في تطور نوعي يكشف عن الوجه الإرهابي الحقيقي لميليشيا "الدعم السريع"، لم تعد جرائم هذه العصابات المسلحة تقتصر على نهب البيوت واغتصاب الحرائر في الخرطوم ودارفور، بل امتدت نيرانها لتطال المؤسسات الدولية التي تحاول إنقاذ ما تبقى من إنسانية في السودان المنكوب.
الهجوم الوحشي بالمسيّرات على مقر الأمم المتحدة في مدينة كادوقلي المحاصرة، والذي أسفر عن مقتل ستة جنود من قوات حفظ السلام البنغالية وإصابة آخرين، ليس مجرد "تصعيد عسكري"، بل هو إعلان حرب صريح على المجتمع الدولي وقوانينه، ورسالة دموية مفادها أن هذه الميليشيا لا تعترف بأي خطوط حمراء، وأنها مستعدة لحرق الجميع من أجل بقائها وسيطرتها.
هذه الجريمة النكراء، التي تأتي بعد يومين فقط من وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لهم بـ"القوات السيئة"، تؤكد أن ميليشيا "حميدتي" قد خلعت قناع "الطرف السياسي" أو "العسكري"، لتكشف عن وجهها كجماعة مارقة تتصرف بمنطق العصابات الإجرامية، مستخفة بدماء الأبرياء وحصانة الموظفين الأمميين، في سابقة خطيرة قد تدفع المنظمات الإنسانية للهروب، تاركة ملايين الجوعى والمرضى يواجهون الموت وحدهم.
استهداف الأمم المتحدة.. جريمة حرب مكتملة الأركان
الهجوم على مقر البعثة الأممية في كادوقلي يمثل تحولاً استراتيجيًا في سلوك "الدعم السريع". فاستهداف منشأة محمية دوليًا، وقتل جنود حفظ سلام جاءوا لمساعدة المدنيين، يرقى بلا شك إلى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، كما أكد غوتيريش ومجلس السيادة السوداني.
I strongly condemn the horrific drone attacks that targeted the @UNISFA_1 logistics base in Kadugli, Sudan, resulting in fatalities & injuries of members of the Bangladeshi @UNPeacekeeping contingent.
— António Guterres (@antonioguterres) December 13, 2025
My heartfelt condolences to the families of the fallen peacekeepers & the…
هذا العمل الإرهابي المنظم يكشف عن يأس هذه القوات وتخبطها، وسعيها لخلط الأوراق عبر استجرار ردود فعل دولية عنيفة، أو ربما محاولة لابتزاز العالم وفرض واقع جديد بالقوة. إن مقتل الجنود البنغال الستة هو وصمة عار على جبين المجتمع الدولي الذي تأخر طويلاً في تصنيف هذه الميليشيا كمنظمة إرهابية، وسمح لها بالتمادي حتى طالت نيرانها جنوده وموظفيه.
سجل أسود من التطهير العرقي والاغتصاب
لم يكن هجوم كادوقلي سوى حلقة في سلسلة طويلة من الفظائع. فمنذ سيطرتها على الفاشر ومناطق واسعة في دارفور، ارتكبت قوات الدعم السريع مجازر يندى لها الجبين، حملت طابع التطهير العرقي ضد القبائل غير العربية. التقارير الدولية توثق عمليات قتل جماعي، اختطاف، واغتصاب ممنهج للنساء والفتيات، في تكرار مأساوي لسيناريوهات الإبادة الجماعية السابقة.
شبكة أطباء السودان: مقتل كادر تمريض وإصابة 3 كوادر طبية جراء قصف الدعم السريع لمستشفى الفاشر
— Sudan Doctors Network - شبكة أطباء السودان (@SDN154) October 26, 2025
تُدين شبكة أطباء السودان بأشد العبارات القصف المتعمد الذي استهدف مستشفى الفاشر التعليمي اليوم، والذي أسفر عن مقتل أحد كوادر التمريض وإصابة ثلاثة من الكوادر الطبية أثناء أداء واجبهم… pic.twitter.com/shbm4sm1DX
هذه الممارسات تؤكد أننا لسنا أمام جيش نظامي أو حتى حركة تمرد سياسية، بل أمام "آلة قتل" عنصرية، تعتاش على الفوضى والدماء، وتستخدم العنف الجنسي كسلاح حرب لكسر إرادة المجتمعات المحلية وإذلالها.
العقوبات الدولية.. هل تكفي لردع "الوحش"؟
التحركات الدولية الأخيرة، مثل العقوبات البريطانية والأمريكية والأوروبية على قادة الميليشيا، وعلى رأسهم عبد الرحيم دقلو، تعد خطوات في الاتجاه الصحيح، لكنها تبدو "متأخرة وغير كافية" أمام حجم الجرائم.
فالميليشيا التي تمتلك شبكات تمويل معقدة وتجارة ذهب وسلاح عابرة للحدود، لن يوقفها تجميد أصول أو منع سفر. المطلوب الآن هو تحرك دولي حازم تحت البند السابع، وتجفيف منابع الدعم الإقليمي الذي تتلقاه هذه القوات، ومحاكمة قادتها أمام الجنائية الدولية كمجرمي حرب، وليس كأطراف في نزاع سياسي.
كادوقلي والمنظمات الإنسانية.. الحصار والموت
تداعيات هجوم السبت بدأت تظهر فورًا، حيث شرعت المنظمات الإنسانية في إجلاء موظفيها من كادوقلي، مما يعني حكماً بالإعدام على آلاف المدنيين المحاصرين في الولاية. هذا هو الهدف الحقيقي لـ"الدعم السريع": تفريغ المناطق من الشهود الدوليين ومن مقدمي الإغاثة، لتستفرد بالمدنيين وتمارس هوايتها في القتل والنهب بلا رقيب.
إن الوضع في جنوب كردفان، كما في دارفور والخرطوم، ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث يواجه السكان خطر الجوع والمرض والرصاص، وسط عجز دولي عن فرض ممرات آمنة أو حماية المنشآت الحيوية.
خاتمة: نهاية المشروع الإجرامي
إن هجوم "الدعم السريع" على الأمم المتحدة قد يكون المسمار الأخير في نعش أي محاولة لشرعنة وجودها سياسيًا. لقد أثبتت هذه الميليشيا للعالم أجمع أنها خطر ليس على السودان فحسب، بل على الأمن والسلم الدوليين.
لا مجال للحديث عن "طاولة مفاوضات" مع قتلة يستهدفون حفظة السلام. المعركة الآن هي معركة استئصال ورم سرطاني يهدد بتمزيق السودان وتحويله إلى بؤرة للإرهاب العابر للحدود. وعلى المجتمع الدولي أن يختار: إما الوقوف بحزم لإنهاء هذا الكابوس، أو الاكتفاء ببيانات الشجب بينما تحترق كادوقلي والخرطوم والفاشر بنيران "التتار الجدد".

