في إطار الشكوك الواسعة حولها وما شابها من مخالفات واسعة، وجه موقع "ميدل إيست فروم" البريطاني انتقادات إلى انتخابات مجلس النواب التي شهدتها مصر أخيرًا، قائلاً إنها "لم تكن ممارسة ديمقراطية بقدر ما كانت إجراءً شكليًا مُعدًا مسبقًا". 

 

ومع إشارته إلى هيمنة الأحزاب الموالية للنظام على الاقتراع، ووقوع مخالفات تراوحت بين شراء الأصوات واستبعاد المعارضين، رأى الموقع أنه "لم يكن هناك شك في النتيجة- برلمان صوري مُعدّ للموافقة على تمديد حكم السيسي لما بعد عام 2030".

 

وفي ضوء ذلك، تساءل مستنكرًا: "فلماذا يمنح الغرب الضوء الأخضر لنظام استبدادي مصمم على ضمان حكم فردي إلى أجل غير مسمى؟"، مضيفًا: "الجواب بسيط للغاية: يُنظر إلى السيسي على أنه لا غنى عنه استراتيجيًا. فهو حارس قناة السويس، والمسؤول الرئيس عن معبر رفح، والوسيط الحاسم بين إسرائيل وحماس، وخط الدفاع الأخير ضد الفوضى الإقليمية". 

 

واستدرك الموقع، قائلاً: "بالنسبة للغرب وإسرائيل، فإن الخوف من عدم الاستقرار المصري- انهيار دولة يبلغ تعداد سكانها 110 ملايين نسمة يعانون من الفقر المدقع- يفوق أي التزام بحقوق الإنسان أو المبادئ الديمقراطية". 

 

وأشار إلى أنه في حسابات الأمن الإقليمي الصارمة، تُعطى الأولوية حاليًا للاستمرارية على حساب المخاوف المتعلقة بالديمقراطية.

 

فخ أمني بقيمة 57 مليار دولار

 

وذكر الموقع أنه منذ يناير 2024، حصلت مصر على ما يقارب 57 مليار دولار أمريكي كحزم إنقاذ من شركاء غربيين وخليجيين. ويهدف هذا التمويل الضخم نظريًا إلى استقرار الاقتصاد المنهار، لكنه في الواقع بمثابة صندوق دعم مالي لدولة أمنية مصممة على الحفاظ على سيطرتها المطلقة على حساب الرفاه الوطني.

 

وقال إنه بينما تركز الولايات المتحدة على الحفاظ على جهود مكافحة "الإرهاب" والتنسيق بشأن غزة، استغلت حكومة السيسي هذا التمويل لدخول عقدها الثاني في السلطة عبر تكريس القمع الشامل، ويعمل النظام على اعتقال ومعاقبة المعارضين السلميين والناشطين والمتظاهرين بشكل منهجي، ما يُعدّ تجريمًا فعليًا للمعارضة.

 

واعتبر أن أكثر مظاهر هذا الجهاز القمعي سخريةً هو تكتيك يُعرف باسم "التدوير"، وهي آلية بيروقراطية تستخدم للتحايل على الإجراءات القانونية الواجبة وضمان الاحتجاز التعسفي لأجل غير مسمى. فعندما يُنهي المعارضون السياسيون أو الصحفيون أو محامو حقوق الإنسان مدة سجنهم أو يصلون إلى أقصى فترة احتجاز قبل المحاكمة، تقوم السلطات ببساطة بتوجيه تهم جديدة، غالبًا ما تكون غامضة، تتعلق بمكافحة الإرهاب ضدهم، وبالتالي "يُعادون" إلى قضية جديدة ويُبقون رهن الاحتجاز لأجل غير مسمى". 

 

ولفت الموقع إلى أن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك أدان هذه الممارسة علنًا، باعتبارها أداة تستخدمها الحكومة لقمع الأصوات المنتقدة وحرمان الأفراد من الحقوق الأساسية في الحرية.

 

المفارقة الاقتصادية ذاتية الهزيمة

 

مع ذلك، أكد الموقع أنه في الحسابات الصارمة للأمن الإقليمي، تتفوق الاستمرارية حاليًا على المخاوف المتعلقة بالديمقراطية.

 

وأشار إلى أن هذا التدفق الهائل للأموال الغربية والغطاء الدبلوماسي لا يُستخدم لمعالجة أزمة الديون الهيكلية في مصر، حيث يتجاوز الدين العام 86 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ولا للتخفيف من حدة الفقر المدقع الذي يُنهك السكان. بل على العكس، يُعطي النموذج الاقتصادي للسيسي الأولوية لمشاريع البنية التحتية الباهظة وغير الشفافة، والتي يُدير الجيش الكثير منها.

 

وأبرز كيف أن مليارات الدولارات تُضخ في مشاريع باذخة تقودها القوات العسكرية، مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة الذي بلغت تكلفته 58 مليار دولار، فيما يرى معارضوزن أن هذه الاستثمارات تؤدي إلى "مدن خاوية" وغالبًا ما تعاني من انتكاسات متكررة وتفتقر إلى دراسات الجدوى.

 

وأوضح الموقع، أنه نتيجةً لهذه الهيمنة العسكرية الصناعية، تتفاقم أزمة الخدمات المدنية الأساسية. فبينما تُنفق الدولة مواردها على مشاريع استعراضية، يضطر المواطنون إلى قطع عشرات الكيلومترات للعثور على مستشفى يعمل، أو الانتظار لساعات أمام مكتب السجل المدني أو جهاز الصراف الآلي.

 

القنبلة الموقوتة على الحدود


وراى الموقع أن الخلل الاستراتيجي في حسابات الولايات المتحدة وإسرائيل بات واضحًا بشكل صارخ: فمن خلال إعطاء الأولوية للاستقرار الفوري عبر الدعم المالي والدبلوماسي للسيسي، فإن الغرب يسرع من التدهور المنهجي الذي سيؤدي في النهاية إلى انقسام الدولة.

 

وأدرج الفقر المستشري، والركود الاقتصادي، والقمع الممنهج لجميع أشكال التعبير السياسي في سياق الظروف التي غذّت الانتفاضات العنيفة لـ"الربيع العربي" عام 2011. علاوة على ذلك، خلقت هذه الفوضى فراغًا سياسيًا واجتماعيًا مثاليًا لظهور الحركات المتطرفة.

 

وأشار إلى أنه لضمان استقرار طويل الأمد على جبهتها الجنوبية، يتعين على "إسرائيل" وحليفتها الأمريكية المطالبة بتغيير جذري في استراتيجيتهما. يجب أن تكون المليارات التي تتدفق إلى القاهرة مشروطة ليس فقط بالتعاون الأمني، بل أيضاً بإنهاء "تدوير" المعارضين، والشفافية في الإنفاق الحكومي، وإصلاح حقيقي للحوكمة. 

 

وحذر الموقع من أن الاستمرار في شراء الهدوء قصير الأجل ليس إلا تمهيدًا لعاصفة مدمرة حتمية ستجتاح الشرق الأوسط مجددًا وتهدد بتقويض عقود من التعاون الاستراتيجي.

 

https://www.meforum.org/mef-online/how-the-wests-57-billion-bailout-is-funding-egypts-next-disaster