضمانات العدالة.

