في مشهد يعيد للأذهان كوارث الانهيار الاقتصادي المتتالية، تضرب "الحمى القلاعية" بقوة وعنف مزارع الماشية في مصر، مخلفة وراءها آلاف الرؤوس النافقة وخسائر بالملايين للمربين والفلاحين، وسط صمت مريب وتجاهل متعمد من حكومة الانقلاب. الأزمة الحالية لم تعد مجرد موجة مرضية موسمية، بل تحولت إلى "مذبحة صامتة" للثروة الحيوانية نتيجة غياب التحصينات الفعالة وانهيار المنظومة البيطرية، مما يهدد البلاد بموجة غلاء فاحش وغير مسبوق في أسعار اللحوم مع اقتراب شهر رمضان المبارك، ليدفع المواطن البسيط ثمن فشل الإدارة العسكرية للملف الغذائي.

 

انهيار منظومة التحصين وتواطؤ حكومي

 

يؤكد الواقع الميداني أن حكومة الانقلاب تركت الفلاحين فريسة لهذا الوباء دون غطاء وقائي حقيقي. فالتحصينات التي تتشدق بها وزارة الزراعة أثبتت عدم فاعليتها في كثير من الأحيان، إما لسوء التخزين أو لعدم ملاءمتها للعترات الفيروسية المتحورة.

 

وفي هذا السياق، حذر الدكتور علي سعد، النقيب العام للأطباء البيطريين، مرارًا من الكارثة التي تعيشها الهيئة العامة للخدمات البيطرية، مؤكدًا في تصريحات سابقة أن العجز الصارخ في أعداد الأطباء البيطريين هو السبب الرئيسي في تفشي الأوبئة. وأشار "سعد" إلى أن الحكومة توقفت عن تعيين أطباء بيطريين جدد منذ منتصف التسعينيات، مما أدى إلى خلو الوحدات البيطرية في القرى والنجوع من الأطباء القادرين على تنفيذ حملات التحصين القومية، مؤكدًا أن "التعيينات متوقفة تمامًا، وعمر الطبيب البيطري الحكومي تجاوز الـ 50 عامًا، فكيف سيقوم بمطاردة الوباء في كل حظيرة؟". هذا التصريح يكشف بوضوح أن النظام يتعمد تهميش خط الدفاع الأول عن غذاء المصريين، مما يسهل انتشار الفيروسات التي تقضي على العجول الصغيرة وتسبب ضمورًا في عضلات القلب، منهية دورتها الإنتاجية قبل أن تبدأ.

 

"الذبح الاضطراري".. استنزاف للأصول وتلاعب بصحة المواطنين

 

مع تزايد حالات الإصابة وعدم قدرة الحيوانات على الأكل بسبب تقرحات الفم واللسان، يضطر المربون إلى ما يسمى "الذبح الاضطراري" لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أموالهم، وهو ما يغرق الأسواق بلحوم حيوانات مريضة تُعرف بـ "الوقيع".

 

ويؤكد يوسف البسومي، نقيب الجزارين، في تصريحات صحفية، خطورة الوضع الراهن، مشيرًا إلى أن الحمى القلاعية تضرب "الحيوان الكاسب" وتمنعه من الوصول للوزن المثالي. وأوضح "البسومي" أن التأثير الحقيقي للأزمة سيظهر جليًا في الأسعار خلال الفترة المقبلة، خاصة إذا استمرت معدلات الإصابة في الارتفاع. ولفت إلى ظاهرة خطيرة وهي بيع لحوم الحيوانات المصابة بأسعار بخسة عبر تجار "الوقيع"، محذرًا من أن غياب الرقابة والوعي وعدم الحصر الدقيق للإصابات سيؤدي إلى قفزات سعرية هائلة للحوم السليمة التي يتراوح سعرها حاليًا بين 400 و440 جنيهًا، متوقعًا ألا يجد المواطن لحمًا سليمًا بأسعار في المتناول مع دخول موسم رمضان.

 

خسائر فادحة للفلاحين وتهديد للأمن الغذائي

 

لم يقف الأمر عند حدود ارتفاع الأسعار، بل وصل إلى "خراب بيوت" صغار المربين الذين يمثلون العصب الحقيقي للثروة الحيوانية في مصر. غياب التعويضات الحكومية وارتفاع أسعار الأعلاف والأدوية، بالتزامن مع نفوق المواشي، دفع الكثيرين للخروج من المنظومة نهائيًا.

 

وفي هذا الصدد، شن حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، هجومًا حادًا على السياسات الزراعية الحالية، مؤكدًا أن الخسائر التي يتعرض لها المربي لا تعوض. وأوضح "أبو صدام" في تصريحاته أن تفشي الحمى القلاعية في هذا التوقيت هو "نذير شؤم"، حيث يقضي المرض على العجول الرضيعة التي كان يُفترض أن تكون إنتاج العام المقبل، مما يعني حدوث فجوة غذائية ونقص حاد في المعروض من اللحوم والألبان مستقبلاً. وأكد نقيب الفلاحين أن استمرار تجاهل الحكومة لدعم المربي الصغير وتوفير الأمصال المستوردة عالية الجودة بدلاً من المحلية ضعيفة المفعول، سيؤدي حتمًا إلى وصول سعر كيلو اللحم إلى أرقام فلكية يعجز عنها المواطن، محملًا الحكومة المسؤولية الكاملة عن تدمير الثروة الحيوانية وسحق الفلاح المصري.

 

إن ما يحدث الآن ليس مجرد وباء طبيعي، بل هو جريمة إهمال مكتملة الأركان، يدفع ثمنها المواطن من صحته وجيبه، بينما تقف حكومة الانقلاب موقف المتفرج، مكتفية بتصريحات وردية لا تغني ولا تسمن من جوع، في انتظار انفجار سعري وشيك مع حلول الشهر الكريم.