بينما ينشغل النظام الحاكم بطلاء واجهات العاصمة الإدارية وإهدار مليارات الدولارات على مشاريع "الشو الإعلامي" التي لا تسمن ولا تغني من جوع، استيقظت محافظة الأقصر فجر السبت على كارثة إنسانية جديدة، تُضاف إلى السجل الأسود لحكومة الانقلاب في تهميش الصعيد. في قرية "الدير" بمركز إسنا، لم يكن الانهيار مجرد حادث عرضي لمنزل متهالك، بل هو انهيار لشرعية نظام ترك مواطنيه يحيون في مقابر مفتوحة، ويموتون تحت أسقف من "الطوب اللبن"، بينما يبشرهم ليل نهار بجمهورية جديدة لا وجود لها إلا في خيال "الأذرع الإعلامية".
ليلة الموت في "الدير".. حينما يصبح السقف قاتلاً
في مشهد يجسد قمة المأساة والخذلان الحكومي، تحول منزل بسيط بقرية الدير شرق، بجوار مسجد السلام، إلى ركام فوق رؤوس ساكنيه. لم تكن الأسرة تعلم أن ليلتها تلك ستكون الأخيرة، وأن سقف بيتهم الذي يحتمون به من برد الشتاء سيغدو هو الأداة التي تخطف أرواحهم.
أسفر الحادث المفجع عن استشهاد الأم "فاطمة" (34 عاماً) وطفليها "عبدالرحمن" (10 سنوات) و"فدوى" (5 سنوات)، في واقعة هزت أرجاء الصعيد، وهو ما وثقته الصور المتداولة للضحايا وموقع الانهيار المأساوي هنا:
"حياة كريمة" أم "موت محقق"؟.. أين تذهب المليارات؟
يأتي هذا الحادث ليعري الدعاية الفجة التي يمارسها النظام حول مبادرة "حياة كريمة". فأين هي هذه الحياة في قرية لا يزال أهلها يقطنون منازل بدائية آيلة للسقوط؟ إن الواقع يؤكد أن شعارات التطوير التي يطلقها الجنرال ليست سوى حبر على ورق، أو دهانات تجميلية لمراكز خدمات خاوية، بينما البنية التحتية الحقيقية للمواطن البسيط منهارة تماماً.
إن استمرار وجود منازل الطوب اللبن في عام 2025 هو دليل دامغ على فشل السياسات الاقتصادية التي سحقت الطبقة الفقيرة، وجعلت ترميم سقف أو بناء جدار حلماً بعيد المنال في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار مواد البناء الذي تسببت فيه احتكارات الجيش والشركات التابعة للنظام.
وقد أكدت التغطيات الإعلامية المستقلة أن الحادث ليس فردياً، بل هو حلقة في مسلسل انهيارات لا يتوقف في محافظات الصعيد
غضب يكتسح منصات التواصل.. "الغلابة ملهمش دية"
لم تمر الكارثة مرور الكرام، بل تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى سرادق عزاء ومنصة لمحاكمة النظام. تداول النشطاء مقاطع فيديو وصوراً ترصد حجم الدمار، صابين جام غضبهم على المحليات التي لا تظهر إلا لجمع الإتاوات ومخالفات البناء، وتختفي تماماً عند الحاجة لإنقاذ الأرواح. وعلى موقع "إكس" (تويتر)، نشرت حسابات إخبارية ونشطاء لقطات حية لعمليات البحث تحت الأنقاض، متسائلين عن المسؤول الحقيقي عن ترك هذه الأسر لمصيرها المحتوم:
انهيار منزل من الطوب اللبن بإسنا شرق الأقصر وجارٍ حصر المصابين والوفياتhttps://t.co/bZEUuW1Nq4 pic.twitter.com/GH5YPY87fN
— Cairo 24 - القاهرة 24 (@cairo24_) December 13, 2025
وفي ذات السياق، ضجت صفحات فيسبوك بتعليقات ساخطة من أهالي الصعيد الذين يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثالثة. وقد رصدت التقارير المصورة التي بثتها القنوات الإخبارية صرخات الأهالي وعجز الإمكانيات المتاحة للإنقاذ في اللحظات الأولى، مما يعكس غياب الجاهزية لدى أجهزة الدولة للتعامل مع الكوارث في المناطق النائية:
المحليات.. فساد ينخر في عظام الوطن
إن تحميل "القدر" مسؤولية الحادث هو محاولة مفضوحة للهروب من المساءلة. المسؤول الحقيقي هو منظومة فساد المحليات التي تترك العقارات الآيلة للسقوط دون قرارات إزالة أو ترميم، وتنشغل بمطاردة الباعة الجائلين.
إن دماء "فدوى" و"عبدالرحمن" في رقبة كل مسؤول، من رئيس الوحدة المحلية وصولاً إلى رأس السلطة، ممن أولوا اهتمامهم للكباري الخرسانية وتجاهلوا البشر. وفي النهاية، يبقى السؤال الذي يؤرق مضاجع الغلابة: من عليه الدور غداً؟ وهل ستنتظر حكومة الانقلاب حتى يدفن الصعيد كله تحت الأنقاض لتتحرك؟ إن مأساة إسنا ليست مجرد خبر عابر، بل هي جرس إنذار بأن القادم أسوأ، وأن استمرار سياسات الإفقار والتهميش لن يحصد إلا مزيداً من الأرواح البريئة.

