في قلب العاصمة الإدارية الجديدة وأرقى تجمعات الشروق، حيث ترتفع أسوار مدارس "سيدز" الدولية بفروعها البراقة (SIS, SLS, SBS, SAS)، تدور خلف الأبواب المغلقة واحدة من أخطر قصص "بزنس" التعليم في مصر.
القصة ليست عن جودة المناهج أو فخامة المباني، بل عن إمبراطورية تعليمية غامضة تدار من الظل، وتتعامل مع أولياء الأمور بمنطق المكر والتهديد، وتضع أرباحها فوق سلامة الأطفال، في ظل غياب شبه كامل لرقابة الدولة.
إمبراطورية الظل.. إدارة واحدة وأسماء مكررة
الخداع يبدأ من الادعاء بأن كل مدرسة هي كيان منفصل. الحقيقة التي كشفها أولياء الأمور هي أن إدارة واحدة تتحكم في كل شيء. نفس الأسماء تتكرر في كل الفروع أمام الأهالي: "ميس رانيا، ميس داليا، أ. أحمد، مدام هالة، منى خالد".
هذه الشخصيات هي الواجهة الثابتة لإمبراطورية لا يُعرف لها رأس. الأخطر هو ما يتردد عن استخدام بعض هذه الأسماء لحسابات وهمية على جروبات أولياء الأمور، في ممارسة بوليسية صريحة هدفها مراقبة أي صوت معارض وتفكيك أي محاولة للتنظيم، مما يؤكد أننا أمام استراتيجية متعمدة لإبقاء المالك الحقيقي في الظل.
جدار من السرية.. ممنوع الاقتراب أو السؤال
أبسط سؤال يطرحه أي ولي أمر: "من هو مالك المدرسة؟" يتحول إلى سر حربي. لا أحد من أولياء الأمور يعرف بشكل رسمي هوية الشريك القانوني أو مجلس الإدارة. اللقاءات تقتصر على موظفين إداريين في الشؤون المالية أو العلاقات العامة، أما الوصول للمدرسين أو الإدارة التعليمية الحقيقية فهو شبه مستحيل.
هذا الجدار من السرية ليس عبثياً؛ فغياب هوية المالك يعني غياب المسؤولية القانونية. حين تقع كارثة، يجد ولي الأمر نفسه في مواجهة موظفين صغار لا يملكون قراراً، بينما يختفي صاحب "البيزنس" الحقيقي خلف الأوراق والأسماء المستعارة.
الترهيب وفصل الطلاب.. حين تصبح الشكوى جريمة
في مدارس "سيدز"، لا مكان للشكوى. الصوت المعارض يواجه بالتهديد المباشر. كما علقت إحدى الأمهات "هاجر النواوي"، فإن الإدارة التي تطرد طالباً لأن والده اعترض على تأخر الباص لساعات، لا يمكن استبعاد تورطها في التغطية على جرائم أكبر.
الشكوى قد تعني تدمير مستقبل طفلك التعليمي، وهو ما يجعل الكثيرين يصمتون خوفاً. هذا الترهيب الممنهج، الذي يتم في غياب تام لرقابة وزارة التربية والتعليم، يحول المدرسة من صرح تربوي إلى مؤسسة قمعية صغيرة، هدفها إسكات أي صوت قد يؤثر على سمعتها التجارية.
من هتك العرض إلى الاعتمادات الوهمية
ذروة المأساة تجلت في حادثة هتك عرض أطفال بأحد الفروع. عندما طالب الأهالي الغاضبون بمواجهة المالك، جاءت الردود باردة ومراوغة: "المدرسة شركة تعليمية تحت إشراف الوزارة".
هذا الرد كشف أن سلامة الأطفال هي آخر هموم الإدارة، وأن الأولوية هي حماية "الاستثمار". الكارثة لا تتوقف هنا، بل تمتد إلى التشكيك في مصداقية الاعتمادات الدولية (أوكسفورد، كامبريدج) التي تروج لها المدرسة. فكثير من المدارس الدولية في مصر تبيع الوهم للأهالي عبر ادعاءات باعتمادات غير موثقة، مستغلة ضعف رقابة الوزارة التي تكتفي بالإشراف الشكلي.
التعليم كـ«بزنس».. استثمار أجنبي أم فوضى محلية؟
يطرح المنشور تساؤلاً خطيراً حول هوية المالك، ملمحاً إلى إمكانية أن تكون إدارة أجنبية (إماراتية أو هندية)، على غرار مجموعة "GEMS Education" التي حولت التعليم إلى سلعة. سواء كان المالك محلياً أو أجنبياً، فالنتيجة واحدة: أطفال مصر أصبحوا أهدافاً لمشاريع استثمارية لا ترى فيهم إلا أرقاماً في دفاتر الأرباح.
وكما تساءلت إحدى الأمهات "دعاء خليل" في ذهول: "مع كل هذه الفضائح، لا يوجد محضر واحد أو قضية؟!". هذا الصمت المريب هو الدليل الأكبر على أن أولياء الأمور إما خائفون أو أنهم يواجهون كياناً أكبر من قدرتهم، في دولة تخلت عن دورها في حماية مواطنيها، وتركت أطفالهم فريسة لمن يدفع أكثر.

